يستمتع أبناء "قبيلة سبانخ" باحتقار المجتمع لهم.. هم يرون أن "الضمير" مثل الورم السرطانى, لا يستريحون حتى نجاح عملية استئصاله والتعافى منه.. وهم يعرفون أنهم أعداء للعلم والمعرفة, وهذا فى حد ذاته يأخذهم إلى سراير أصحاب السلطة!!
الهدف الأسمى لكل أبناء "قبيلة سبانخ" هو جمع "ثروة حرام" مع "وجاهة مزيفة" باعتبارهما علامة التميز وسط أغلبية استسلمت للخوف, ولا ترى فى الذل والقهر ما يدعو للاحتقار.. فهذه الأغلبية الخائفة لا تستمتع بالشفقة عليها.. ساعد ذلك ظاهرة "سبانخ" على الانتقال من مرحلة "العشيرة" إلى "القبيلة" فى زمن قياسى!!
ذهب "وجيه أبو ذكرى" إلى التقاط هذا الخيط, وصاغ فيلم "ضد الحكومة" الذى أبدع فى بطولته "أحمد زكى" كفنان وإنسان.. فقد قدم شخصية محام من "فصيلة سبانخ" بدأ مشواره بين "عشيرة المخدرات" وأنهاه بالانتقال إلى "عشيرة وجهاء سبانخ" الذين تمردوا على نقابة المحامين باعتبارها قلعة الحريات.. وراح كل منهم يبنى لنفسه حصنا مستقلا يدافع من خلاله عن الحريات وحقوق الإنسان.. مع كل التقدير والاحترام لفئة قليلة كانت تؤمن بقيمة هذه المعانى السامية!!
إختلف فيلم "ضد الحكومة" عن "الأفوكاتو" فى أنه اختار المواجهة مع "ظاهرة سبانخ" بطريقة ناعمة.. لأنه استعرض ما كانت تفعله "عشيرة التعويضات" ثم كانت الدراما عندما وجد "مصطفى خلف" المحامى نفسه أمام صدمة زلزلت كيانه.. إكتشف أن ابنه بين آخرين من أطفال كان يسعى لاستثمار دمائهم.. إستيقظ ضميره قبل أن يستأصله.. أخذ الطريق العكسى, فأصبح "ضد الحكومة" وفى الوقت نفسه ضد "قبيلة سبانخ" التى تحركها وتديرها أصابع أجهزة أمنية!!
قرر "سبانخ أبو ضمير" أن يتحدى نظام يرعى الفساد فى أوساط المحامين.. إنضم إليه "عشيرة وجهاء سبانخ" القادرة على جذب أنظار الرأى العام, وتجنيد الإعلام لدعم الحق الذى يركب سيارة الباطل!!
هكذا رصدت السينما المرحلة الثانية لهدم قلعة الحريات – نقابة المحامين – وعملية تخريب مهنة المحاماه المقدسة, كما غيرها من المهن ذات الرسالة قبل أن تكون بابا للكسب والربح والتجارة.. وعلى أرض الواقع كانت الحقيقة شديدة المرارة.. لأن رعاة الفساد استثمروا إنتشار الذين ارتدوا عباءة الإسلام السياسى, مع الذين لبسوا "قناع الناصرية" الذى يلمع.. وكان بقايا "الوفديين" مع الرافضين للجميع وأطلقوا على أنفسهم "المستقلين" يمثلون حلقات أصبحت ضعيفة.. وكانت الحلقة الأقوى هى "المستقيلين", وهؤلاء اختاروا ممارسة الرفض السلبى, وراحوا يستمتعون بصمتهم وينشغلون بأنفسهم.. وباعتبار أن الأغلبية عندما تختبئ فى الصمت, تسمح للذين يمارسون الانتهازية بتصدر واجهة أى مجتمع!!
بعد رحيل "أحمد الخواجة" كان الصراع بين "عشائر سبانخ" على قيادة "القبيلة" واستمر فى إطار لعبة تفضلها الأجهزة الأمنية, التى تجيد إدارة الصراع السياسى رغم عدم فهمها لقواعد لعبة السياسة.. ظهرت معادلة "نقيب" من المعارضة, ومجلس تضم أغلبيته ممثلى "عشائر سبانخ" المتصارعة.. أو "نقيب" تقدمه "قبيلة سبانخ" مع مجلس من المعارضة.. حتى انتهى الأمر بتمكين "قبيلة سبانخ" وسيطرتها على الأوضاع!!
