معصوم مرزوق يكتب : الإنكسار الإستراتيجي


إستكمالا لمقالي الأخير " الحياد بين حق وباطل !" ، اود أن أشير أنه قيل إن هناك " صبر استراتيجي " ، وهو اصطلاح ليس له ترجمة في قواميس السياسة الدولية ، ولكن لو فتحنا القوس علي آخره ، لأمكن النظر إلي إصطلاح علي الطرف المقابل هو  :" إنكسار إستراتيجي " .

وإذا كان العرب العاربة والمستعربة تتزاحم أمام الميكروفونات كي تتحدث عن جهودها في وقف النزيف ، ومنع الترانسفير ، فلهم ذلك .. 

العالم كله يعرف أن الذي حال دون نجاح خطط الصهاينة حتي الآن هو ذلك الشعب الذي يحتفل اليوم ويوزع الحلوي رغم كل ضحاياهم ودمائهم ..

من يشاهد اليوم الزحف المهيب لأهل غزة وهو يتحرك كتلا بشرية في اتجاه الشمال ، يدرك أن هذا شعب لا يمكن هزيمته .

لا فضل إلا لله ، ولصمود هذا الشعب العظيم .

شكرا لكم أهل غزة ، شكرا للقائد الشهيد أبو هنية ، ورفقاءه رموز الشرف السنوار وأبو ضيف ، ولكل شهداء النضال العربي ضد العصابة الصهيونية ،لقد رفعتم رؤوسنا عاليا بين الأمم .

وانقل من يومياتي سطورا سبق أن كتبتها ، وقلت فيها :

 " سيقولون بحكمة طاغية : دع المقادير تجري في أعنّتها ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ ، ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ "..

وبدلا من خنفس واحد زمن هوجة عرابي ، ستجد ألف والف خنفس وصرصور يُبلغ عنك إذا بدا أنك ذا مرؤة أو كرامة ، أو تتعاطي حب الوطن ..

وتجدهم في كل صباح يرتلون سيرة انهزام عبد الناصر ، وصدام ، ومقتلة القذافي ، وعبقرية الصهاينة التي لا قبل لنا بها ..

سيعزفون مواييل نعمة الراحة والإستقرار بعيداً عن الأذي ووجع القلب ، سيقولون مالنا نحن ومال العرب ، " هما شعب ،واحنا شعب " ، وسيعزفون اغنية شعبان عبد الرحيم " التي يكره فيها إسرائيل " ، وكفي الله المؤمنين شر القتال . 

ولكن لن تجد أحدا منهم يشرح لك لماذا أو كيف  سيحترم نتنياهو أو أمثاله  أي إتفاق مبرم ،بما في ذلك معاهدة السلام مع مصر أو الاردن ؟..

إذ يكفي ملاحظة انتهاك هذه العصابة الحاكمة في تل أبيب لكل التزاماتهم وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .

أن ذلك الكيان ، هو عضو دولي مارق ، ويجب معاملته علي هذا الأساس .

بل كتبت  منذ فترة تحديدا ما يلي : 

أن الشواهد والدلائل متواترة علي أن الكيان الصهيوني يخطط منذ سنوات لإخلاء الضفة الغربية وغزة وخلق " وطن بديل " في الاردن ، وكذا إعادة إحتلال " وضم " شبه جزيرة سيناء لأسباب بعضها يتعلق بنظرية الأمن القومي للكيان ، ولكنها مغموسة - كالعادة - في أضاليل تتعلق بنصوص مقدسة مزعومة .

وسيكون قدرنا أن نواجه هذه الحقيقة ذات يوم ، وربما كان هذا اليوم قريبا دون أن ننتبه ، لذا فمن الضروري أن نستعد لهذا الإحتمال الذي يقترب من موقف قائم ومتكامل للعدو الصهيوني .

ولا أظن أنني مغرق في التشاؤم ، أو في مجرد الإفتراضات النظرية غير المؤسسة ، ومع ذلك ، حتي ولو كنت واقعاً تحت هذا التأثير ، فأظن من حسن الفطن أن نستعد لإحتمال تكرر في التاريخ عدة مرات ، وخاصة في مواجهة قوة باطشة تمتلئ بالغرور والتعصب .

وذلك ما دأبت علي كتابته لسنوات طويلة مضت ، ومنذ عودتي بجراحي من جبهة القتال في السويس .

وختاما اجد نفسي في النهاية مرة أخري  مضطراً ان أذكركم بما كتبته في ختام مقال نشرته في خريف  2013 في صحيفة الإهرام ، نقلت فيه  ما قاله مارتن نيمولر : " قي ألمانيا عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أبال لأنني لست شيوعياً، وعندما اضطهدوا اليهود لم أبال لأنني لست يهودياً، ثم عندما أضطهدوا النقابات العمالية لم أبال لأني لم أكن منهم..بعدها عندما أضطهدوا الكاثوليك لم أبالي لأني بروتستنتي..و عندما أضطهدوني..لم يبق أحد حينها ليدافع عني” .. 

او باختصار عربي بليغ : " لقد اكلت عندا أُكل  الثور الابيض " 

تعليقات