علي محمد علي يكتب : الوعي


الوعي أعيا صاحبه ، كثيرًا ما انتقدت منطق هذه العبارة للوهلة الأولى التي وقعت فيها على مسامعي ، وكنت أسأل نفسي ، كيف ؟ ومن المفترض أن الإنسان كلما وعى أكثر إرتاح أكثر وهدأ ، وكان مايزيد غرابتي وتعجبي أكثر أن من يشتكي من الوعي هم كبار المفكرين والفلاسفة العظام ، قالوا كلامًا غريبًا عجيبًا في وصف حالة الوعي لديهم ، حتى أن أحدهم قال : " إن النار المنبعثة من المعاناة ، هي نفسها النور الذي يضيء الوعي ، وآخر قال : : إرتفاع الوعي يزيد الآلام ، وأغلب المصابين بالإكتئاب النفسي هم المثقفين .

استكمالًا لحالة الغرابة عندي أنه لم يتفق أحد تحدث عن الوعي سواء بالوصف أو بالتحليل مع الآخر ، الكل وصف من زاويته هو ، من منظوره هو ، من تجربته هو ، وهذا شيء مخيف يجرنا إلى استنتاج غاية في الخطورة ، كما فسره فيلسوف المجانين " نيتشه " وهو أن الوعي نفسه ماهو إلا " وهم " من ضمن أوهام كثيرة أوهم بها الإنسان نفسه ، بل وذهب لأبعد من ذلك حيث ألزم الإنسان نفسه بهذا الوهم ، ومثل الوعي العمل والحب والعلاقات الاجتماعية بأنواعها والطموح .... وغيرها ... كلها أوهام .

نستطيع أن نجزم وفقًا لهذا الطرح أن الوعي بحد ذاته هو حالة من حالات " عدم الوعي " ، هون على نفسك سيدي القارئ العزيز ، " فك " كده وخذ الأمور ببساطة ، إن الحديث عن الوعي حديث له شجون ومواضع الخلاف فيه أكثر بكثير من مواضع الاتفاق  ، فالوعي نسبي ويختلف من شخص إلى شخص ، ومن جماعة إلى جماعة ، بل ومن دين إلى دين ، ولكن عندي لك سؤال يا عزيزي ، هل الوعي وحده هو المسئول عن تصرفاتنا وأفعالنا ؟ 

الإجابة ستصدمك ، فهي بالطبع " لا " فمعظم تصرفات وأفعال الإنسان باعثها الأساسي هو " اللاشعور " أي " اللاوعي " فأنت تجوع ليس لأنك قررت أن تجوع بوعيك الحر ، وقس على ذلك معظم أفعالك ، دعنا يا عزيزي نقترب أكثر ، وعينا يا عزيزي ليس موضوعي ، ليس مادي محسوس يخضع لأدوات القياس ، وبالتالي فالحديث عنه لايعدو كونه مجرد " سفسطة " فكرية ، إننا ياصديقي العزيز مختلفون حتى على ماهيته ، فهل هو المعرفة " المعلوماتية " ، إحذر أن تقول نعم من باب قفل هذا الحديث الممل ، وإنهاء حالة الجدل التي بيني وبينك ، لأنك ستقع في خطأ جسيم وهو إعتراف ضمني منك أن جهاز الكمبيوتر أو حتى هاتفك أكثر وعيًا منك ، فبه معلومات أكثر .

هل هو الخبرات المتراكمة التي نكتسبها من تجاربنا الحياتية ؟ حذاري أن تقول متسرعًا " نعم " مرة أخرى ، لأن في ذلك إعتراف ضمني منك أن بعض الثدييات كالفيل الأسيوي أو الحوت مقوس الرأس أو الببغاء الأزرق أو الأصفر أو حتى السلحفاة أكثر وعيًا منك ، فجميعهم يعمرون أكثر منك ولهم تجارب طوال عمرهم أكثر منك .

دعني أخبرك بتصوري حتى لاتغلق مقال رأيي هذا قبل أن تخرج بشيء مفيد ، علمًا بأني لست أقل منك حيرة وريبة ، فأنا فتحت معك موضوعًا ومتشكك إن كنت سأتمكن من غلقه أم لا ؟ ... هههه لا بأس لاتقلق ، فأنا لدي مبدأ أطلق عليه " روح البساطة " مفاده أخذ نوائب وكوارث تلك الحياة ببساطة ، فهكذا بدأت الدنيا " ببساطة " وأن عظيم الأمور والأفكار بدأ بسيطًا ، لقد خلقنا متفاوتين مختلفين لا نشبه بعضنا ، تلك هي البداية لإدراك مقصدي ، هل يملك أشد الناس وعيًا التحايل على الموت ؟ هو يملك أن يتمرد على الخالق ويصور له وعيه أنه حر ، وهو فعلًا كذلك ، تمرد كما تريد وأكفر بما تريد وضلل نفسك وغيرك عن السر الأعظم كما تريد ، إنك في النهاية ميت ، وآت ، ولم تخلق سدى أو صدفة أو من إنفجار عظيم ، كما صور لك وعيك ، هل يستطيع وعيك أن يحول بينك وبين المرض ، بينك وبين الرزق سواء كنت مؤمنًا أم ملحدًا ؟ فأكثر الواعيين حالهم بؤس باعترافهم أنفسهم ، عش حياتك كما تحب وافعل ماينبغي عليك فعله ، اعمل إجتهد في عملك لا تقصر في واجباتك أو مسئولياتك ، وفي النهاية لن يتبقى منك غير عملك ،  بالمناسبة هل تعرف أين يسكن الآن " تسلا " أو " أينشتين " ؟ هل أعطيتني عنوانهم من فضلك  ، 

أنا خلصت .

تعليقات