الكتابة عن "السفلة والسفهاء" يمكن أن تأخذ طريقين.. أحدهما أن تتناولهم واحدا واحدا, وهذا طريق لا أفضله سيما وأن قوائمهم طويلة جدا.. والطريق الثانى أن أستهدفهم عبر النموذج "الأكثر سفالة" والذى يفاخر بوقاحته!!
أتوقف قليلا أمام "مدرسة الدبلوماسية المصرية" لأجد أن قائمة الشرف – قبل الانفتاح – كانت طويلة.. يتقدمها "محمود فوزى" والذين خرجوا من عباءته.. نذكر منهم "مراد غالب" و"إسماعيل فهمى" و"محمد إبراهيم كامل" وغيرهم كثيرين.. ولعلى أستطيع القول أن الدكتور "عصمت عبد المجيد" كان آخر هؤلاء.. حتى ظهر "جيل الانفتاح الدبلوماسى" وبينهم عدد لا بأس به من ممن يستحقون الاحترام والتقدير – أسامة الباز نموذجا – وعلى الجانب الآخر كان الذين يمارسون الدبلوماسية على أنها "استثمار" لمصالح شخصية.. وهم يتكاثرون بصورة مفزعة.. حتى وصلنا إلى مرحلة الخلط بين العمل الدبلوماسى, ووظيفة العلاقات العامة بأشكالها الصحيحة وغير المحترمة!!
أخطر هؤلاء كان نموذج "الدبلوماسى بالبنديرة" الذى يمارس عمله على طريقة سائق التاكسى.. وقد نجح هؤلاء فى أن يتصدروا الواجهة لعقود مضت, بداية من هذا الذى وصفه بعض المراقبين بأنه "ظاهرة صوتية" مرورا بالذى كنت أسميه "كوافير الخارجية المصرية" وصولا إلى الذين لا يهمهم من عملهم غير الثروة والوجاهة!!
يمكننى القول أن الفشل له عناوين كثيرة.. أخطرها الذى يفرض نفسه نجما دون امتلاك مقومات النجومية.. دون أى موهبة.. ودون أدنى تأثير.. لكنه يفرض نفسه على الساحة فى كل وقت.. ونجوم الفشل هم الأخطر على الأوطان والمجتمعات.. لأنهم كالقنابل بدائية الصنع, بما يحدثونه من خراب وتدمير!!
نجوم الفشل يطول عمرهم – أحيانا - فى أزمنة الانحطاط!!
أبرزهم الرائد فى ممارسة عمله على أنه "دبلوماسى بالبنديرة".. وهو يذكرنى بجدتى التى كانت تتكلم كثيرا دون أن تقول شيئا.. فهى كانت دائما تتحدث عن الحرام, دون توقف عند قيمة الحلال.. وعندما يصبح الدبلوماسى مثل جدتى, ستجده يتكلم عما لا يجب أن يحدث دون قدرة على الإشارة إلى ما يجب أن يحدث.. لانشغاله بحماية نفسه, وتحصيل أعلى أجر يأمل أن يتجاوز قيمته "البنديرة".. والمثير أنه حقق – ومازال – ما تجاوز كل أحلامه.. لكنه لا يكف عن الشكوى من أنه مظلوم!!
بدأ حياته "ناصريا".. وقطع طريقه "ساداتيا".. حتى أصبح نجما "مباركيا".. ودون خجل إنقلب عليهم جميعا بحثا عن فرصة "إخوانية".. ثم استراح تليفزيونيا بعد "ثورة 30 يونيو" عندما فقد الأمل فى كرسى الأمين العام لجامعة الدول العربية!!
