حدثان شاركت فيهما زملاء أعزاء هما من أعظم وأسعد لحظات حياتى، الأول مشاركتى فى ثورة 25 يناير 2011، والثانى مشاركتى فى حركتى "كفاية" ضد نظام مبارك (لا للتمديد لا للتوريث) مع حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات. أصبنا وأخطأنا لكننا كنا مجردين من الهوى لصالح الوطن. وذروة سعادتى أننى كنت فى طلبعة المشاركين فى ثورة يناير 2011.
الثورة حالة رومانسية.. حالة عشق أبدية فى التطلع للحرية، يحلم بها الرومانسيون عشاق الوطن، والثائر رومانسى حالم يسعى للخلاص من الأسر لنيل ما يحب. الثائر ليس يائسا يثور ليموت، إنه محب للحرية عاشق لها، يذهب لينتصر ويسعد بالحياه أو يستشهد فيكون محفزا لمن بعده أن يحذو حذوه ويحقق ماعجز عنه. الثورة ليست فوضى ولا ثأرا ولا انتقاما بل عملية تجميل لإزالة تشوهات قهرية غير طبيعية.
تظل ثورة يناير حدثا فريدا وعلامة فارقة فى قلوب كل المصريين بلا استثناء، فهذا يرى فيها حبه وأمله، وذاك يرى فيها كرهه وحقده. وجميعهم لن يغيروا الماضى. ولاداعى للصراع والمعارك بين الطرفين، فكل على قدر إيمانه، والتاريخ شاهد. سجل اللحظة فى مهدها حتى انصرافها بعد أن تخلى عنها أصحابها.. وانتهى، وتبقى تفسيرات وتأويلات المحبين والكارهين فى التجميل والتشويه.. كل حسب مصلحته وضميره الوطنى.
ستظل ثورة يناير أعظم وأجمل ثوره في تاريخ البشريه وليس في التاريخ المصري فقط. إن ثورتنا " الثورة الينايريه" كانت ثوره مخمليه أقرب إلي العرس..وهذا ماجعلها تختلف عن كل ماسبقها من ثورات.
ثورة يناير كانت "كارنفال" بالنسبة للجماهير المهمشة،
وللقوى السياسية كانت لحظة اضطراب أخلت بالموازين، أطاحت برأس الفساد، وكل قوى سياسية حاولت استغلال اللحظة لحسابها، يعنى تسرقها من وراء ظهر الآخرين، وفى عالم اللصوص لايستقيم أعوج ولايفلح نصاب، ولا تنجح ثورة، ولا يستقر وطن.
هناك تداعيات أخرى مثال الاستقطاب والتجييش كل لحسابه، وتحالف اللصوص الأقوياء باسم الوطنية وباسم الدين... وغياب الإيمان الحقيقى بأهمية نجاح الثورة للخلاص الجذرى من الظلم والفساد والاستبداد.
للاسف كلنا كنا لصوص، مابين سارقٍ ومتواطئٍ.
"يناير كان نهار فى ليل طويل" (على حد تعبير المخرج على أبو هميلة)، والثورة كانت "كارنفال" وانفض.. أو حُلم ومر.
الإيمان بالشيء هو سبب نجاحه، فهل نحن فعلا كنا مؤمنين بالثورة؟ وأنها ثورة خلاص من الظلم والاستبداد وتغيير جذرى للأفضل أم "كرنفال" نسعد به لحظيا أم حلم نغط فيه ليلا حتى امتد للنهار ولازمنا فيه، وصار حلما من أحلام اليقظة؟!
الحديث عن ثورة يناير من محبيها لن يعيدها للحاضر، والهجوم من خصومها لن يمحوها من التاريخ. النظر للماضى لن يعيده، والأمانى لن تحقق أحلام اليقظة.. فلنهدأ.. وإن وُئِدت ثورة التظاهر، فالزمن يتطور وليحل العقل محل الحناجر، ولتكن ثورة علمية يديرها العقل بلا قطرة دم واحدة. الزمن تغير والعلم تقدم. وتبقى المشكلة فيمن يتمسك بالماضى ويطالب بعودته او من يدوس عليه ليخفيه، متناسين ان العلم تطور، وحوار العقول يقصى حوار السيوف.
الثورة ستظل أساس التغيير فى كل زمان ومكان ولكن بأدوات حاضرها وعقول تديرها وتكنولوجيا تحكمها. عرفنا الثورة الصناعية والثورة الثقافية وحاليا الثورة العلمية فلماذا لانعرف الثورة السياسية بطريقة علمية يحل العقل محل البندقية، والحوار محل ديكتاتورية القوة. كل الثورات السابقة التى غيرت بالدماء لا تصلح اليوم فموازين القوى تغيرت، وفى نهاية الثورات وبعد طول زمان وازهاق ارواح وتخريب، يبدأ العقل فى التفكير والترتيب والإدارة، واذا كانت الثورات وسيلة للضغط والتغيير الدموى فالعلم وسيلة للضغط والتغيير السلمى. فى التقدم التكنولوجى سلاح ثورى للأفضل وقرصنة وهكر للأسوأ.
إن غادرتنا أحداث يناير فموقعها فى القلب والعقل محفوظ مهما غيروا ملامحه او شوهوه.
ثورة يناير ولَّت والحديث عن الماضى استهلاك للطاقات ولن يعيده، والعاقل من يتدبر أخطاءه ويصوِّب مساره بعيدا عن الدم.. بالعقل نثور ونبنى. نحن فى عصر العلم وليس "الدراع" وقوة العلم تفوق قوة العضلات.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق