هنا يجب أن نتوقف ونتذكر الزعيم "محمد فريد", الذى استقال من منصبه كوكيل للنائب العام العام, وقرر الاتجاه لممارسة المحاماه.. كان ذلك قبل أن يهل القرن العشرين.. وكان الزعيم "مصطفى كامل" قد اختار ممارسة مهنة المحاماه دفاعا عن وطنه بالدرجة الأولى.. كما كان الزعيم "سعد زغلول" قد أخذ الطريق نفسه, بعد أن ترك منصة القضاء.. ومن هؤلاء تغيرت نظرة المجتمع لعمل المحامى ومكانته.. فقد حدث فعلا أن والد "محمد فريد" – وكان أحد كبار المسئولين فى قناة السويس – قد أصابه الحزن والنكد بسبب قرار ابنه وراح يشكو لأصدقائه: "يرضيك محمد إبنى يترك النيابة, ويتجه لفتح دكان محاماه؟!" لأن المحامون كانوا يمارسون عملهم آنذاك من محلات إسمها "دكان المحامى" واستمر الأمر كذلك لسنوات طوال!!
التقديم واجب لتأكيد احترامى لمهنة "المحاماة" وقيمتها.. وتقديرا لكثير من المحامين الكبار الذين عرفتهم, وعلى رأسهم أخى الأكبر "رأفت نوار" شيخ محامى الإسكندرية الذى أفتقده كثيرا.. وبينهم الصديق " محمد بدير" وريثه فى تقديس المهنة!!
يخطئ من يعتقد أن "إنفتاح السداح مداح" كان لتخريب الاقتصاد فقط.. لأن رياح هذا الانفتاح إجتاحت المجتمع كله, خاصة أن صاحب "الجمهورية الثانية" ومؤسسها "أنور السادات" الذى أرسى لها قواعد تمكنها من الاستمرار حتى وقتنا هذا.. وقامت على معادلة حكم مثل "المقص" أحد طرفيها "الفساد" والثانى "الإسلام السياسى" والمثير أنها انتهت إلى احتكار السلطة لطرفى المقص!!
كان "رأفت الميهى" أحد مبدعى السينما المصرية, يرصد ما تتعرض له "مهنة المحاماه" من محاولات تخريب.. ذهب إلى كتابة وإنتاج وإخراج فيلم "الأفوكاتو" بهدف إلقاء الضوء على ما يحدث فى أوساط المحامين.. إنفجرت فى وجهه مع أبطال الفيلم عاصفة, ظنى أن تفاصيلها مازالت ماثلة فى ذاكرتنا.. وللذين لا يعرفون أو لا يتذكرون, يمكنهم معرفة كل شئ من خلال البحث عبر أجهزة الهاتف المحمول بين أيديهم!!.. ثم اختار "وجيه أبو ذكرى" تكرار محاولة التحذير من خطورة ما تتعرض له "مهنة المحاماه" عبر فيلم "ضد الحكومة" وشخصية "مصطفى خلف" المحامى الذى أبدع فى تجسيدها "أحمد زكى" بمعالجة تجنبت الصدام مع "عشيرة سبانخ" التى كانت قد قويت شوكتها.. حتى كانت رؤية "وحيد حامد" فى فيلم "طيور الظلام" الذى قدم "فتحى نوفل" المحامى – عادل إمام – وزميله "على الزناتى" المحامى – رياض الخولى – وكشف طرفى "المقص" كمعادلة حكم على الطريقة الساداتية!!
عندما يصبح صوت "حسن سبانخ" هو الأعلى.. لا مانع من تكليف أحد أفراد "قبيلة سبانخ" بالعبث فى قوانين تحكم الوطن وتعيد رسم حاضره مع تلوين مستقبله بالسواد.. فقد انتهى "زمن ويصا واصف" باشا و"عبد العزيز فهمى" باشا, وحتى "زمن أحمد الخواجة" كآخر النقباء الكبار للمحامين.. ولم تعد نقابة المحامين ميدانا للتنافس السياسى والصراع الفكرى.. لم تعد أول وآخر حصن يلجأ إليه الشعب إذا شعر بالخطر أو الظلم.. إختفى اليسار واليمين وما بينهما من اتجاهات كما ألوان طيف الإسلام السياسى!!
