علي أبو هميلة يكتب : السؤال الصعب : ماسبيرو المشكلة والحل؟ 1

هل نعرف ماسبيرو؟ 

تدب داخل المبنى العتيق حركة تحمل في طياتها آمال للكثير من أبناء الصرح الإعلامي الذي يتهاوى بهدوء منذ أكثر من 15 عاما، وللملايين من المشاهدين الذين لازالوا يستذكرون أياما وأعواما كان المبني منارة الإعلام العربي وصاحب النصيب الأكبر من الإنتاج التليفزيوني والإذاعي الدرامي والبرامجي.

منذ أكثر من شهر كان التشكيل الجديد للهيئة الوطنية للإعلام ومعه جاءت تلك الآمال، ومعه أيضا جاء حذر البعض من أبناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي عاصروا الكثير من التغييرات منذ ربع قرن من الزمان على الأقل.

 ما بين الكثير من التفاءل والقليل من الحذر جاء الكاتب الصحفي أحمد المسلماني كرئيس للهيئة ومعه التشكيل الجديد للهيئة، وقد قررت كأحد أبناء ماسبيرو وعايشته 30 عاما أن انتظر لرصد ما يحدث داخل المبني صاحب أيام الحلم والألم حتى لا أصبح كمن يقذف أحجارا على مولود صغير، أو من يبحث عن أخطاء للقادمين إلى منزله الذي أخذ منه العمر والجهد والأحلام وزرع في نهاية أيامه الألم في قلبه. 

عندما سألني الكاتب الصحفي سليم عزوز السؤال المؤلم والجرح : أرى أن أحمد المسلماني تائه وغرقان في المبنى الكبير فهل يمكن أن نكون دليله وخاصة أنك عشت سنوات طويلة فيه؟ السؤال الكبير أثار ذكريات كثيرة ما بين الأحلام والآلام والنجاح والإخفاق، انفتحت بوابات لا نتنهي من المواقف والأعمال ذكريات بقدر ما تحمل من الحزن تحمل لحظات من السعادة.

 قررت بناء على نصيحة ورغبة الصديق الكبير سليم عزوز أن أكتب هذه المقالات لعلها تكون إرشادا للسيد أحمد المسلماني في مهمته، وقبل الأنتقال للإجابة على السؤال لا أنكر بعض خطوات له تلاقي قبولا من الكثير من أبناء ماسبيرو مثل قرارات رفع الإعلانات من إذاعة القرآن الكريم، إستعادة أصوات كبار قراء القرآن، أحتفالية اليوبيل الذهبي لرحيل أم كلثوم، عنايته بالرعاية الصحية رغم مشاكلها المالية الضخمة التي أعتقد أن المسلماني لا يستطيع مواجهتهاإلأ بدعم الدولة.

 أخيرا ما وصلني من أحد الزملاء عن محاولة أحياء مسرح ماسبيرو وهو المشروع الذي كنت صاحب فكرته ومؤسسه مع مجموعة من الزملاء من أبناء ماسبيرو والمسرحيين وكنا قد جهزنا عروض ستة أعمال مسرحية للعرض في ربيع  2016 وتوقف المشروع والعروض برحيل عصام الأمير وقدوم صفاء حجازي كرئيس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وقررت أنهاءه لوجود أسمي على رأس الموضوع، والواقع أن خبرا مثل محاولة إعادة مشروع مسرح ماسبيرو يجعلنا نحلم والحلم مشروع في إعادة كل قطاعات ماسبيرو وإحياءها من مرقدها الذي استمر كثيرا، وكذلك القرار المشار إليه من صفاء حجازي يشير إلى مشكلة كبرى من التي أدت إلى حالة الكيان الكبير وهي ترهل الإدارة وطريقة أختيار القيادات. 


مشهد ينايري 

صبيحة السبت 12 فبراير 2011 وعقب جمعة التنحي التي أعلن فيها حسني مبارك تنحيه عن الحكم وتكليفه المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد حاصر أبناء ماسبيرو مكاتب كل قيادات ماسبيرو أسامة الشيخ رئيس الاتحاد، عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار، سوزان حسن رئيس التليفزيون، وهاني جعفر رئيس قطاع الأقليمات ورؤساء قطاعات الأمن والإذاعة والإنتاج الدرامي مطالبين بالتغيير وإقالة هؤلاء المسؤولين عما حدث قبل يناير وأثناء الثورة.

