أحيانًا يضطر المرء أو يدفع دفعًا لاتخاذ قرارًا جوهريًا قد يؤثر على كل مجريات حياته، بل ويحولها تحويلًا مباشرًا من وضع إلى وضع آخر مختلف تمامًا عما كانت عليه من قبل، هذا القرار يعد إنقلابًا على حياة سابقة لم يكن هو راضٕ عنها، ربما يكون قدم تنازلات ، أو سحبت منه على المدى الطويل صلاحيات ، أو تدخل أشخاص غير مرغوب فيهم في حياته بشكل أزعجه ، أو ربما هو من ساهم بشكل ما في فشل حياته أو علاقاته، بسبب سلبية هو يعرفها، ويراقبها جيدًا وتركها حتى تتفاقم، أو بسبب أخطاء هو أيضًا يعلمها، و أوقع نفسه فيها بإرادته الحرة ولم يحسب جيدًا تداعيات وتأثير تلك الأخطاء المتراكمة .
على كلٕ ، أنت المسئول الأول والأخير عن قراراتك ، عن تسيير أمور حياتك ، عن إعادة توجيه مركبة حياتك ، بما يتماشى مع عقلك وتوجهاتك الفكرية والعصبية والنفسية ، أنت المسئول ، لا أحد غيرك ، لكن وأنت تحسب حساباتك الجديدة، وقراراتك الإنقلابية، ضع في إعتبارك عدة أمور أولها : من سيتأثر بتلك القرارات ؟ أو بمعنى آخر، وأنت في رحلتك الطويلة والمريرة مع الحياة، هل تسببت في إنتاج ضحايا غيرك ؟ هل زرعت بذورًا وكنت مسئولًا عنها بشكل أو بآخر ؟ وإن كنت كذلك، فما مدى تأثير قرارك الإنقلابي عليهم ؟ إن كانت الإجابة بنعم، فنصيحتي لك لا تتردد ولكن راعي إلتزامك الأدبي والمادي تجاههم ، وأعلم أنهم كانوا جزءًا من صراعاتك، وأنهم في وقت من الأوقات كانوا عامل ضغط قوي عليك في عدم إتخاذ قرار التحرر، أو الإنقلاب فالتسمية هنا شكلية .
أما إن كانت الإجابة " لا " فلا ضير سر في طريقك، وجرب ، وافتح الأبواب التي طالما خفت من فتحها في الماضي، فالخير في التغيير ، والأولى هو إنقاذ نفسك أولًا ، فإن نجحت في إنقاذ نفسك من الخراب والبؤس والضياع ، فالبتأكيد ستنجح في تغيير حياة تابعييك، الموت كل الموت لمن يستسلم لواقع لا يجد نفسه فيه، لا يرى في آخره نور، لا يجني من زرعه ثمار .
إن من يتخذون تلك القرارات الانقلابية، هم شجعان هم الرسل والأنبياء المبشريين، هم زعماء تلك الحياة، هم من أدركوا مدى قصر وهشاشة تلك الحياة، فأعلنوا عصيانهم وتمردهم عليها، بل وراحوا بخيالهم لأبعد من ذلك، حينما قرروا تغييرها .
المعادلة تبدو بسيطة، حياتك أظلمت، وقفلت كل أبوابها في وجهك، بل وتغولت عليك، وقللت من شأنك، الحل بسيط : غيرها فورًا !
المشكلة ليست في التغيير بحد ذاته، فالتغيير هو سنة من سنن تلك الحياة، فأي حياة مهما كانت صعبة أو مؤلمة وبائسة ، يحدث لها تغييرات داخلية، المشكلة الحقيقية تكمن في توقيت إختيارك للتغيير، وخلق ظروف مواتية تساعدك على هذا التغيير الذي تطمح إليه، فإن إخترت الوقت المناسب، وخلقت الظروف المواتية، فسوف تنجح لا شك عندي في ذلك، مهما كانت أسبابك، ومهما كانت إمكانياتك، المهم هو مدى استعدادك، وإيمانك بفكرة التغيير وتوقيتها المهم هو فرض إرادتك على كل المعوقات من حولك .
أنا لا أحكي تجربة شخصية وحسب، أنا هنا أعمم تلك التجربة على أمة كاملة، ساقها قدرها إلى حكم وتحكم الأراذل منها، ساقها قدرها إلى صعود أغبى الناس وأكثرهم مكرًا وخبثًا، وأقلهم علمًا وفطنة إلى سدة الحكم، أنظروا للنتائج التي وصلنا إليها وأنتم تعلمون، من كان يريد رؤية أمة متدهورة متقهقرة إلى الخلف، مقهورة من بطش أراذلها فلينظر إلى أمتنا، ورغم كل الظروف السيئة التي إجتمعت ضدنا في وقت واحد، خارجيًا وداخليًا، إلا أنه مازالت هناك فرصة أخيرة للتغيير، مازال أمامنا قليل من الوقت لانقاذ ما يمكن إنقاذه، مازلنا نملك القدرة لاتخاذ قرار التغيير، والنهوض بتلك الأمة من وكستها وسباتها العميق.
نعم نحتاج لمعجزة تخرجنا من براثن الوضع الراهن، من سواد الوضع الحالي، من دمار كل مقداراتنا، من تجهيل كل شبابنا، من تخوين كل مخلصينا، من قمع كل أصحاب الرأي والرؤى فينا من عجز كل راعٕ فينا، من صمتنا القتال ونحن نرى رجولتنا تغتصب أمام أعيينا، وكرامتنا تداس بالبيادات التي دفعنا نحن أثمانها ، إننا في مرحلة عفن وطني، فإن رأيت أحدهم قام من بعيد ويحاول تطهير هذا العفن أو على الأقل يحاول مخلصًا جاهدًا في تنظيفه، فالعار عليك كل العار ، أن تقول له كف، اللعنة عليك كل اللعنة، إن لم تنتفض معه وتمسك بمقشه، وتحاول تنظيف ذلك السرطان المميت، لا تقلل من مجهود أحد، لا تثبت أحد، قم وانتفض، فالعفن طال كل ملابسنا، واقتحم علينا بيوتنا، فلا تقل قول " جحا " : " العفن بعيد عن بيتي "
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق