نزلت في أبيه آية الشهداء، وفيه نزلت آية الكلالة
الصحابي جابر بن عبد الله أسلم صغيراً، وشهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين أنصارياً، وكان أصغر المبايعين سناً، أراد الخروج إلى غزوة أحد فأمره أبوه أن يبقى في المدينة ليخلفه على أخواته، وقاتل فيها قتال الأبطال، حتى ارتقى مثخناً بالجراح، وذهب جابر يبحث عن أبيه، فوجده بين الشهداء، وقد مثَّل به المشركون.
وقف جابر وبعض أهله يبكون شهيدهم، فمرَّ بهم رسول الله ﷺ، فسمع صوت أخته تبكي، فقال لها: (تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).
ثم قال ﷺ لجابر وقد رآه مهموماً: ألا أخبرك أن الله كلَّم أباك كفاحاً، فقال: يا عبدي سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً، فقال الله له: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال عبد الله: يا رب، أبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى آية الشهداء:
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
بعد دفن أبيه، جاء حابر إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن أبي ترك ديناً عليه، وليس عندي ما أفيه به إلا ما يخرجه ثمر نخيله، ولو عمدت إلى وفاء دينه من ذلك لما أديته في سنين، ولا مال لأخواتي أنفق عليهن منه غير هذا، يقول جابر: فقام رسول الله ﷺ، ومضى معي إلى بيدر تمرنا وقال لي: أدع غُرماء أبيك فدعوتهم، فما زال يكيل لهم منه حتى أدى الله عن أبي دينه كله من تمر تلك السنة، ثم نظرت إلى البيدر فوجدته كما هو، كأنه لم تنقص منه تمرة واحدة.
وحدث أن تزوج جابر امرأة ثيباً لتكون أماً لأخواته البنات، ويروي عن ذلك فيقول: كنا مع رسول الله ﷺ في غزاة، فلما أقبلنا تعجلت على بعير لي قطوف، فلحقني راكب خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فالتفتُ فإذا أنا برسول الله فقال: ما يعجلك يا جابر؟، قلت: يا رسول الله إني حديث عهدٍ بعرس، فقال: أبكراً تزوجتها أم ثيباً؟، قلت: بل ثيباً، قال: هلا جارية تلاعبها وتلاعبك، قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن.
حين رأى النبي ﷺ تثاقل جمله، وأدرك حاجته إلى المال قال لجابر: أتبيع جملك؟، فوافق على الفور، يقول: فاشتراه مني بأوقية، ثم قدم رسول الله ﷺ وقدمت بالغداة، فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد، فقال: الآن حين قدمت؟، قلت: نعم، قال: فدع جملك وادخل فصل ركعتين، فدخلت فصليت ثم رجعت فأمر بلالا أن يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان، فانطلقت فلما وليت قال: ادع لي جابرا، فدعيت فقلت: الآن يرد عليَّ الجمل، ولم يكن شيء أبغض إلىَّ منه، فقال: خذ جملك ولك ثمنه.
ظل جابر وفياً لوصية أبيه في أخواته، حريصاً عليهن حتى وهو يظن أنه مقبل على الموت، وقد صح أنه نزلت فيه وفيهم آية الكلالة، يقول: اشتكيتُ وعندي تسع أخوات لي، فدخل عليَّ النبي ﷺ فنفخ وجهي، فأفقتُ، وقلت: يا رسول الله، ألا أوصي لأخواتي بالثلث؟، قال: «أحْسَنُ»، قلت: الشطر؟، قال: «أحْسَنُ». ثم خرج وتركني.
ومن بعد رجع النبي إليّ النبي ﷺ فقال: (يا جابر إني لا أُرَاكَ مَيِّتاً من وجعك هذا، وإن الله قد أنزل في الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين، فكان يقول: أنزلت هذه الآية فيَّ، ويقرأ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
قيل هي آخر آية نزلت ورسول الله ﷺ متجهّز لحجّة الوداع.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق