حمدين صباحي يكتب : في وداع السيد


غداً سنُشيّع السيد 

سنلقي عليه السلام الأخير 

سنحمله فوق أكفنا وكتوفنا ورؤوسنا في الموكب الحزين 

تفيض قلوبنا وجعا وعيوننا دمعا وترتج أرواحنا بارتجافة المُريد في جنازة الوليّ. 

غدا سيثوى كل هذا العنفوان في ثرى لبنان.

في الأرض التي أحبها ،نبت منها واليها يعود مستشهدا  دفاعا عن استقلالها وسيادتها وكرامتها لتبقى محررة خالصة لشعبها .

طُهر الثرى وطُهر الجثمان يمتزجان

والأرض التي كانت مربضه ستكون غدا مرقده ، 

ومن مرقده سيشع النور.

غدا نشيع السيد في مشهد الختام الذي يؤكد غياب الرجل وهو نفسه مشهد الافتتاح الذي يؤكد حضور الرمز.

في لحظه الهول التي استشهد فيها ارتقى السيد من مكانة القائد الى مقام الرمز، ومقام الرمز هو المقام العليّ، 

بحياته واستشهاده استحق السيد عن جدارة أن ترفعه الأمة مكانا عليّا.

 لا تخطئ الأمم في اصطفاء رموزها، ومن أقدر أو أجدر بمقام الرمز من القادة الشهداء؟

 لا يُضاهي  عمق حزننا إلا  تسامي اعتزازنا بشهدائنا/رموزنا. ومن أحق ان يرفع رأسه فخرا واعتزازا اكثر من الأمة العربية التي انجبت من صلبها قاده عظاما شهداء رموزا للانسانيه والتضحية والتحرر الوطني بمكانة وقيمة سادتنا قادتنا حسن نصر الله وهاشم صفي الدين  ويحى السنوار واسماعيل هنيه ومحمد الضيف في طليعة الآلاف من الشهداء، إنهم مناط  فخرنا وعنوان كرامتنا وبرهان جدارتنا ، وهم اقمار ليلنا وشموس نهارنا وحُداة ركبنا المتواصل حتى النصر.

غدا نشيع السيد جسداً ونستبقيه رمزاً 

وكما دافع السيد عنا وحفظنا وهو القائد فعلينا أن ندافع عنه ونحفظه وهو الرمز.

فالحرب على الرمز ستكون أشرس من الحرب على الرجل 

ذلك ان السيد رمزا _وككل الرموز الصادقه التي ترفعها الشعوب مقاما عليا- هو تكثيف لهوية الأمة وعنوان لشخصيتها وسماتها واختصار لأمانيها ومقاصدها وتعبير عن قيمها الأخلاقية الأرقى والأنبل والأجمل ونداء للأمة أن تواصل السعي لاسترداد حقوقها وردع اعدائها ،  ونور يضيء الوجدان ويثبت اليقين  ويستنهض الهمم ويشحذ العزم ويحفظ الأمل ويبدد ظلام الياس. وهو سلاح ماض بيد الأمة لتواصل المقاومة حتى اكتمال النصر. 

والرمز سلاح ماض في يد الامه ، واذ يكثر المتداعون الى نزع سلاح المقاومه فان القيمة العظيمة للرمز أنه سلاح يستحيل نزعه مهما حاول الأعداء.

ولكل هذا سوف يتكالب عليه أعداء الأمة في حرب ضروس بلا هواده هدفها تشويه الرمز ونزعه كسلاح من يد الشعب ،وكلما التف المؤمنون بالرمز من حوله كلما تكالب الأعداء عليه. 

ولا زال درس الزعيم الرمز جمال عبد الناصر ماثلاً حاضراً؛ فالحرب عليه لم ينطفئ لها أُوار حتى الآن طوال اكثر من نصف قرن على ارتقائه من مكانة القائد إلى مقام الرمز ، ولم يزل أعداء الأمة يستهدفونه ويحاولون النيل منه ، ولم يزل كارهوه يبثون حقدهم عليه وما يرمز اليه من قيم التحرر والانعتاق من الهيمنة والعدل الاجتماعي والوحدة العربية والعزة والكرامة والسعي لاسترداد حقوق الأمة المهدرة وفي قلبها تحرير فلسطين.


 
كراهية الأعداء للرموز هي شهادة جدارتهم بمحبة شعبهم ، صاغها الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي ببساطة وبلاغة :

 " اعداؤه كرهوه ودي نعمه   من كرهه اعداؤه صادق 

   في قلبه كان حاضن أمة     ضمير وهِمّة ومبادئ

 ساكنين في صوت عبد الناصر" 

... وفي صوت نصر الله.

ولأن السيد رمز للمقاومة بمعناها الصحيح الشامل المتكامل كنهج للتحرر والكرامة في أبعادها الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والحضارية، والآن وقد صمتت المدافع ولو إلى حين بالهدنة على جبهتي غزة والجنوب فسوف تستعر الحرب على باقي  جبهات المقاومه الشاملة  سياسيا وثقافيا واعلاميا ، وهنا علينا ان ننتبه أن استهداف الرمز لتشويهه هو معركة رئيسية في هذه المواجهة المستمرة بين الأمة وأعدائها ، ليست حربا على رجل بل على فكرة يجسدها الرمز، وليست حربا لتصفية حسابات مع الماضي وإنما هي حرب لصياغه معالم المستقبل.

وكما انتصرت الأمة مع القائد وبه وانتصرت له، 

ستنتصر مع الرمز وبه وستنتصر له.

سلامٌ عليك أيها السيد قائداً ورمزا 

سلام عليك أيها الصادق المؤتمن المحب المحبوب 

الى اللقاء في رحاب الشهادة 

الى اللقاء  في انتصارالدم على السيف 

وانتصار الصدق على الزيف 

الى اللقاء في جوار الأحِبّة. 

نشر في  جريدة الاخبار اللبنانية 

تعليقات