يكتب محمد حماد : كل يوم قصة وآية (7) فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ


غزوة أحد من أشد الغزوات على النبي ﷺ وعلى المسلمين، وفيها قتل سبعون رجلا من خيار المسلمين، وكسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم وكاد أن ينال منه المشركون، وثبت معه ثلة من الصحابة يدافعون عنه.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما يذكر يوم أحد يقول: «ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول من جاء الى النبي فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: دونكم أخاكم. ونظرنا، وإذا طلحة به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، وإذا أصبعه مقطوعة، فأصلحنا من شأنه».

التفاصيل يرويها جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فيقول:

 لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَوَلَّى النَّاسُ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي نَاحِيَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَدْرَكَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلْقَوْمِ؟» فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «كَمَا أَنْتَ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَنْتَ». فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: «مَنْ لِلْقَوْمِ؟»، فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ: «كَمَا أَنْتَ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَقَالَ: «أَنْتَ». فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَيُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يُقْتَلَ، حَتَّى بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “مَنْ لِلْقَوْمِ؟» فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ الأَحَدَ عَشَرَ حَتَّى ضُرِبَتْ يَدُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ.

ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ

ونزل قوله تعالى: «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» «الأحزاب: 23»، فتلاها رسول الله أمام الصحابة الكرام، وقال وهو يشير إلى طلحة قائلاً:

ـ «من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة».

هو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوُفِّي رسول الله وهو عنهم راضٍ، وأحد الذين كانوا مع رسول الله على الجبل فتحرَّك بهم. فقال: (اسكن حراء، فما عليك إلا نبيٌّ، أو صدِّيقٌ، أو شهيدٌ) وعليه النبي ﷺ وأبو بكرٍ وعمر وعثمانُ وعليُّ وطلحةُ والزبيرُ وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضيَ الله عنهم).

كان إسلام طلحة بن عبيد الله مبكراً ويروي قصة اسلامه فيقول: حضرت سوق بُصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قلت: نعم، أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعدُ؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه.

يقول طلحة : 

فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبَّأَ، وقد تبعه ابن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلقْ إليه فادخلْ عليه فاتّبعه؛ فإنه يدعو إلى الحق. فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله، فأسلم طلحة وأخبر رسول الله بما قال الراهب، فسُرَّ النبي بذلك.

موقفه في الفتنة

وكان لطلحة موقف من الفتنة في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان، وزكَّى معظمهم فيما ينشدون من إصلاح، ومن بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أتم طلحة المبايعة هو والزبير لعلي رضي الله عنهم جميعاً وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان.

ولما كانت واقعة الجمل عام 36 من الهجرة، وقد ثقل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكون طلحة والزبير في فريق وهو في الفريق الآخر، وانهمرت دموع عليَ رضي الله عنه عندما رأى أم المؤمنين عائشة في هودجها بأرض المعركة، وصاح بطلحة: «يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت»،

 ثم قال للزبير: «يا زبير: نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، ألا تحب علياً، فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني، فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم. فقال الزبير: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك»،

 ثم قال لطلحة بن عبيد: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من ولاه وعادِ من عاداه؟» قال: نعم. قال: فلِمَ تقاتلني؟ قال: لم أذكُرْ، قالَ: فانصرَفَ طَلْحةُ.

أقلع طلحـة والزبيـر رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب، ودفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته، وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا: 

«اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم: «ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين»،

 ثم نظر إلى قبريهما وقال: «سمعت أذناي هاتان رسول الله يقول: «طلحة والزبير، جاراي في الجنة»،

 رضي الله عنهم أجمعين.

تعليقات