أراقب نموذج "الدبلوماسى بالبنديرة" عبر هذا الذى أخذ كل شئ من الدبلوماسية دون أن يترك بصمة فى هذا المجال.. وكسب بلا حدود من الموقع الإدارى المرموق الذى كان قد احتله, وترك خلفه ثروة هائلة من الفشل!!.. دخل عمارة السياسة من "الباب الخلفى" وفشل فى أن يجعلنا ننسى أنه لص ساذج سارق للنجاح.. ربما لأنه جعل نفسه ظاهرة طبيعية.. فهو حار جاف صيفا.. دفئ ممطر شتاء.. أعطى نفسه خواص الماء, لأنه بلا لون ولا طعم ولا رائحة!! لكنه جعل نفسه ضروريا.. فإذا أردته دبلوماسيا, ستجده حاضرا بحكم الوظيفة.. ولو أردته سياسيا فهو "تحت الطلب".. وقد شاء أن يكون "مفكرا" فذاع عنه ما شاء.. دون أدنى تأثير لما يخرجه من أفكار وأكاذيب فى "بيوت الراحة"!!
تجربة "الدبلوماسى بالبنديرة" باهتة رغم جهده لإقناعك بأنه يلمع.. تسمعه يتكلم فلا تفهمه.. ولو فهمته ستضحك لإدراكك أنه يكذب.. دائم الحركة, لكنه ساكن.. وفى حالات سكونه يجعلك تشفق عليه.. قرأت ما كتبه, فلم أجد فيه ما يعلق بذاكرتى.. سمعته فوجدته يقول الشئ وعكسه.. يتكلم وهو "نائم", وينام فى أوقات أجازات البنوك!!.. صوته لا يغيب, لأن صمته مستحيل.. جعل نفسه نموذجا لكل من أراد أن يكون نجما بلا موهبة.. أزمته فى حياته كانت "عمرو موسى" و"أسامة الباز" ثم راح يندب حظه عندما تفوق عليه الذين تصدروا الواجهة بالصدفة!!
لا تحاول أن تفهم "الدبلوماسى بالبنديرة" ولا تحاول تفسيره.. عليك أن تأخذه كما هو.. إذا غاب تنساه, ولو حضر لك أن تلعنه.. المهم أن تدفع له قيمة "البنديرة" أو أكثر.. ستجده بارعا فى تمجيد الحاكم وهو حى, وبارع فى تشويهه وهو غائب.. ستجد أن كل من يناصبون القراءة العداء, يرون فيه "مفكرا".. ويحدثك "الجهلاء" عنه باعتباره "مثقف" ولا يذكره أحد فى ميادين الدبلوماسية والسياسة.. وكل هذا لا يهمه.. المهم عنده السلطة ومكانه منها, طالما أنها تدفع له!!
كشف "طوفان الأقصى" هذا النموذج, وكل ألوان طيفه.. أصبح هؤلاء "ملعونون" عند العامة قبل النخب.. لكنهم يراهنون على أن "الطوفان" مجرد عاصفة, لذلك تجدهم ضده ويحاولون النجاة لكى يتمكنوا من الاستمرار.. رهنوا أنفسهم لصالح كل "شوال رز" قادر على أن يدفع.. فهو مكتوب عليه أن يبقى "فقيرا" رغم كل ما جناه من ثروة.. ومكتوب عليه أن يكون "ذليلا" مهما حاول إقناعك أنه طويل القامة!!
يخشى "دبلوماسى البنديرة" إحالته إلى دائرة النسيان.. يرفض أن يتوقف كراكب دراجة.. لا مانع عنده أن يكون "عامل اسانسير" باعتباره موهوب فى أن يأخذ من الذى يرفعه لأعلى, ومستعد لهبوط آمن بكل من يكشف أمره.. فقد تعلم فى فترة ما من "المهراجا" ركوب الأفيال.. وعاش "ليالى الأنس" طوال حياته.. والمثير أن الذين اعتبروه رائدا فى الحقل الدبلوماسى, حققوا ما لم يحقهه.. كسبوا بأكثر مما كسب.. وتبقى أسماء "محمود فوزى" و"إسماعيل فهمى" و"محمد إبراهيم كامل" بالنسبة له أشابح تطارده وهو نائم.. لذلك لا يكف عن الكلام أملا فى طردهم من مخيلته.. وهو لا يصدق أنه ميت لا يكذب ولا يتجمل.. حتى لا تسأله "إسكندرية ليه" يا نجم نجوم دبلوماسية الانفتاح!!