قديما كان ماسبيرو يشترط موافقة الأمن علي التعيين في أي وظيفة بالهيئة في تصرف غير قانوني، فلا يمكن لمبدع مهما كانت موهبته أن يكون أحد أبناء ماسبيرو إلا بتلك الموافقة، والمثير للدهشة أن تجد داخل لجنة اختيار القيادات الإعلامية رئيس قطاع الأمن، ولا تتساءل لماذا هو موجود؟ وإن تساءلت ستخرج من اللجنة متأكدا أنك لن تلتحق بالوظيفة التي تستحقها.
تزداد الدهشة عندما تجد أن قيادات ماسبيرو بولائهم لإدارة الأمن والأجهزة الأمنية يتطوعوا بلا سند قانوني لإبلاغك بضرورة موافقة الأجهزة الأمنية علي تعيينك قيادة او تجديد ترقيتك، وطبعا لا مانع دعمهم بمعلومات عن السيد المذكور يصبح جيدا ومطيعا وهذا هو المطلوب، أو مثقفا وله مواقف سياسية وفكرية يساري، شيوعي، إخواني، ويشارك في تظاهرات احتجاجية وهذا غير مرغوب به.
وتصبح الاتجاهات السياسية والفكرية للإعلامي عائقا أمام عمله وسببا في إبعاده عن الأعمال ويتحسس رئيسه في الموافقة على أي مقترح إعلامي أو فني له، بل يتطور الأمر إلى مصادره فيخشى الموافقة على مصادر معينة ويذهب إلى مسؤولين قطاع الأمن لاستشارتهم في مصادر معينة ومن هنا كانت قوائم المصادر الممنوعة، و يتطور التوغل الأمني حتى يصبح قطاع الأمن وسية لحلول مشاكل إعلامية وتجد مجموعة عاملين لديهم مشكلة إعلامية فيذهبون لرئيس القطاع لإيجاد حلول لها، وصارت الغالبية في ماسبيرو منتسبين للأمن حتي لو لم يحتاج الأمن لمجهودهم.
توغل أمني
هكذا صار قطاع أمن التليفزيون يتحكم في كل ما يتم في المبنى الكبير من تعينات حتى ما يذاع على الشاشة، وتصبح علاقة الإعلاميين برؤساء ومديري القطاع أهم الميزات لديهم فهي مفتاح الحصول على برامج أكثر أو عمل درامي متميز في قطاع الإنتاج، ووسيلة لتعيين الأقارب والمعارف وترقيتهم، في المقابل على الإعلامي والقيادي الذي حاز رضا الأمن أن يصبح مرشدا على زملائه والمصادر الإعلامية سواء من يتم استضافتهم أو يتعاونوا في تجهيز المادة الإعلامية، وكذلك يصبحوا أدوات دعاية حزبية للحزب الحاكم أو لقيادات المحليات والدولة، وفي تلك مكاسب كثيرة لهم.
أذكر أن كثيرا ممن تمتعوا بمواهب إعلامية وفنية في قنوات التليفزيون، وقطاعاته قد تم محاربتهم بسبب ثقافتهم أو أفكارهم، وتدخل قطاع الأمن كثيرا في إيقاف إنتاجهم الإعلامي والفني، وكثيرون وجدوا في البحث عن التميز الذي يمتلكون أدواته إعاقة لمستقبلهم المادي والإبداعي فتحولوا إلى مجرد منفذين لما يملى عليهم.
غضب من هيمنة الأمن وفساد الإدارة
أتذكر في 20 مارس/ إذار 2003 أثناء سقوط بغداد وكنت أقدم حلقات عن المقاومة العربية عبر التاريخ على شاشة الثقافية المصرية وكنا نبث الحلقات من استوديو في المقطم، وأثناء خروجي من المبنى استوقفني أمن التليفزيون واستولى على شرائط البث، وذهبت إلى رئيس قطاع الأمن معترضا على ما حدث، عند دخولي مكتبه وجدت السيرة الذاتية لي ومعد البرنامج وطلب مني أن أتوقف عن البث، رفضت وقلت: إني سوف أبث ما حدث معي على الهواء، ولأن قبضة الأمن لم تكن قد استحكمت كما حدث فيما بعد فتراجع الرجل وتم بث الحلقة.
