هذا السؤال يتردد صداه فى رأسى كلما دعيت الى مناقشة كتاب ما ، او كلما طلب احدهم ان اكتب رأي فى عمل ما مقالا ، ويقفز الى رأسى كلما تبرعت من تلقاء نفسى للكتابة عن عمل لكاتب احب كتابته ، ثلاثة احوال اجد السؤال الذى طرحته منذ قليل يطاردنى بلا اجابة
المنظومة الابداعية حلقة مكتملة لا نعرف النقطة التى تبدأ فيها دورتها من النقطة التى تنتهى اليها ، وانا هنا اختص الابداع المكتوب من قصة او رواية او مسرحية او ديوان شعر ، اختص الابداع المكتوب لانى لست خبيرا ولا متماسا مع الانواع الاخرى من الابداع مثل الابداع المرئى ،والمسموع ، فلم اكن يوما ما ناقدا للاعمال التليفزيونية ولا السينمائية ، ولا المسرحية المؤداة على خشبة المسرح ، جل اهتمامى وتخصصى ينصب على الابداع المكتوب ، ولانه حلقة لا نعرف اين تبدأ ولا اين تنتهى ، فاننا نحار فيما وصل اليه الناقد فى هذه المنظومة.
اذا قلنا ان الكتاب يمر بمراحل عدة ربما كان اولها عزم الكاتب على التعبير عما يود التعبير عنه ، فاذا ما استطاع الانتهاء من كتابه فانه سرعان ما يدفع به الى مصحح لغوى كي يضبط له كتابه نحوا وصرفا ولغة ، وغالبا ما يتفق المدقق اللغوى مع الكاتب على القيمة المادية وربما وصلا الى منطقة وسطى بعد شد وجذب وفصال فى هذه القيمة ، لكن فى النهاية يحصل المدقق عل مقابل مناسب لما يقوم به من عمل ، ويدفع الكاتب عن طيب خاطر ما يطلبه المدقق دون امتعاض او تأفف.
اذا شرع الكاتب فى طباعة كتابه دفع به الى دار نشر ، وهنا لابد من توقيع عقد بين الطرفين ليضمن كل طرف حقه ، وفى اغلب الاحوال يدفع الكاتب مقابلا متاسبا وتكلفة طباعة كتابه وهنا يمر الكتاب بثلاثة مراحل ليس من بينها مرحلة مجانية او بلا مقابل ، حيث يدقع اولا قيمة عمل منسق الكتاب ، والمنسق لمن لا يعرف دوره فى الكتاب هو من يقوم بتوزيع المكتوب على صفحات الكتاب ، وعمل الهوامش وترقيم الكتاب واختيار نوع الخط وحجمه وطريقة وضع العناوين ، وضبط بداية الصفخة ونهايتها ثم ترك صفحات بيضاء من عدمه ، وربما تدخل فى حجم الكتاب بالتشاور مع دار النشر ، وهو لقاء ذلك يتقاضى مبلغا مناسبا لما يقدمه من خدمات.
لأن الكتاب لا يكون كتابا الا بغلاف ينبئ عن محتواه او على الاقل يمثل عتبة مهمة للكتاب فانه من الضرورى اختيار مصمم اغلفة يتمتع بحس فنى عال ولذا فليس غريبا ان يتقاضى مقابلا ماديا بالاتفاق مع الكاتب الذى يدفع عن طيب خاطر ونفس راضية ، فى المرحلة الثالثة يدفع الكاتب ثمن طباعة الكتاب والغلاف وهو مبلغ يمثل الجزء الاكبر من عملية اخراج الكتاب للنور ، فترى الكاتب يدفع قيمة وثمن طباعة عدد من النسخ تناسبه فهو يختار لنفسه من بين ٥٠ الى الف نسخة حسب امكانياته ، ويخرج الكتاب للنور وليس عند كاتبه اعتراضا او مانعا من دفع بضعة جنيهات لمن يحمل الكتاب اليه ،
ثم تأتى مرحلة اخرى قى منظومة الابداع الا وهى مرحلة المناقشة ، وهى مرحلة جد خطيرة لانها المرحلة التى يشهد فيها الكاتب لحظة تدشينه ان كان مبتدئا ولحظة انتشاره ان كان متحققا وسبق له النشر ، والكاتب فى هذه المرحلة ايضا لا يبخل ابدا بقيمة ايجار القاعة ولا يضن بثمن المشروبات او المخبوزات الخفيفة التى يضيف بها ضيوفه يدفع عن طيب خاطر كل ذلك من اجل ان تكتمل العملية الابداعية ،
ولأن مناقشة الكتاب فى حفل التوقيع الذى يكلف الكاتب ما يكلفه يحتاج الى نقاد فانه سرعان ما يوجه الدعوات الى ناقدين او ثلاثة على الاكثر من اجل مناقشة كتابه واثراء حفل توقيعه ، وهنا تكمن القضية ويبرز السؤال ،
ان الكاتب فى هذه المرحلة يستكثر ان يرسل نسخة مطبوعة الى ناقده ويكتفى فى بعض الاحيان بارسال نسخة pdf
وربما اضطر الناقد لطباعة هذه النسخة على حسابه الشخصى كى يتمكن من قراءتها بتمعن ، ثم يستكثر الكاتب ان يذهب للناقد لاصطحابه بسيارة مريحة توصله الى مكان الندوة فيضطر الناقد البائس من الذهاب على نفقته الخاصة بعد ان اضاع من عمره سويعات او ساعات وربما اياما فى قراءة النص ومدارسته كى يقدم ورقة نقدية تليق به ، وفى يوم العرس الاكبر ، تكون الحلقة قد اكتملت ، كاتب وكتاب ودار نشر كل واحد من هؤلاء نال مقابلا مناسيا لما قدم من جهد الا قليل الحظ ،الناقد البائس ، وهنا يعود السؤال الى الظهور ، لماذا يهدر حق الناقد المادى ، ؟ لماذا لا يكون له مكافئة تليق به وبجهده الذى يبذله ، لماذا هو وحده الذى يشعر كأنه مكلف بمهامة تطوعية ليس لها مقابل مادى ؟
لماذا يقيم الكاتب الدنيا ولا يقعدها اذا ما تجرأ وطلب الناقد ثمنا لما قدمه من جهد ؟
لماذا يشعر الناقد بالعار اذا طالب بحقه ، ؟ لماذا يتندر الكاتب امام الجميع مشهرا بالناقد انه ( اى الناقد ) طلب ثمنا لمجهوده ، لماذا يتعين على الناقد ان يعمل بلا مقابل ؟