هوامش على دفتر السفلة والسفهاء! 16
تعلمت من "محمود عوض" أن أكون مستقلا, حتى لو كان الثمن فادحا.. تعلمت من "أحمد بهاء الدين" أن التحليل لا يجوز دون قاعدة من المعلومات, مع قدرة على إطلاق العنان للخيال.. تعلمت من "إبراهيم سعدة" الجرأة والاندفاع.. أخذت من "محسن محمد" أن الصحفى فى حالة عمل دائم سواء كتب ونشر أو لم يكتب لمنعه من النشر.. وفشلت فى أن أتعلم من "محمد حسنين هيكل" لأسباب.. بينها أننى لم أقترب منه طويلا ولا عميقا.. كما أنه شديد التفرد فى تجربته من بدايتها حتى غادرنا.. فهو كان ظاهرة, والظواهر لا تتكرر ولا تتشابه.. لكننى أحترم "هيكل" كثيرا وأستفيد كما أستمتع بقراءة كل ما كتبه.. إضافة إلى أن كتاباته فى معظمها, كانت على أرضية استقلال شخصى واعتزاز بذلك.. ورؤيته مع تحليله كانت تستند إلى معلومات عاشها أو شارك فى صياغتها.. بل أنه كان شريكا فى صنع الأحداث حتى لو اشتبك معها.. كل ذلك جعله "الأستاذ" الذى لا يتنازل عن جرأته "إلا قليلا" وجعله "الجورنالجى" كما كان يحب أن يقول عن نفسه!!
رصدت موهوبين كثر واقتربت منهم.. رفضت أن أتعلم منهم لأنهم جعلوا الموهبة "أسانسير" يصعد بهم إلى قمة تمكنهم من ممارسة "النصب" بالكلمة والموقف.. وكان عمنا – الذى تعلمت منه – الشاعر العبقرى "أحمد فؤاد نجم" ينبهنى عندما أذكر أمامه اسم أحد هؤلاء.. فيقول لى: "عايزك تتعلم إنك ما تبقاش زيه, علشان تفضل تحترم نفسك"!! وأتذكر أن عمنا الشاعر المبدع "سيد حجاب" كان يقول لى أن: "الكلمة هى أحلى وأغلى حاجة فى الدنيا".. لأن من يعرف قيمة ومعنى الكلمة يستمتع بحياته.. وأتذكر أن "صلاح حافظ" قال لى أن" الكلمة كائن حى" يتكون من حروف.. ومن يقول كلاما ميتا يصعب عليه الفوز بالاحترام!!
أدهشتنى تلك الجلسة التى أذاعها التليفزيون للدكتور "كبير عيلة مدبولى افندى" مع "رجال المال" الكبار – يسمونهم رجال الأعمال – ربما لأن توقيت هذه الجلسة كان لافتا.. وترتيب إذاعتها كان مثيرا.. وما سمعته خلالها كان خطيرا ومريبا فى الوقت نفسه.. تضاعفت دهشتى بسبب جرأة هؤلاء من "رجال المال" لأنهم قالوا المحظور على الصحفيين والغالبية العظمى من أساتذة الاقتصاد أن يقولوه.. إضافة إلى شعور داخلى عندى – قد يكون خطأ – أن هذه كانت "جلسة إذعان" بمعنى أنه تم فرضها على "دولة الرئيس" كما أصبح البعض يحب أن يناديه فى حالة اشتياق لزمن "الملكية والاستعمار" وهو زمن يبدو أنه يحاول العودة.. فما قرأته عن أدوار أقرانهم فى هذا الزمن كان سبب ذلك الشعور الغريب والغامض.. فكنت أطالع وجوههم وكلامهم لأجد أمامى "أندراوس" و"عبود باشا" و"على الشمسى" وكلها أسماء كانت أصحاب أوزان ثقيلة بأموالهم!!
لا مانع من أن أتقمص شخصية "محامى الشيطان" لأفكر بطريقته.. رأيت أنه ربما يكون الأمر مرتبطا بمحاولة استرضائهم حتى يشاركوا فى عملية الخروج من أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها "المحروسة" الباحثة عن حالة استقرار حقيقى.. لأن "الاستقرار المزيف" إنتهى عمره الافتراضى!! لكن الحوار والكلام نسف هذا الادعاء.. فقد شاهدت "هشام طلعت مصطفى" يقول بوضوح: "القطاع الخاص لم يصنع التضخم" دون أن يرد عليه "كبير عيلة مدبولى افندى".. وسمعت "حسن هيكل" ينصح ببيع كل شئ للتخلص من الديون.. ويفرط فى ذكر الديون الثقيلة التى تكاد تخنق البلد.. بل أنه ذهب إلى التشكيك فى حجم الديون بنعومة.. ولم يستقبل رد "دولة الرئيس" حول قيمة الديون بجدية وأكمل حديثه لتأكيد ضرورة "البيع" برصانة.. وهو الكلام نفسه الذى سبق أن قاله "الإعلامى السعودى" حاليا – وكان مصريا – بأسلوب ولغة "سوقية" تعكس مستواه التعليمى!! وكم كان مذهلا كلام "أحمد عز" الذى استنكر إيقاف البناء ووقف عجلة "التوظيف" فى "دواليب الحكومة" لبناء جهاز إدارى على مقاس "رجال المال" بما لديهم من عصرنة!! والمذهل أن ثلاثتهم كانوا متهمين فى جرائم جنائية.. وثلاثتهم ناتج زمن "حسنى مبارك" ومن رجال "جمال مبارك" مع غيرهم من "رجال المال" الذين يجوز القول أنهم يحتكرون "أوكسجين الاقتصاد" فى وقت يكاد فيه "ثانى أكسيد الكربون" من رجال فى الساحة السياسية الافتراضية, يسيطر على مناخ الحياة.. حتى أن "الشعب المصرى الشقيق" أصبح يتنفس بصعوبة بالغة!!
أحاول التفكير بصوت عال.. وأعترف أن هامش ضئيل من الحرية أتحرك فيه وحوله.. لذلك ذهبت إلى كلام الدكتور "على الدين هلال" الذى استنكر تأخير السماح للأستاذ "جمال مبارك" على حد قوله بالسفر.. وهو معلوم بالضرورة أنه من رجال هذا الذى يسميه "الأستاذ" الذى سافر فعلا إلى "لندن" لأسباب هو يعلمها مع غيره.. عرفنا الأمر عبر صفحة "شوال الرز" الذى نشر صورة تجمعهما وتعكس حالة "حبور" وهو وصف يتجاوز السعادة.. وباعتبارى تعلمت أن أكون صحفى طوال الوقت.. أخذتنى الذاكرة إلى صورة تجمع "جمال" وشقيقه "علاء" مع الشيخ "محمد بن زايد" لتقديم واجب العزاء فى وفاة الشيخ "خليفة" رئيس الدولة السابق.. مع "التبريكات" لرئيس الدولة الجديد, على طريقة "مات الملك.. عاش الملك" كما خرجت صحيفة "الأهرام" فى صدر صفحتها الأولى يوم رحيل "فؤاد" وإعلان تنصيب "فاروق" وصارت مثلا بعد ذلك!!
طرحت على نفسى سؤالا حول علاقة كل هذا بالحديث عن الرئيس المدنى.. و
أعطيت لنفسى الحق فى سؤال آخر وهو جائز منطقيا – وغير شرعى – حول : هل يمكن أن يكون هناك تفكير فى تمكين كل هؤلاء المتهمين وإعادة بعثهم بعد الحفاظ عليهم فى "غرف إنعاش" خاصة!!.. ولما كنت أسأل فقط.. وأفكر بصوت عال على طريقة "محامى الشيطان" رأيت أنه يجوز ذلك.. سيما وأننا نعيش لحظات ترحيب واحتضان للذين كانوا مصنفين "إرهابيين" لكى يحكموا "سوريا" التى تم إسقاطها بعمليات "أكروباتية" وقالوا عنها "ثورة" هدفها منح الشعب السورى حريته وتخليصها من الاستبداد.. وهذا صحيح فى شكله.. أما باطنه فقد كان الهدف احتلال سوريا وأن يفوز الذين يتصارعون عليها بأن يأخذ كل منهم نصيبه.. وإذا كان هناك من يريد أن يفهم أكثر ويعرف أكثر.. أشير عليه بالعودة إلى كتاب "الصراع على سوريا" ومؤلفه مستشرق سويدى ومفكر حقيقى إسمه "باتريك سيل" وقد قررت إعادة قراءته من جديد!!
العودة للموضوع تلزمنى بطرح سؤال حول "حكاية جمال مبارك" الوريث الذى فشلت عملية توريثه بقيام "ثورة 25 يناير" وقد تمت عملية شيطنتها.. وفى القلب من الحكاية أن الرجل الذى أمسك مفاصل مصر فى سنوات حكم أبيه.. كلنا شاهدناه متهما خلف القضبان.. ثم تابعناه ينال حريته وبراءته بأحكام قضائية.. ونتابع احتضانه من الإخوة الأعداء – الإمارات والسعودية – وسباقهما على إعلان قربه من كل منهما.. ثم نشاهد عودة رجاله فى ميادين مختلفة.. وترحيب من جانب معظم الذين كانوا يرفضونه وشاركوا فى إسقاط نظام أبيه.. بل أستطيع القول أن "شيطان تفكيرى" يدفعنى للظن – وليس كل الظن إثم – أننا نمر بأوقات عصيبة.. خطيرة.. وكلمة "مريبة" قليلة عليها.. فكل ما نتابعه من الذى يبدو عبثا يجعلنى أشك فى أن "الفوضى الخلاقة" قد تم تدويرها, لكى يتم تمكين "إسرائيل" من إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط على مقاسها!!
نعلم بالضرورة أن الديمقراطية والحرية هما السبيل لتقدم الوطن.. ونعلم أن الدستور والقانون أهم من "الجيش والشرطة" لتحقيق الاستقرار.. كما نعلم أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة.. وكلنا نعلم أن "جمهورية مصر التجريبية" قد وصلت إلى فشل ذريع يفرض إسدال الستار عليها.. لكننا يجب أن نعلم أن "مسرح العبث" إنتهى زمنه!! لذلك لم أهضم خروج "حسام بدراوى" لكى يستنكر خنق الحريات والزعم أن سبب ذلك مجهولين وصفهم بأنهم "ملكيين" أكثر من الملك واستغرب أن يلعب بعض "رجال المال" دور "المعارضة" بعد فشل البعض الآخر فى أن يكون شريكا فى الحكم, عبر أمثال "الدكتور سيراميك" أو بتمكين "طارق نور" من ملف الإعلام.. وبعد أن فشل "المفكر أبو حمالات" فى أن يقوم بدور "ألوان اللخبطة.. بتشخبط شخبطة" لأن كل ما يحدث فى "الكواليس" وتظهر ملامح منه فقط تجعلنى أتخلص من "شيطان تفكيرى" بأن أطرح السؤال حتى لو كان غير مستحب.. فالمهم ألا يكون حراما!!.. ولو كنت قد سقطت فى خطأ غير مقصود حين كتبت على صفحتى عبر الفيس بوك "أشاهد الآن فيلم رجل إسمه عباس" ودفعت الثمن.. فإننى أخشى القول بأننا نعيش أجواء فيلم "عودة الإبن الضال" وليست أجواء "نكسة 67"