د. يحيى القزاز تعليقا على "والله كبرنا يا عبد الرحمن" يكتب :اخطر معركة هى معركة الوعى


 كلمة المحرر 
بعد أن بدأت كتابة رحلة عمر جيل عايشته منذ منتصف الثمانينيات فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، هو تاريخ جيل كامل أثر في الصحافة والإعلام والأدب والثقافة شعرا وأدبا، وفنا سينمائيا ومسرحيا وموسيقيا،  كنت جزء منه طوال 38 عاما هي رحلتي معهم، بحكم علاقتي بالإعلام والصحافة والسياسة وعنونتها " والله كبرنا يا عبد الرحمن"، أرسل لي الصديق  د. يحيى القزاز  تعليقا  على المقالين، وكان حوار صباحيا كعادة يومية نلتزم بها معا، واستمر الحوار على مدار ثلاثة أيام هي عمر نشر المقالين حتى الآن، وارتأيت نشر التعليق الشخصى الذى دار بيننا، لما فيه من إضافة إلى ما كتبت، وأيضا ما سأكتب إذا قدر لي ذلك.
على أبوهميلة
والآن إلى تعليق د. يحيى القزاز :
كمل الحكايات دى ولا تتوقف فشهودها احياء، ولن تكون مذكرات، أنها وثيقة تاريخية باسلوب بسيط جميل لو دقق القارئ لرأى الكتابة تتحرك عملا سينمائيا، كم أنت مبدع ياصديقى الشقى، يا من تسعدنا وتشقينا

استمر فى ذكريات هذه المرحلة.. ماشدنى ليس كونها سردية نستالوجيا ولا حكاية ظريفة.. أنه تاريخ جيل حاول أن ينحت فى الصخر يصل الماضى بحاضره ليسلمه لجيل المستقبل فى سلسلة نضالية رائعة لم ولن تنقطع، ليعرف الجيل الجديد أن لهم أسلافا عظاما قاسوا وحاولوا نجحوا تارة وتمت إعاقتهم تارات لكنهم لم يستسلموا... لأول مرة أعرف هذا.

هذه صفحة من تاريخ نضال شبابنا، يمكن القول أن ثورة 25 بناير بطليعتها الشبابية لم تكن وليدة لحظتها أو حركة كفاية ولا 6 إبريل المتفرعة من حركة كفاية بل تمتد جذورها إلى أبعد من ذلك.

أفرح كطفل صغير عندما اقرأ عن كل لحظة مضيئة فى تاريخ هذا الوطن فى زمن العتمة، علينا بتجميع كل نقطة بيضاء على الثوب الأسود، ماأجمل البياض حين ينهض فى وجه العتمة.

كمل السلسة بنفس الروح الانسيابية ولا تتدخل فيها لتجملها فتفسدها،أكتب وكأنك تكتب ذكرياتك لنفسك لا ليراها غيرك. ذاك هو الصدق والابداع، ده الصح ،دع النهر يمتلأ من المطر وليس بحفر الآبار الجوفية،المطر حالة طببعية انسيابية. حفر الآبار الجوفية فعل صناعى.

على عندك مخزون.. ربنا اعطاك نعمة لاتبدده هباء. ركز وأكتب. قلمك ساحر وخواطر صادقة تصل بسهولة وإن اختلف البعض،أجعل هذه الفترة أجمل فترات حياتك بإنتاجك لا أسوأها بيأسك.

الدفاع عن الوطن ليس سلاحا فقط ولا سياسة فقط، أعظم دفاع هو الدفاع عن شرف الوطن،  تاريخه بالحفاظ عليه حتى لا يعتدى عليه ويلوثه أحد.

أن هزائم الأمم الحقيقية تبدأ بالتشكيك فى تاريخها، وتزويره وتزيفه والتضليل ومحو كل ماهو جميل، هذا لايجعل المواطن الآتى له حب ولا قدرة على الدفاع والحفاظ على الوطن لسبب بسيط محو تاريخه وشوهوه - ومنهم إناس عملاء من نفس الشعب-  فلم يجد مايحفزه ويدعوه للدفاع عنه. الهزيمة الحقيقية ليست هزيمة السلاح فى الميدان هي هزيمة النفس وكسرها، ضياع الروح المعنوية.. وعندما تضيع.. صعب أن يمسك المواطن سلاحا ويذهب للميدان يحارب، وإن ذهب كان تأدية واجب بلا روح، عمل روتينى، الحفاظ على كرامة النفس والروح المعنوية عالية هما أهم أدوات المعارك والانتصار.

علشان كده انت لازم تكتب لديك مخزون ثقافى، وإلهام وتدفق، وشاعرية أحيانا، وموضوعية فى الفن والثقافة (فى السياسة مش قوى، من ليس معك فهو ضدك)، لذلك إبدع فى ميدان حرب أنت تتفرد فيه وتقوده بموضوعية.. أكتب تلك معركة أهم وأخطر من المعارك السياسية، اكتب أنهم يعملون على تجريف وعى الشباب والجيل القادم، ويمحون تاريخ ونضال ومقاومة الأسلاف، من ليس له تاريخ ناصع ليس له مستقبل مبهر.

