علي أبو هميلة يكتب : ماسبيرو المشكلة والحل؟ (4) قطاع الانتاح الدرامي


شهر رمضان واحد من المواسم الدرامية المهمة لصناع الدراما العربية ربما يكون الموسم الأضخم والأكثر إنتاجا هكذا عرف الموسم منذ نشأة الإنتاج الدرامي التليفزيوني مع ظهور الشاشة في بداية الستينات من القرن الماضي، واستمر موسم رمضان الدرامي حتى الآن، وتنوعت المائدة الدرامية عبر سنوات طوال وتعددت جهات الإنتاج الدرامي ما بين مؤسسات الدول وخاصة مصر وسوريا ولبنان، ثم العراق وتونس والمغرب مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

كان لتليفزيون مصر السبق في هذا المجال، واضيف إليه شركات الإنتاج الخليجي أيضا في الكويت والسعودية بالإضافة إلى الشركات الخاصة المصرية التي بلغت قمة إنتاجها في العقد الأول من القرن الجديد، وفيما بعد 2014 حاولت جهات إنتاج جديدة مصرية وعربية احتكار الإنتاج الدرامي وصارت المواسم الدرامية خلال الأعوام الأخيرة شاهدة على هذا الاحتكار الذي صار لنوعية الإنتاج، أيضا للعاملين في المجال الذي صار أغلبهم بحاجة لتنازلات فنية، ووساطة لأجل العمل، فهناك مؤلفين، مخرجين وفنيين، وأيضا ممثلين كبار أصبحوا من رواد قهوة المعاشات ولا يجدون من ينتج أعمالهم، أو يقوم بتشغيلهم كل هذا جراء غياب الدولة وقطاعات أنتاج ماسبيرو.  

نتائج احتكار الإنتاج 

الواقع أن غياب مؤسسات الدولة عن الإنتاج الدرامي جعل الدراما المصرية والعربية محل انتقاد كبير واصبحت نوعية واحدة من المضمون تقدم من خلال المؤسسات المحتكرة  وغاب التنوع الدرامي الذي كان يميز الموسم الرمضاني، وصل الحال إلى غياب كامل للدراما السياسية والتاريخية والدينية في الموسم الحالي فيما عدا المسلسل الذي يقدم السيرة الذاتية لمعاوية بن أبي سيفان، أما الموسم الماضي فقدم عملا عن الإمام الشافعي وقد كان عملا مميزا في تقديري. 

هذه الثنائية الدرامية في النوعية استدعت في وجدان المشاهدين ماضي الإنتاج الدرامي لمؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرية، ومع نهاية القرن الماضي كانت هناك ثلاث مؤسسات تابعة له تقدم نوعيات متعددة ومتنوعة منه وهي قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة وأخيرا مدينة الإنتاج الأعلامي، وصلت قمة الإنتاج الدرامي المصري طوال عقدي الثمانينات والتسعينات بقيادة قطاع الإنتاج التابع للهيئة الوطنية للإعلام (اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقا) ومع توالي السنوات اصبح الغالبية يحنون إلى تلك السنوات التي تألق فيها ماسبيرو بشركات إنتاجه. 

شهدت تلك السنوات أكثر من عشرة استوديوهات مصرية تابعة للاتحاد تعمل ليل نهار من أجل تقديم إنتاج متميز ومنتوع، وهي استوديوهات القطاعات الثلاثة، إضافة إلى ما يقدمه القطاع الخاص وقد كان العرض على شاشات التليفزيون المصري يحتاج سعي من جانب تلك الشركات فقد كان موسم رمضان الدرامي والبرامجي موسم ماسبيرو وقنواته، وسعت كل الشركات الخاصة لتحصل على مساحة عرض على شاشته سواء دراميا أو برامجيا. 

سنوات الجفاف 

بدأت استويوهات ماسبيرو الست التي تنتج الدراما، ومثلها استوديوهات صوت القاهرة في الإظلام رويدا رويدا مع بداية عام 2005 وظهر ما يسمي بشركات المنتج المنفذ بديلا لقطاعات وشركات ماسبيرو وتضاءل الإنتاج مع سنوات تواجد أنس الفقي وزير الإعلام قبل ثورة يناير، ثم بوجود أسامة الشيخ رئيس الاتحاد، فقد اعتمد الثنائي على شركات القطاع الخاص كمنفذة بديلة لما اعتبراه بيروقراطية ماسبيرو وقواعده سواء في جودة النص والاختيار أو في المراقبة الدقيقة في الصرف على الإنتاج، أيضا في التخلص من الفنيين وكوادر ماسبيرو في كافة المهن الفنية، وهو الحال الذي انصرف أيضا على البرامج التي أنتجت في عهد الثنائي والتي منحت لها ميزانيات ضخمة جدا كان من الممكن أن تنتج أعمالا درامية كبيرة، وكانت تلك السنوات هي بداية أهمال ماسبيرو وقطاعات أنتاجه الدرامي والبرامجي. 

أنظفأت أضواء استويوهات الدراما في ماسبيرو وتحولت أكبر أستويوهات الدراما إلى إنتاج برامج أخبارية ومنوعات عمادها الرئيسي القادمون من الخارج، أما المعروض على شاشات ماسبيرو فقد كان تمويل موازنته وإنتاج شركات خاصة صاحبة نفوذ لصناع القرار، وهكذا صار على المتلقى أن يكون تحت رحمة ذوق تلك الشركات وتلاشت قواعد كانت صارمة في الإنتاج والعرض والتنوع في الموضوع( وإن بقي ما أنتج حينها أفضل من الحالي) 

 مطلوب من المسلماني

تركة كبيرة لماسبيرو ومن يقوده فهو يملك أمكانات كبيرة لوجستية وبشرية (من تبقى منهم) ويمتلك قواعد إنتاجية تراعي الموازنة والجودة الإنتاجية والتنوع في الموضوع، يمتلك ورش إنتاج ديكور، ملابس، حلي، ومخازن تمتلأ بثراث كبير أن لم تستخدم ممكن تحويلها لمتحف فني. 

لذا يجب على مجلس الهيئة الوطنية للأعلام أن يبدأ من داخل ماسبيرو لا من خارجه، أن يبحث عن أمكانيات المبنى ولا يضيف عليه أعباء شكلية جديدة أكاديمية، هيئة استشارية، برتوكول تعاون، ويخلع عنه فكرة المانشيت ثم ينظر ماذا يمكن لماسبيرو أن ينتج؟، أقول لك أولا أعد استوديوهات قطاع الإنتاج الدرامي إليه من قناة الأخبار وقطاع الإخبار، فلتعد أستويوهات 3،4،5،10 إلى القطاع الذي كان يملأ خرائط القنوات العربية دراميا يوما ما.

 أعد تشغيل ورش إنتاج الديكور، والملابس، والأكسسوار، والحلي والمجواهرات إلى القطاع، أنظر من تبقى من أبناء المبنى، استدعيهم لعمل موسم درامي جديد يبدأ مع الصيف، استنهض في نجوم مصر في الإنتاج الدرامي حسهم الوطني ليعيدوا ماسبيرو كما كان خلية نحل لا تهدأ طوال العام.

صدقني ستجد من يمد لك العون بالجهد ولكن لا يكون هذا مجانا بل يمكن أن يكون بأجر أقل كثيرا من الخارج، أكسر احتكار الشركة الوحيدة للإنتاج الدرامي في مصر وأجعل ماسبيرو بيتا لكل الذين لا يجدون فرصة لهم أو وسيلة للشركة المحتكرة.

تحدث وأنت تمتلك تاريخ مبنى عريق وأمكانياته البشرية والفنية، تحدث لأن هناك من أخذ تاريخك وثروتك، وأدوات للقوة أعد تلك الأدوات، وبمناسبة الأدوات أقرا كتاب اتحاد الإذاعة والتليفزيون لترى ثروات ماسبيرو التي أخذوها الترددات قصيرة المدى، وطويلة المدى داخل مصر، حق البث للبطولات الرياضية في مصر وكان حقا حصريا للهيئة (الاتحاد) لعل هذا يمدك بحزء من الاحتياجات المادية. 

عليك أن توفر الحد الأدني من الأمكانيات الفنية واللوجسيتية للبرامجيين في ماسبيرو للإنتاج قديما كان هناك أجهزة تشترى لتملأ المخازن في قطاع الهندسة الإذاعية أبحث فيها لترى هل فيها ما ينفع العصر وحداثته، أن لم يكن عليك أن تحاول شراء أجهزة أحدث، حاول أن تنهي فكرة برامج الأتوبيس (برنامج واحد يومي يشترك فيه عشرات من المخرجين) التي اخترعها أنس الفقي وأسامة الشيخ لدفن أبناء ماسبيرو ومواهبهم فقد رأى كلاهما أن مشكلة ماسبيرو في أعداد العاملين به.

المصدر : الجزيرة مباشر نت 

تعليقات