 خرج هؤلاء جميعا من مبني ماسبيرو تحت حراسة الشرطة العسكرية والقوات المسلحة، وفي اليوم التالي بدأ أعتصام في قطاع الأخبار لإقالة كل قيادات القطاع المسؤولين عن التغطية الإعلامية لماسبيرو خلال الثورة، وقد بدأ هذا الأعتصام بعشرة أفراد منهم خمسة من قطاع الأخبار وكنت أحدهم، واستمر هذا الاعتصام 39 يوما تغيرت فيه قيادات ماسبيرو مرتين بدأت بقدوم اللواء طارق المهدي كمشرف على الإعلام، ثم جاء معه الدكتور سامي الشريف كرئيس للاتحاد، ثم أعقبهم اللواء أحمد أنيس الذي كان رئيسا للاتحاد قبل أسامة الشيخ مع أنس الفقي وزيرا للأعلام في 2005، ومعه جاء أسامة هيكل وزيرا للإعلام. 

عندما بدأنا اعتصام فبراير عقب يناير تعرضنا للمساومات وللتفاوض مع إدارة ماسبيرو، وقد طلب منا نبيل الجوهوي رئيس قطاع الأمن  اختيار مجموعة من المعتصمين للقاء طارق المهدي عضو المجلس العسكري والمشرف على ماسبيرو وكان ذلك بعد أكثر من أسبوع على الاعتصام.

كنت أحد خمسة إعلاميين صعدوا للقاء السيد اللواء، وخلال ساعة تقريبا شرح الزملاء كثيرا عن ماسبيرو وقد كان أحدنا مخرجا إذاعيا، وثلاثة من قطاع الأخبار، وكنت خامسهم، وبعد فاصل كبير من الأحاديث التي تخللها دموع للسيد اللواء لضألة معرفته بمشاكل ماسبيرو (حسب ما قال) سألته عن كتاب ماسبيرو هل قرأه؟ 

هذا الكتاب أصدره صفوت الشريف عام 2000 عن ماسبيرو، والكتاب يحتوى كل المعلومات التي يحتاجها أي مدير في ماسبيرو عن القطاعات وأدوارها، العاملين وأعدادهم، القنوات واستراتيجية إنشاءها، الشبكة الهندسية لماسبيرو، حقوق الاتحاد وواجباته، اختصارا هو كل ما يمكن أن تبجث عنه من معلومات عن ماسبيرو، ولابد من دراسته من قبل أي إداري في المؤسسة.

 كان طبيعيا أن السيد اللواء الغارق في دموعه لا يعرفه، مددت يدي خلفه وسحبت الكتاب الموجود على منضده خلفه اعطيته له، ثم تركته وخرجت فاقدا الأمل في التغيير أو حتى أن يعرف الرجل ما هو ماسبيرو، الواقع أن هذا النموذج هو الأغلب في القيادات الذين تولوا أمر ماسبيرو من خارجه أو من داخله بعد صفوت الشريف وهذه شهادة للتاريخ له ولكل من تولى معه قطاع أو قناة في ماسبيرو. 

السمة السابقة في عدم المعرفة بالمبنى وقطاعاته وشركاته ومهام كل قطاع وقناة وشركة كانت سمة لكل من جاءوا بعد صفوت الشريف حتى أنس الفقى وللتاريخ أيضا كان صاحب خطة تختلف معها تماما لكنها خطة، وكان صاحب أكبر مساهمة في تدمير ماسبيرو رغم أنه كان قاريء جيد.

 تصادقنا أنسانيا في آخر عامين له من أعوامه الست في ماسبيرو ولازالت تلك المحبة باقية فقد تمتع أنس بحس أنساني كبير وكان يحترم أصحاب المواقف، وفي أحد حوارتي معه وهي كثيرة سألته: هل تعرف عدد أبواب ماسبيرو، وعدد المصاعد والدرج فيه؟ كان ذلك بعد أربع سنوات من قدومه إلى ماسبيرو، وكان الوزير في غاية الدهشة من السؤال، فقلت "من يجيب على هذا السؤال يمكنه إدارة ماسبيرو، ولكن كيف بدأت رحلة الترهل والتدهور في ماسبيرو؟ نحاول في المقالات المقبلة أن نبحث في ماضي ماسبيرو بحثا عن مستقبله. 

المصدر :  موقع الجزيرة مباشر نت 

تعليقات