يحيى حسين عبد الهادي يكتب : عَشْرِيَة عصام سلطان


كان ذلك في سنة ٢٠١٠ بعد عودة الدكتور محمد البرادعي إلى مصر .. كُنتُ والصديقان عصام سلطان وَعَبد الرحمن يوسف في سيارة عصام مُتَّجِهين إلى مدينة المنصورة ضمن رَكْبِ الجمعية الوطنية للتغيير بدعوةٍ من الدكتور محمد غنيم.

كانت سحابة الأمل تُظللنا جميعاً في هذه الأيام .. قُلْتُ لهما إنني أتمنى زوال الغُمَّةِ سريعاً .. ليس فقط لتعودَ مصرُ إلى شعبها .. ولكن أيضاً ليتفرغ كُلٌّ مِنَّا لِعمَلِه الذي يُحِّبُه .. فأعود إلى الإدارة، مِهنتي وهوايتي التي حُرِمْتُ من ممارستها وتدريسها بعد معركة عمر أفندي .. وينطلق عبد الرحمن يوسف بإبداعه إلى آفاق الشعر الرحبة بدلاً من التمترس حول هجائيات نظام مبارك .. فقاطعني عصام سلطان بضحكته المميزة: (أمَّا أنا فسأظل كما أنا .. مُحامٍ أسعى لِرَدِّ الحقوق لأصحابها .. كُلُّ ما سيستجد هو أن قضايا السياسيين ستنتهي بانتهاء السلطة المستبدة).

زالَ حُكمُ مبارك فعلاً كما تمنينا لكن عصاماً لم يستمر كما كان وكما تَمَنَّى .. ولَم تنتهِ القضايا السياسية من مكتبه، وإنما صار هو نفسه قضيةً سياسيةً حزينةً كاشفةً .. وأُغلِقَ مكتبُه وشُطِبَ المحامي المتألق من نقابة المحامين.

في ٢٩ يوليو ٢٠١٣ (أيْ منذ عشرة أعوام) أُلقِيَ القبضُ على عصام سلطان .. ورغم أن فَضَّ رابعة حدث بعد القبض عليه بأسبوعين إلا أنه حوكِمَ في القضية المُسَّماة (فَضّ اعتصام رابعة) وحُكِمَ عليه بالمؤبد(!).

عشرة أعوامٍ في حبسٍ انفراديٍ معزولاً عن الدنيا .. في السنوات الأربع الأولى من حبسه لم يُسمح لزوجته الدكتورة نهى وأبنائه أسامة وحبيبة وآمنة بزيارة عائلهم إلا مَرَّاتٍ معدودة من خلف حاجزٍ زجاجىٍ يسمح بالرؤية فقط، لا يسمعهم ولا يسمعونه إلا من خلال تليفون.. والزيارة كلها خمس دقائق لهم جميعاً، أى أقل من دقيقة ونصف لكلٍ من الزوجة والابن والبنتين .. مع مضايقاتٍ في إدخال طعام الزيارة، وصلت حَدَّ السماح بإدخال نصف سمكةٍ وإعادة نصفها الآخر (وقد أشرتُ إلى هذه المهزلة في الأهرام ٢٠١٥ قبل أن أُمنَع لاحقاً .. وكتبَ أيضاً وقتها كلٌ من الأستاذ/ حمدي رزق والدكتور/ مصطفى النجار رَدَّ اللهُ غيبته).

لكن هذه الزيارات الشحيحة والمؤلمة توقفت تماماً منذ ست سنواتٍ .. تزوج فيها أبناؤه الثلاثة دون أن يَعرف .. هو أصلاً لا يعرف شيئاً مما يحدث في الدنيا ولا نعرف شيئاً عنه ولا عن صحته .. يحدث هذا لمحامٍ نابهٍ غير بذىء ولا سليط اللسان .. لم يَقتل ولم يستخدم سلاحاً إلا الحُجَة القانونية في ساحات العدالة، ولم يُرصَد في يومٍ من الأيام مدافعاً عن جاسوسٍ أو فاسد أو داعرٍ .. بل على العكس، كان يُبادر بالتطوع بالدفاع عن ضحايا الفاسدين وخصومهم (تطوع للدفاع عن كاتب المقال فى نحو عشرين دعوى كَسَبَها جميعاً).

كانت لِعصام سلطان (كما لأيِّ مُنشغلٍ بالشأن العام) آراءٌ سياسية قد تختلف مع بعضها وقد أختلف أنا .. لكنها تظل (آراء) لا تبرر ما يحدث لصاحبها .. دخل عصام السجن وعمره ٤٩ عاماً وهو الآن في عامه التاسع والخمسين.. إنَّ عشريةَ عصام سلطان هيَ نفسها عشرية أحمد دومة وعشرية علاء عبد الفتاح وعشرية محمد البلتاجى مع اختلاف المشارب .. إنها عشرية مصر .. وسيكون خَلَاصُهم مع خلاصها.

ما يحدث لعصام سلطان وباقي الرهائن في هذا البلد المُختَطَف يتجاوز الظُلم .. فللظلم قواعد .. إنها الخِسَّة.

المصدر : موقع ذات مصر

تعليقات