غابت نقابة المحامين وقت التنفيذ الثانى لمشروع "هضبة الأهرام" الذى تطور وأخذ اسم وعنوان "الوراق" وصولا إلى "رأس الحكمة" وهى مفارقة مثيرة.. لأن "رأس الحكمة" نفسها أصبحت معروضة فى أسواق ما يسمى بالاستثمار!! رغم أن الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد" أجهضت المشروع الأول بمقالاتها على صفحات "الأهرام" نهاية سبعينات القرن الماضى وتبنتها نقابة المحامين, وأقامت الدنيا ولم تقعدها حتى إعلان التراجع عن هذا العبث باسم الاستثمار الذى يتبنى الدفاع عنه وترويجه أبناء قبيلة "حسن سبانخ" وبينهم "حفيد دليسبس" الذى أدخلوه إلى دهاليز هيئة قناة السويس لتنفيذ ما يتم التخطيط له بليل!!
حكاية "حسن سبانخ" لم تعد مجرد تحذير عبر السينما.. بل أصبحت الأمر الواقع الذى نعيشه بعد تغيير شكل وحجم رموز الفساد عن وقت ظهوره فى بداياته.. لأنه أصبح "قبيلة" تمكنت واستطاعت أن تفرض الصمت على المحامين بصفة خاصة وعلى المجتمع بصفة عامة.. فهذه "القبيلة" عقدت صفقات مع قبائل أخرى فى الإعلام والسياسة والاقتصاد.. فضلا عن جهات سيادية مهمة!! وأصبحت "قبيلة حسن سبانخ" عنوان هدم مهنة ومجتمع, واستحقوا أن يفاخروا بكونهم سجلوا أسماءهم فى قوائم "السفلة والسفهاء" باعتبار أن "السفالة" تقدمت على الدرجات العلمية, وأصبحت طريقا للثروة والنفوذ!!
تتبنى "قبيلة حسن سبانخ" مواجهة أى محاولة للتفكير, لإعلان رفض ما يدور حولنا من أزمات.. ونصبت نفسها وصية على الوطنية.. فهى تحاول إقناعك أننا لا علاقة لنا بما يجرى على أرض فلسطين.. وتعلن تضامنها مع كل محاولات تشويهه "طوفان الأقصى" الذى سيذكره التاريخ كأهم وأخطر معارك القرن الواحد وعشرين.. والقبيلة نفسها تتولى الترويج لمنهج "الإخوان" القائم على أن "اللى فوق يعرف أكثر.. ويفهم أكثر" حتى لو كان "اللى فوق" من فصيلة "البغبغان الاستراتيجى" أو فصيلة "الشيخ فلان" مع فصيلة "المحللاتى" وحتى لو كان "اللى فوق" يوافق على أن يتولى "بلطجية" شئون الأمن والاستثمار.. ويسمح لهم بإعادة عقارب الزمن إلى الوراء, والعودة إلى مجتمع القبائل باعتباره ناجح فى دول تفوح منها رائحة النفط فواحة!!
تجاوزت "قبيلة حسن سبانخ" مرحلة "ترزية القوانين" الذين كانوا يملكون علما وحرفية.. وأصبحت صاحبة كلمة بالقوة وممارسة فرض الخوف على المجتمع.. وأصبحت "القبيلة" تملك حصرا صكوك الوطنية يعد أن تمكنت من عشرات الأحزاب ومقاعد البرلمان وعدد معتبر من النقابات, وعلى رأسهم "نقابة المحامين" التى إختارت ممارسة "الخرس الاستراتيجى" تجاه قضايا المجتمع.. فكل ما يشغلهم هو حساب المكسب والخسارة, وممارسة "النفاق" عندما يبررون مواقفهم بكلام غامض من عينة "إنت عارف الظروف" مع غمز ولمز إلى أن كل من يحاول أن يتكلم سينال مصير "أحمد طنطاوى" والمهندس "يحيى حسين عبد الهادى" على اختلاف طريقهما.. فالأول حاول أن يمارس سياسة.. أما الثانى فقد اختار طريق التنوير بالكلمة الصادقة والمخلصة, بعد أن خاض معارك للإصلاح دفع خلالها أثمانا فادحة.. وغيرهما عشرات من المساجين خلف القضبان, أو مساجين جدران بيوتهم بعد أن قرروا نفى أنفسهم اختيارا!!
كان "حسن سبانخ" فى نعومة أظافره فاسدا لذيذا.. وتطور ليمارس الفساد وفق منهج – ضد الحكومة – حتى استيقظ ضميره.. ولما مات الضمير, كشف وجهه وراح يمارس الفساد على طريقة "طيور الظلام" لذلك يجب أن نتوقف مع "ضمير سبانخ" الذى مات!!