هنا عادت السينما تصرخ عندما قدم "وحيد حامد" فيلم "طيور الظلام" الذى كشف اللغز والمستور.. فالمعركة انحصرت بين "فتحى نوفل" المحامى الفاسد بوجه سافر, ولعب دوره المبدع "عادل إمام" باعتباره فنان ومثقف.. وبارزه "على الزناتى" المحامى الذى يغطى فساده باللحية وعباءة الدين.. وأبدع "رياض الخولى" فى تقديم الدور لأن خلفيته مثقف قبل أن يكون فنان.. وانتهى الفيلم إلى تبشير بانفجار الغضب, الذى حدث باندلاع "ثورة 25 يناير" وخلالها وجدنا نقابة المحامين, كما السفينة "تايتنك" قبل أن تلقى مصيرها المحتوم!!
غابت "نقابة المحامين" فأصبح المناخ مناسبا للعبث بالقوانين.. تحول الدستور إلى "موضة" إنتهى زمانها.. تفكك المجتمع الذى كانت خسارته فادحة, عندما تحولت "قلعة الحريات" إلى جزء من آثار الوطن, يشكو حتى عدم الاهتمام به.. وأصبح الذين قدمتهم "قبيلة سبانخ" لعضوية البرلمان يملكون مفاتيح كل شركات الهدم.. والمفارقة أن "الجدود" ترأسوا البرلمان من أيام "حافظ الميثاق" وصولا إلى "كبيرهم سرور" لكنهم كانوا يعرفون أن لعنة الاعتداء على القانون باغتصابه, جريمة لا تعادلها جريمة.. وأنها خطيئة وليست مجرد خطأ!!
جيل الأحفاد من "فصيلة سبانخ" لا يقيمون وزنا لقيمة أو مبدأ.. لا يرون المجتمع.. لا يحترمون غير السلطة.. لا تعنيهم غير الثروة والوجاهة.. هم مستعدون لكتابة كل ما يملى عليهم.. فقد أصبحوا يحملون مؤهلات "السفالة" العليا, ويتمتعون بنعمة السفاهة.. فهذا زمن يدافع فيه عن السلطة, أولئك الذين يشار إليهم على أنهم "نواب" حتى لو اعتبرهم الشعب "نوائب" جرفتها الأقدار!!
وقت أن كانت هناك صحافة وإعلام.. كانت "قبيلة سبانخ" تخشى الفضائح.. وبعد حبس الصحافة وخنق الإعلام, إختفت "حمرة الخجل" من الوجوه.. أصبح كل شئ مباح, حتى الجريمة من أدناها إلى أقصاها كما قال "ديستوفيسكى" فى رائعته "الأخوة الأعداء" التى قدمتها السينما وقت أن كان للإبداع قيمة.. وبعد أن أصبحت للصحافة والإعلام صورة "صفية العمرى" فى فيلم "البداية", الذى أبدع فى كتابته "لينين الرملى" وتركه لنا لنتذكره به كلما طالعنا وجه "شوال الرز" مختالا فخورا بجهله وسفالته!!
التاريخ لا يغفر ولن يرحم كل الذين تركوا "قلعة الحريات" تلقى هذا المصير, حتى ولو حدث ذلك فى ظل بضاعة فاسدة اسمها الأمن والاستقرار.. والتاريخ نفسه سينحنى تقديرا واحتراما للذين رفضوا الذل والقهر, وانطلقوا يوم "طوفان الأقصى" بحثا عن الحرية والاستقلال.. وإذا كان كل "سبانخ" يستمتع بالثروة الحرام والوجاهة المزيفة فى أيامنا هذه.. سيعانى أولاده وأحفاده من رائحته الكريهة!!
رحل "رأفت الميهى".. رحل "وجيه أبو ذكرى".. رحل "وحيد حامد".. رحل "لينين الرملى".. رحل "ديستوفسكى".. وعاش الذين يدافعون عن الشرف الرفيع على طريقة "عبد الفتاح القصرى" فى فيلم "ابن حميدو".. ولا مانع من ممارسة مهنة المحاماه كما شاهدناها فى فيلم "الأستاذة فاطمة" الذى يفرض علينا أن نتذكر "عبد الفتاح القصرى" دائما باعتباره بشرنا من زمن طويل أن "سبانخ أبو ضمير" فيه سم قاتل!!