محمد حماد يكتب : كل يوم قصة آية (5) أهدنا الصراط المستقيم

 


من يقرأ سورة الفاتحة يجدها مركبة من ثلاثة مقاطع، الأول حمد وتمجيد لله رب العالمين، والثاني إعلان العبودية لله مالك يوم الدين، ثم الثالث وهو طلب الهداية.

والمقطعان الأولان من السورة بمثابة التمهيد المطلوب والطبيعي للمقطع الأخير، فإذا كنت صاحب طلب فليس أقل من أن تقدم بين يدي طلبك اعتراف بالحمد والكمال لله رب العالمين، 

وليس أقل من أن تعلن عبوديتك له، واستعانتك به وحده دون سواه، ثم بعد أن مهدت لطلبك بهذا تدعوه لأن: يهديك.

تفعل ذلك في اليوم والليلة الواحدة سبعة عشر مرة على الأقل، في الصلوات المفروضة، كل يوم في الفجر وفي الظهر وفي العصر وفي المغرب وفي العشاء، تدعو ربك: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، 17 مرة في اليوم على الأقل، وتبقى هكذا طول العمر، تطلب الهداية، 

كان هذا أول ما لاحظته وأنا أمعن التفكير في آيات سورة الفاتحة، تلك السورة التي افتتح بها ربنا جل وعلا كتابه الكريم،  ولكنني لاحظ أيضاً  أنك لا تطلب الهداية فقط سبعة عشر مرة في اليوم والليلة ولكنك تطلب الهداية بصيغة الجمع: اهدنا، 

لا تقول اهدني الصراط المستقيم بل تقول اهدنا الصراط المستقيم، ذلك لأن كل هداية للفرد تبقى منقوصة، لو أن المجتمع كله لم يكن على طريق الهداية، هدايتك منقوصة لو أن أهل بيتك على غير الطريق المستقيم، هدايتك منقوصة لو أن أهل وشارعك وقريتك ومدينتك ووطنك وأمتك على غير طريق الهدى.

الهداية الفردية قد تكون طريقا للخلاص الفردي ولكنها تبقي الفرد معرضا أكثر للانتكاس عن الهداية والتنكب عن الطريق المستقيم إذ المجتمع الذي يعيش فيه يدعوه إلى الضلالات.

أنت مطالب بالصلاة في الجماعة، وكلما كانت الجماعة أكبر كان ثوابك أكبر، لأن الإسلام هو دين الجماعة بامتياز، صلاته في جماعه وحجه في جماعة وصومه في جماعة، وزكاته من أجل الجماعة، ولا يعرف الانعزال في غير الفتن.

هذا كله معروف، أما ما كنت فكرت فيه مليا فهو لماذا؟

لماذا يشترط لصحة الصلاة قراءة الفاتحة في كل ركعة فيها، وهي أي الفاتحة عبارة عن هذا الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم)، ومن الذين يدعون بهذا الدعاء هم المصلون العابدون، بل إن المصلي العابد لله المؤدي لكل الفروض والنوافل، يكثر معه الطلب بالهداية يومياً، وعلى مدار الساعة.

إذا نطرت إلى الصفحة المقابلة في مصحفك ستجد صدر سورة البقرة بلفت نظرك إلى أنه كتاب الله الذي لا ريب فيه، فيه هدى للمتقين، ساعتها ستعرف أننا مطالبون ـ بمعونة هذا الكتاب ـ بالهداية على صراط الله المستقيم الذي يرسم ملامحه كتاب الله المجيد في آياته وأحكامه وحقائقه وعبره ودروسه وهداياته.

اللهم اهدنا صراطك المستقيم.

تعليقات