محمد عبد القدوس يكتب : حكايات إحسان عبدالقدوس (أقوام غرباء في الجنة!)


أقوام غرباء في الجنة!

مات .. روحه تصعد إلى السماء ، وهو في كامل وعيه ..

جاء اليوم الذي غفل عنه لأنه كان مشغولاً بالدنيا ، إنه خائف ويرتجف ..

يخشى أن يلقى به في جهنم !!

ولكن النار لا يدخلها إلا الأشرار والكفار ..

وهو لم يكن يوماً شريرا ودوماً كان مؤمناً بالله إيمان راسخ ولم يطرق بابه الشك يوماً ..

واستقبلته الملائكة ..

جمالها يفوق ما تصوره لها في الدنيا ..

إنها بداية مبشرة ، ورأى بعدها نور يشع في كل مكان ..

لابد أنه في الحضرة الإلهية فسجدت روحه على الفور !

ثم هدأت الأنوار 

وسمع صوت ضخم يطلب إليه أن ينتبه ، لا يدري من أين جاء ، يبدو أنه القاضي الذي سيحاسبه ، لكن لماذا لا يراه كما رأى الملائكة ؟

وقال صاحب الصوت الضخم لقد بحثنا في سجل حسناتك وسيئاتك !!

رد على الفور: أنا في حمى الرحمن !!

سمع ذات الصوت يقول: لك سجل حافل من الحسنات ..

قدمت خير كثير للناس ..

وعشت دوماً مؤمناً بالله.

إبتسمت روحه قائلة: الحمد لله ..

وفجأة دوى صوت آخر فيه خشونة وغلظة: لكن لك سجل واسع من السيئات !!

وسكت ولم يرد !

لقد فرطت في صلاتك !!

لم يحاول الدفاع عن نفسه بل قال: كنت دوماً مؤمناً بالله ..

أفعل الخير للناس ولم أؤذ أحد !!

قال الصوت الغليظ: شربت الخمر رغم أنك تعلم إنها حرام ..

أجاب بنفس الإجابة السابقة: كنت دوماً مؤمناً بالله .. أفعل الخير للناس ولم أؤذ أحد !!

ولك سجل في معاشرة النساء خارج نطاق الزوجية رغم أنك متزوج !!

أجاب: إنها أخطاء أعترف بها وأطلب من ربي المغفرة .. لقد كنت دوماً مؤمناً بالله .. أفعل الخير للناس ولم أؤذ أحد !!

ربنا غفور رحيم وهو أرحم الراحمين.

وسكتت كل الأصوات وأطفئت الأنوار وسمع من يقول له بصوت كله حنان ورقة: "الجنة" !!

وطارت روحه من الفرح ..

ثم سجدت شاكرة ..

ودخل الجنة ورأى هناك أقوام غرباء .. شكلهم بدائي .. 

سألهم: من أنتم ؟؟

كانت الإجابة: نحن بشر لم تصل إلينا أي رسالة سماوية ، لكننا كنا نفعل الخير للناس .. وعشنا سالمين ولم نؤذ أحد.

ملاحظة: هذه حكاية من حكايات والدي الدينية رحمه الله ، وهو كما أخبرتك الأسبوع الماضي من أكثر الأدباء المعاصرين الذين لهم حكايات دينية ، وكل منها مكتوب بأسلوب غير تقليدي وغريبة على القارئ وجديدة عليه في نفس الوقت ، لكن هذه الحكايات "تاهت" وسط أعماله القصصية الشهيرة الأخرى ومعظمها تحولت إلى أفلام سينمائية.

وحكاية اليوم نشرها والدي في مجلة "صباح الخير" قبل أكثر من ستين سنة وأثارت ضجة لأنها كانت جديدة من نوعها .. ولكن العديد من الأقلام ورسائل القراء أشادت بالقصة وصاحبها لأنها دعوة غير مباشرة للإيمان بالله والأستعداد لليوم الآخر .. والحذر من المعاصي التي تغضب الله، لأن المرء سيحاسب عليها في الآخرة ، ولولا رحمة ربنا ومغفرته لتلقى بطل الحكاية عقاب على ما أرتكبه لآثام تغضب السماء ، لكن ربنا بفضله وكرمه عفى عنه لأن حسناته التي تمثلت في الخير الكثير الذي كان يقدمه للناس وحرصه على عدم إيذاء أحد رجحت على سيئاته ، وهكذا دخل الجنة.


تعليقات