حاليا المعركة الدفاع عن الوطن ليس سلاحا فقط، هي معركة التاريخ والوعي، وتشويه الشباب، ومن أهم مشاكل الشباب الحماسى حاليا هو أنه منقطع الصلة عن تاريخه، لايعرف عنه شيئا، لذلك تجده يتحدث عن الأجيال وقدمها وواجبية تقاعدها، تلك هى المشكلة، هم بحاجة لتقديم التاريخ لهم بطريقة بسيطة تناسب عقولهم وأوقاتهم وثقافتهم  بلا تكلف.

أخطر معركة هى معركة الوعى، فهل لجاهل ان ينتصر ومعك كل مقومات الانتصار على عدو عاقل يملك اقل منه بكثير.

من أسباب خفوت أو عدم نجاح - لا أفضل كلمة الفشل- ثورة يناير هو حماس غالبية الشباب بدون اتصال بمعارك ونضال أسلافهم التاريخية. اعتبروا أن التاريخ بدأ منذ تلك اللحظة 25 يناير وهى بالقطع لحظة نادرة وفارقة ولم يأت التاريخ بمثلها، لكن عدم فهم التاريخ سهل مهمة السطو عليها من المنظمين ولهم أهدافهم التى تخدم مصالحهم، بالرغم من أنهم قلة لكنهم قلة منظمة يملكون المال والسلاح؛ جماعات منظمة ومؤسسة عسكرية قوية حاكمة.

لآن عليك بأن تدرك ان معركتك أخطر من السياسة والحرب، معركة التاريخ والعقل، معركة الوعى.

وكما قال المتنبى

" ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله/ وأخو الحهالة فى الشقاوة ينعم"

عندك صداقات وعلاقات مع جيل كامل.. اكتب وممكن تتوسع فى ذكر دور كل  واحد،اعط مساحات ليكون للموضوع هدف وقيمة وموضوعية، ضع الجميع مشاركين فاعلين معك فى الكتاب ليسوا علامات على الطريق تمر عليهم،أريده سفر جيل الثمانينات والتسعينات، أو سفر جيل حجبه الاستبداد،أنت مؤهل لذلك. 

سيب لى الخناقات السياسية. وخليك فى المعارك الفكرية، معركة الوعى، كلانا متشاركان فى نفس الهموم، عندما اخوض معركة فأنت معى داعم وفى قلبها حتى وأنت تناضل فى مكان آخر، كل منا مع الاخر وان تغيرت المواقع،اعتبر نفسك زى ماكتبت عن عاصم، اكتب عن س وعن ص، حتى ولو ٢٠٠ كلمة، الهدف أنك لاتصنع تاريخا، لكن تسجل حقائق تاريخية بشخوصها،كثرة الاشخاص فيه ثراء للدور الوطنى.

انا مهتم بكده.. اكتب.. واكتب عن ابراهيم عيسى وغيره... مالناش دعوة بالتغيير. خد الجانب الجميل.. لانه حاصل فى مرحلة جميلة.. إظهار جمال المرحلة. وفى نهاية المجلد يمكن أن تكتب ان الزمان دار دورته وتغير سلوك بعض النبلاء، ثم تتساءل عن سبب تغيرهم، ولا تحلل تغيرهم ولا تدينه ولا تبرره، دعه للناس. لكى تخلق حالة جديدة  تبدأ بعد ان تضع قلمك.

كن مختلفا أى مجددا بشكل جديد وسلس وتخلق حالة جدلية. التاريخ الجيد هو حالة جدلية لكنها موضوعية للتدقيق والإضافة والتصوبب. تاريخ الأحداث الكبرى صعب ان يرويه او يدونه فرد مهما كان صدقه، لكن الفرد يستطيع أن يستثير من شاركوا ومن شاهدوا فيخلقون حالة جدلية يمكن لمؤرخين موضوعين محبى للوطن لا كارهين له ولا يسعون لتجميل قبحه ولا تصفية حساباتهم معه يستطيعون أن يدرسوا كل ماكتب ويستخرجون حقيقة الحدث بماله وماعليه. 

التاريخ هو محصلة جمع معادلة جبرية إن كانت بالسلب فهى تدان لكن الموضوعية لا تسقط الإيجابيات هذا للإنصاف والإنصاف ينبغى وأن يذكر إن هذه الإيجابيات كانت الاستثناء ولا يجب تعميم الإستثناء الإيجابى على انه حالة عامة، نفس الشيء على المحصلة الإيجابية لابنبغى إغفال السلبيات كأستثناء او اقلية ولا يجب تعميمها على المرحلة.

تعليقات