( واقف لحد الفجر باستغفر
ورا عامود مرمر
مشروخ وانا شايب )
القاهرة تواريخ سنين مرصوصة فوق بعضها .. بشر وقهاوي .. وهمهمات سهرانة للفجرية .. وايدين بتخبز .. وايدين تنجر .. وايدين حزينة .. وايدين تعلق ع السطح زينة .. وايدين رقيقة .. وايدين عفية .. القاهرة في الشمس تنشر ع الحبال فساتين .. ما تنامشي م المغربية .. أسطورة للعاشق .. وهموم بتركب فوق كتاف ملايين .. وعربجية في الضلام ساكنين .. وطبيعة حلوة وشقية .. وحزن مصري غميق .. ماشي ف شوارع خالية متكسرة .. وجنينة مليانة بدخان .. وخيول تطلع شرار .. ومصطبة بحرية .. ومشربية للهوا مفتوحة .. وكتف واقع من بيوت منسية .. القاهرة شارع وحارة وبيت وأغنية .. وشمس ماسكة ف إيدها شمسية .. لجل كل المصريين .. القاهرة هي شعرك يا صلاح يا جاهين ..
( مليانة بالهأوأو
وزعيق القهوجية
ودمها كركديه سخن م الأبريق )
لما تشوفه تحس بإنك جوه بحر من العجايب .. وميته شفافة .. مليان حاجات أشكال والوان .. وكائنات عمالة تتنطط وترقص باليه .. ساعة ما زرته .. كنت لسه في الشعر باحبي في سنة تمانين .. كان قاعد على الكرسي اللي في الأوضة .. قدامه مكتب كبير .. وف شماله مروحة صفرا وقديمة .. وف ضهره مرصوصة كتب أو عن يمينه .. وهو لابس جلابية وروب .. يشبه البط البلدي .. كان يوم غريب وهو كان أغرب .. ساكت ومستغرب .. وكإنه بيجهز قصيدة جديدة .. أو جايز مستغرب مني .. مستغرب من سني .. طفل ريفي أو مراهق جديد .. وقعدت قدامه .. إيدي الشمال ساندة على المكتب .. وعنيا ع المروحة .. فجأة ابتسم لي وقال : أصل احنا عندنا شتا على طول ..
قالها وضحك وضحكت .. وابتدا بينا كلام ..
_ قوللي قصيدة ..
_ أنا كاتب واحدة عن الديك
_ وانا عندي واحدة عن غراب البين
_ بتكتب شعر ليه يا عم صلاح
_ أنا باكتب عشان ألعب
_ ...................................... ـ
_ خد بالك من نفسك .. إنت حتبقى حاجة مهمة .
من يومها حسيت ان الحياة مليانة خفة وجمال .. فرحان قوي .. مش زي كل العيال .. فرحان فرح أسطوري .. خلاني احب الناس واعرف مقام الخيال .. واحس بيه في كل كائن حي .. واشم ريحة الأرض والأشجار .. واحب طعم الملح والسكر .. واقول لنفسي ازاي دي تبقى قصيدة ..
( محلا الحياة حتى في هيئة نبات
محلا الحياة حتى ف أواخرها )
كان طفل طاير في السما .. راكب سحابة .. بيلف بيها ع الكرة الأرضية .. ويشوف بعينه حاجات كتير سحرية .. يغمز لها ويطير .. فوق النجوم يقعد يقزقز لب .. ويرمي قشره ع البجع والطاووس .. يضحك قوي لما الطاووس يتنرفز .. وبريشه ينفش في الهوا سكاكين .. وبرجله بيدنجل وبيدندن .. هيمان في أغنية .. وف بيت جميل بيبعته هدية .. يتمنى يوصل للصبايا الحور ..
( أنا احب اقول الشعر في الحلوين
والحلو اقول له يا حلو في عيونه
ولو ابتديت بشفايفك النونو
ما يكفنيش فيهم سبع دواوين
يا ملاك يا جنية يا ست الحسن
يعجبني توهانك في أحلامك
يعجبني شد الخصر بحزامك
يعجبني أخدك للكتب بالحضن )
زي رغيف العيش الصابح .. تلقاه مشعشع ومالي الجو روايح .. وساعات باشوفه بيتدألج ع الميه .. وبيلعب بالنار .. وف إيده سيف بتار .. راكب حصان أشهب بيقزح بيه .. تسمع حوافره في الحارات القديمة .. بين الحسين والسيدة .. وصوته يعلا يجلجل .. وسط الشجر يهدل .. بكلام يتيم من فرع أخضر نازل ..
( القمح مش زي الدهب
القمح زي الفلاحين
عيدان نحيلة جدرها بياكل في طين
زي اسماعين ومحمدين
وحسين ابو عويضة اللي قاسى وانضرب
علشان طلب ..
حفنة سنابل ريها كان بالعرق
عرق الجبين )
_ ازيك يا عم صلاح
_ الحمد لله .. أنا كويس
_ بتعمل إيه ..
_ رجعت ريما لعادتها القديمة
_ باين عليك مشغول
_ لأ ده انا فاضي .. لما بارسم بابقى فاضي ..
كان لسه راجع من موسكو .. حزين وزعلان م الحياة .. من الزمن لصفر وأفعاله .. وبرضه كان قاعد على الكرسي .. أربع ليالي ما قامشي من مطرحه .. بصيت في عنيه .. كانت غيمانة .. وشفت وشه حمامة مبلولة .. خاسس قوي .. وساعتها حسيت انه شاب .. بقى طفل شايب صحيح .. حكيم في شعره وفصيح .. حكيم تمللي يحب لعب اللغة .. ويحب يلعب معاها .. يحذف يبدل يغير يزيد .. ينحت كلام مدهش .. مع كل حرف نلاقي طعم جديد .. ودنيا جاية من بعيد لبعيد .. جايبة روايح أماكن .. وتاريخ شعوب مهجورة .. شعوب مقهورة .. من ألف عام سقايين .. يسقوا العطاشى وهما عطشانين .. ومحرومين في أرض مزروعة .. النور بيوصل مابينهم ..
زي الشجر دايما طارح
عناقيد على الفرع السارح
أشعاره كالورد الصابح
ساعة ما يدبل يبقى حزين
تفتح ديوان تلقاه أخضر
وكلامه كان زي السكر
وكإنه مصباح بينور
ويغازل قلب الحلوين
بيكلم قلبك بسلاسة
وبروح جميلة وحساسة
بيخلي دنياك وناسة
ما أجملك يا صلاح يا جاهين .