إيقاع هيمنة قطاع الأمن تصاعد فيما بعد وفي سنوات تولي أنس الفقي الوزارة اتسعت رغم حالة الإنفراجة الشكلية في البرامج الإخبارية في تلك الفترة التي شهدت برامج مثل البيت بيتك، حالة حوار، وغيرها من البرامج التي بدأت تنتشر منذ 2004 التي تطورت في الإعلام المصري من حالة الحوار إلى المونولوج لمقدمي البرامج (برنامج المذيع الواحد)
في مارس 2009 كانت تلك البرامج قد هيمنت على ماسبيرو واختصت بها القناة الأولى وقطاع الأخبار، وقد كانت مقتصرة على القادمين من خارج ماسبيرو وبعض ذوي الحظوة لدي القيادات، وكانت أجور هؤلاء ضخمة جدا لدرجة لا يتصورها أحد وعرفنا الأجر الذي يصل إلى الملايين (تذكر مكالمة أنس الفقي مع محمود سعد) وبعضهم كانوا أبناء ماسبيرو فكانت الحيلة لهم أجازة بدون مرتب ثم تعاقد من الخارج (تامر بسيوني مثال) إذكر أن مدير تحرير البيت بيتك كان يحصل على 330 الف جنية شهريا ما يعادل في تلك الفترة 50 الف دولار، في تلك الفترة كان أقصى دخل لأبناء ماسبيرو لا يتعدى 5000 جنيه مصريا.
مارس 2009 تظاهر خارج الأسوار
إذاء هذه الأوضاع تصاعد الغضب واحتج أبناء ماسبيرو ثم خرجوا أمام المبني أعتراضا على وجود الغرباء واستبعادهم، وظلت المظاهرات مشتعلة ثلاثة أيام، خلال الأعداد لهذه المظاهرات كان لقطاع الأمن الدور الرئيسي في تهديد العاملين ومحاولة إثناءهم عن التظاهر، وخلال أيام التظاهر جاء العديد من المفاوضين من أعضاء مجلس الشعب للتفاوض، ثم كان الحادثة الكبرى احتجاز قطاع الأمن ورئيس الاتحاد في ذلك الوقت أحمد أنيس لعشرات ممن تخيلوا أنهم صانعي التظاهر وتهديدهم.
كان هذا التدخل الأقوى لقطاع الأمن الذي اعتمد على عديد الإعلاميين سواء من أبناء العاملين أو ممن ساعدهم في الترقية والتعيين، وقد انتهي التظاهر بنزول وزير الإعلام أنس الفقي وطالب الإعلاميين بمنح مساحات لأبناء ماسبيرو، عمل لائحة أجور جديد لهم، أنشاء نقابة الإعلاميين، تقليل عدد المتعاملين من الخارج وإبعاد يد الأمن عن الإعلام، وتغيير قيادات ماسبيرو وهو الذي تم في 6 إبريل 2009 وهو اليوم الشهير سياسيا بيوم الغضب الذي اعلنته القوى السياسية في ذلك العام قبل يناير بعامين، وكان خروج أبناء ماسبيرو دليل واضح على الغضب الشعبي على نظام مبارك.
مؤخرا اصبح الكثيرون من العاملين في الهيئة الوطنية للإعلام بصاصين، ينقلون لجهات الأمن المتعددة تحركات زملائهم إلى جهات الأمن التي تعددت داخل ماسبيرو، وشهدت السنوات بعد 2016 رقابة هؤلاء البصاصين على صفحات التواصل الاجتماعي للعاملين، ونقل هذا للرؤساء الذين يتولون توصيل المعلومات والأراء إلى جهات الأمن سواء القطاع نفسه أو أجهزة الدولة الأمنية فكل جهاز له من يتبعه داخل الهيئة، وصارت العلاقات في بعضها علنية، الجديد الآن هو وجود إدارات من داخل قطاعات ماسبيرو أصبحت هذه مهنتها ولها مديرين عموم وموظفين، الرقابة والتجسس على الإعلاميين، ومن ثم تحويلهم إلى النيابة الإدارية والمحكمة التأدبيية.
هل يستطيع المسلماني؟
السؤال هل يستطيع أحمد المسلماني رئيس الهيئة ومجلسها الجديد أن يخفف من قبضة القطاع والأجهزة الخارجية عن الإعلاميين سواء في أعمالهم داخل المبنى وعدم الرقابة على المصادر الإعلامية أو الأراء الشخصية على وسائل التواصل؟ هل يمكن أن يعطي مساحة لحرية التعبير عن مشاكل المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، وحتى لو تم استبعاد الموضوعات السياسية؟ هل يمكن أن تصبح قواعد التوظيف والترقيات في ماسبيرو بدون موافقات أمنية؟ لا أريد هنا أن أن يكون الموضوع صعبا وأطلب تنوع الأتجاهات السياسية لكن على الأقل حرية العمل الإعلامي بعيدا عن تعقيدات الحالة السياسية، تلك أحد أهم معضلات المسؤولين عن الهيئة الوطنية للإعلام.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق