عشت لأسمع وأرى سخرية المجتمع من أولئك الذين يقدمون أنفسهم "منتفخين" على أنهم "خبير استراتيجى" و"مفكر سياسى" و"كاتب صحفى" إلى آخر قائمة الأوصاف "الفخيمة" والتى أصبحت رخيصة!!
أعترف بأننى فى بداية مشوارى الصحفى كنت أنظر إلى هؤلاء باحترام تسبقه "رجفة تقدير" وكنت ألزم نفسى بأن أسمعهم.. مع نهاية الثمانينات إقتربت منهم.. صادقت بعضهم.. تعلمت من بعضهم.. وأصابنى "قرف" شديد من أغلبهم!! فلا يمكن أن أنسى الدكتور "محمد السيد سعيد" ولا الأستاذ " نبيل عبد الفتاح" وقبلهما الأستاذ "السيد ياسين" وثلاثتهم من عناوين الاحترام لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية".. وبعدهم تأتى قائمة طويلة من الذين أساءوا لمعان محترمة وعميقة كما "السياسة" و"الاستراتيجية".. وهؤلاء ماتت كلماتهم لأن ضمائرهم ماتت – أقصد القائمة الطويلة – ربما لأنهم عرضوا علمهم وفكرهم كبضاعة على السلطة وجهات التمويل الأجنبى.. ومن لم يطل هذه "الأوهام العالية" تقرب من رجال الثروة والمال أو "المطابخ الأمنية" بتنوعها!!
أستطيع أن أضع تلك القائمة الطويلة فى "دفتر السفلة والسفهاء" بضمير مستريح.. لأننى عرفتهم.. قرأت لهم.. سمعتهم.. تابعت معاركهم المظفرة للفوز بمناصب رفيعة, والمؤسف أن جميعهم حقق فشلا ذريعا.. فازوا بمقاعد برلمانية ليتباروا فى الدفاع عن مصالحهم ومصالح أصحاب النفوذ والثروة!! أصبحوا فصيلا أستطيع أن أسميه "فصيل البغبغان الاستراتيجى" لأنهم يتكلمون بما يقول الذى يقتنيهم.. يقولون غير ما يعلمون.. هم كانوا يقرأون ويفهمون.. ثم تفرغوا لعلم حساب أرصدتهم فى البنوك, وفن الاستمتاع بالحياة اللذيذة حتى لو كان هذا على حساب وطن وشعب!!
يقول الدكتور "محمد السيد سعيد" فى كتابه "الانتقال الديمقراطى المحتجز فى مصر" أن: "الافتقار إلى النزاهة الشخصية لا يقتصر فقط على خراب الذمم المالية لكثير من عناصر النخبة العليا.. لكنه يمتد أيضا إلى المجال الواسع للعلاقة بين الشخص والسلطة, وهى علاقة مريضة بكل المقاييس فى مصر"!! وقد ترك لنا هذا "الناسك" فى محراب العلم أفكاره وغادر دنيانا مبكرا.. كما غادر الأستاذ "السيد ياسين" وبقى لنا الأستاذ "نبيل عبد الفتاح" الذى يستمتع باحتقار صامت لفصيل "البغبغان الاستراتيجى".. وبينهم مجموعة تتصدر واجهة السياسة والصحافة والإعلام خلال السنوات القليلة الماضية.. بعضهم يحب أن يتكلم من أنفه.. وآخرين ينطقون كذبا فقط!!
إنكشف أمر "فصيل البغبغان الاستراتيجى" خلال شهور "طوفان الأقصى" عندما قرروا إخماد نيران "المقاومة" فى نفوس المصريين بصفة خاصة, والعرب بشكل عام.. فهم لا تسعفهم الكلمة المكتوبة.. راحوا يتقافزون عبر الشاشات خاصة تلك الناطقة بلسان "الصهاينة العرب" ويباهون الأمة بأنهم أبناء "ماما أمريكا" التى يحجون إلى بيتها سنويا.. ولا مانع من التفاخر بأنهم مقربون من هذا الأمير وذاك الشيخ الذى تفوح منه رائحة النفط فواحة.. دون أن يتركوا نصيبهم مما تجود به السلطة فى بلدهم!!
كان الأستاذ "نبيل عبد الفتاح" من أوائل الذين غاصوا فى أعماق تيارات الإسلام السياسى عبر كتابه "المصحف والسيف" رغم أنه يكتب لأصحاب العقول فقط.. لكنه كان يقدم أفكاره وعلمه ببساطة متحدثا فى المنتديات الخاصة والعامة.. دون نسيان بقية ما أضافه للمكتبة من دراسات وكتب, وأيضا "تقرير الحالة الدينية" الذى كان يصدر عن "الأهرام" ونال نصيبه من الإهمال ككل عمل علمى ورصين!!
قائمة الذين وضعوا أنفسهم فى "دفتر السفلة والسفهاء" الضخم من "فصيل البغبغان الاستراتيجى" تساقطوا كما أوراق الخريف, أمام خبراء الاستراتيجية الجادين, وتراهم على عدد قليل من الفضائيات العربية.. أهمهم "الجزيرة" و"الميادين" اللتان تقدمان إعلاما حقيقيا حتى لو اختلفت معهما أو مع أيهما.. وقلما وجدت أولئك من أبناء "ماما أمريكا" يظهرون ليدافعوا عن "عزة وكرامة" الأمة.. ولو فعلوا فهم يذكرون "العزة والكرامة" على أن السبيل إليهما الاستسلام, ورفع الرايات البيضاء أمام الكيان الصهيونى.. فهم ما زالوا يرونه "الأسطورة التى لا تقهر" رغم أن الدنيا كلها تراه قد انكسر, ولا يختلف عن "المغول" أو"التتار" وتشهد على ذلك مظاهرات كبريات الجامعات الأمريكية والأوروبية وأكثرها رقيا!!
يبشرنا كل "بغبغان استراتيجى" بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.. يطلبون من الشعوب العربية أن يطيعوا الملك والرئيس والأمير ورجال المال حتى يكونوا متحضرين!! وأصبحت السياسة عندهم كما كان يراها "نجاح الموجى" فى مسرحية "المتزوجون" ليفجر ضحكاتنا لحظتها "جورج سيدهم" عندما رد عليه قائلا: "دى سياسة أمك" فى مشهد يصعب نسيانه!! وهؤلاء مازالوا يتحدثون عن صراع "شيعى – سنى" حتى بعد جريمة اغتيال "أبو العبد هنية", وهو سنى فى "طهران" كعاصمة شيعية.. ويتجاهلون التفاف وتقدير الشعوب العربية حول "سيد المقاومة" فى لبنان.. ولعلنى لا أذكر الأسماء بوضوح تجنبا لسيف ديمقراطية المتحكمين فيما تبقى لنا من نوافذ ننتنفس عبرها!!
يرى الذين تفوح منهم رائحة العفن, ويروجون لقيمة السجود لغير الله.. أن الاستسلام فضيلة.. فنحن يجب أن نصدق أن "الاستحمار" إسمه "إستثمار".. وعلينا أن نصدق "مسيلمة" باعتباره يقدم الدين المستنير.. وهم يدعوننا إلى الابتسام عندما تجلدنا الأسعار, ويشعل النفاق داخلنا نار الغضب!! يطلبون منا صرف النظر عما يحدث فى "الوراق" وأن تكون قبلتنا "العالمين" بعد أن أصبح "العالم عالمين" ولا يتخيلون أن صوت "شريفة فاضل" باقيا فى آذاننا وهى تغنى: "على مين.. على مين.. على مين.. ماتروحش تبيع المية فى حارة السقايين".. ودون تصديق أن بضاعتهم بائرة وفاسدة!!
يستمتع أولئك الذين وضعوا أنفسهم فى "دفتر السفلة والسفهاء" من "فصيلة البغبغان الاستراتيجى" أنهم يقولون ما يملى عليهم.. لمجرد أن غيرهم مستحيل أن يكتب أو يتكلم.. دون التفات لوسائل "التواصل الاجتماعى" باعتبارها تحمل "كلام قهاوى".. لأنهم لم يقرأوا "تاريخ القهاوى" فى مصر.. فهم لا يعرفون أن "القهاوى" أعطت لمهنتى "الصحافة" و "المحاماه" قيمة, وقدمت مبدعين عظام أمثال "زكريا الحجاوى" و"محمود السعدنى" وغيرهما كثيرين جدا!!
يقول "محمد السيد سعيد" وقد رحل وعاش "عبده الاستراتيجى" فى كتابه الذى أقتبس منه: "الافتقاد إلى النزاهة الفكرية والسياسية والمالية, يزداد بدرجة مخيفة عندما ينكمش الأمل ويتراجع الطموح ويقل الحافز, لمعالجة المشاكل الكبرى للمجتمع والدولة"!! وهو كلام ومعان يعتقد كل "بغبغان استراتيجى" أنه مات بعد أن احتفلوا بأن ضمائرهم ماتت وقبضوا الثمن بالملايين.. وربنا يجعل كلامى خفيف عليهم وعلى أسيادهم!!.. يتبع