بعد المقال الأول الذي كتب عن جيلنا الذي هربت منه سنوات العمر واصبح شباب الأمس القريب على بوابات العقد السادس وكان إلهام كتابته و الكلمة التي فتحت بوابة ذكريات أربعين عاما هي كلمة الأعلام الكبير والصديق طوال تلك السنوات عاصم بكري التي نشرها بمناسبة وصوله سن التقاعد! أرسل لي هذه الرسالة، ثم بعدها توالت رسائله والحوار بيننا، وقد ارتأيت نشرها لأهميتها فيما سيأتي من كتابات لي أو له فقد عرضت عليه أن يبدأ بكتابة مذكراته أيضا لأنها تجربة ثرية ومؤشر هام على ماحدث في نصف قرن وصل بنا وبالوطن لما نحن فيه.
علي أبو هميلة
إلى رسائل عاصم بكري
أخى وصديقى العزيز :
شريط ذكرياتك كان كافيا عند متابعته أن تمتزج فيه النشوة بالحسرة وأن تتبدل فيه الانفعالات بين قليل من ابتسامات الرضا وكثير من بكائيات الألم
لكن هى فى النهاية قصتنا وحكايتنا ونحن شخصياتها الرئيسة ولو كنا فى ذات الوقت ضحاياها
وجميل أن تنعتها بزمن الأحلام النبيلة وإن كنت يا أخى الحبيب قد نسيت شقة هيئة خريجى الصحافة بميدان طلعت حرب ومشروع فيلم ( مذكرات طالب جامعة ) وأعتقد أن هذا كان مكان وزمان أول لقاء بيننا وكذلك مع كثيرين من هذه المجموعة الجميلة من أصحاب الأحلام النبيلة وهو لقاء سابق حتى على ماسبيرو
مقالك الآسر وإن بدا مناجاة مع الماضى للذكرى فإنه فى ضمير الفنان يتشكل كذلك إلى شئ من التحفيز أو لنقل إيقاظ النائم أو إحياء الموتى فسباتنا الطويل أقرب للموت من النوم ونحتاج بشدة إلى من يذكرنا بحقيقتنا وقد فعلت بحب وصدق وذكاء
لا لن أسمح لمشاعرى أن تتسرب إلى كلماتى دون إرادتى فلا أريد أن أنتزع روحى خارج الذكريات الجميلة
(على أبو هميلة الفنان ) : ما أجمل المشاعر الفنية حينما تكون جسرا بين القلوب والوجدانات فإنها أعظم وأصدق وأنبل ما يمكن أن يلتقى عنده أصحاب الأحلام النبيلة
شكرا على كل حرف وكلمة وعلى كل معنى ومغزى
وأتمنى على الله أن نلتقى قبل انقضاء زمن الرحلة
فبالأمانة. أنت فعلا وحشتنى.
وكانت الرسالة الثانية التي ارسلها لي الصديق الأستاذ عاصم بعد نشر المقال الثاني وجاء فيها:
خالص تحياتى
أصبح لا مفر من أن نكمل الحدوتة وأن نحكى حقيقة ما حدث حينها وتسبب فى إيقاف تنفيذ مشروع فيلم ( مذكرات طالب جامعة ) وهذا ما سوف أكتبه لك لاحقا ( غير بعيد ) لعله اليوم بإذن الله وليعرف كيف للحقد أن يقبر أحلام الشباب
الشئ اللطيف أننى وجدت فى مكتبتى نسخة سيناريو ( مذكرات طالب جامعة ). وقد تمت كتابتها على نحو. متميز إذ تمت إضافة مربع كبير. للديكوباچ وذلك لخصوصية أن التجربة كانت تقضى أن يكون كل المشتركين فى الفيلم من الطلاب والطالبات.
كانت تلك الكلمات التي ارسل بها متوافقة مع تفكير خطر ببالي أثناء كتابة المقال الثاني فأرسلت اليه رسالة بهذا المعني:
ـ صباح الخيرات ياأستاذ
عايز أقولك حاجه.. أمس كنت بفكر هل لو وجد نسخة السيناريو للفيلم يمكن أن يكون محل إنتاج؟ ولو حصل وكان فيه فرصة إنتاج؟ هل السيناريو القديم ها يكون مناسب يبقى فيلم عاصم الاول؟ ويبدأ عاصم الآن طريق جديد، تصورت أنه ربما سيعاد كتابته مرة أخرى..
سرحت بخيالي.. وقلت "ليه لاء ويكون بداية جديدة"
الغريب ان تجئ رسالتك تلك بعد تفكيري هذا..
وعقب عاصم بكري الإعلامي القدير والكبير قائلا:
- جميل
وطبعا سوف يحتاج إلى تغييرات كثيرة الجميل أننى منذ فترة التقيت العزيز أشرف غريب. رئيس تحرير الكواكب سابقا وهو الذى كان قد وضع لحن أغنية الفيلم وجلسنا نغنيها معا بشعرنا الأبيض
كذلك لا تنسي أن المرحوم خالد صالح لعب دورا رئيسا فى الفيلم وهو ظور الاستاذ الجامعى المدلس وكنا نختاره لهذه الادوار لإنه رحمه الله كان يبدو أكبر من سنه رغم أنه يصغرنى بعدة أشهر وقد أجريت معه بروڤات عديدة مازالت فى الذكرى وخالد الصاوى كان من ضمن الأسماء ولكننا لم نبدأ معه بروڤات وطرحنا للبطولة لإيمان الطوخى ونزل خبر فى الاهرام بهذا.
ثم اعقب ذلك برسالة فجر اليوم عن الفيلم وأجاب على سؤال لم استطع الإجابة علية منذ 38 عاما قال عاصم الذي كنا نحلم معه أن يكون سينمائيا متفردا :
صديقى العزيز
موضوع فيلم ( مذكرات طالب جامعة ) والذى مع قصته بدأنا واحدة من العقبات المصطنعة التى تعوق طرقنا المستقيمة الطيبة المسالمة.
هذا الفيلم لا تبدأ قصته من لحظة كتابته وإعداده السينمائي وإنما قبل ذلك بسنوات فقد كنت مغرما غراما لافتا بالفنون وكان من الطبيعى للشاب الذى يعيش أسيرا لهذا الغرام أن يجد دفئا كبيرا فى عالم السينما
لذا عشقت هذا العالم مشاهدة حميمية وقراءة نقدية مدققة وكنت حددت هدفا أكيدا بأن أعرف أسرار هذا الفن ولبلوغى هذا الهدف سلكت مسلكا نادرا وعجيبا إذ كنت أقوم بمشاهدة الأفلام العالمية الرائعة على غرار ( صائد الغزلان ) ( وجها لوجه ) ( الأب الروحى ) الخ وأقوم بتفريغ مشاهد عديدة من كل فيلم على صورة ( الديكوباچ )
فأحدد المشهد وأكتب الحوار ثم أكتب فى المربع المواجه اللقطة وحجمها وحركة الكاميرا فيها وأحدد تكوين الكادر بتحديد ال foreground وال background لأعرف دلالة كل لقطة
هذا الأمر وما ينطوى عليه من صبر زاد من عشقى لهذا العالم ووفر لى بدائل عديدة من التصورات الإخراجية
دخلت عالم المسرح الجامعى البرئ الجميل الدافئ حينما كنت فى السنة الثانية من كلية الإعلام وقمت ببطولة مسرحية ( إينوشكا روح العدل ) وأخرجها فى هذا التوقيت الزميل أحمد الجعلى الذى كان فى السنة الرابعة قسم العلاقات العامة
فى السنة التالية أصبحت رئيسا لفريق المسرح وألفت مسرحية بعنوان ( بيجين تحاكمه الملائكة ) وهذه المسرحية إشترك فيها معى عدد كبير من الزملاء الأعزاء الذين تفضلت بإن أفردت بعضا من أسمائهم وأسمائهن فى مقالك العزيز لكن هذه المسرحية تعرضت لحواجز أمنية غير عادية حتى أننا ظللنا عاما كاملا نحاول عرضها دون جدوى فقد تم منعنا من المسابقات الرسمية للجامعة وحاولنا العرض الخاص ولم نستطع والعجيب أن معظم طلاب الكلية وكليات أخرى قدشاهدوها إذ قمنا بالبروفة الgeneral أكثر من خمس مرات أمام جمهور كبير
هذه التجربة تركت عندى أثرا كبيرا وحتى بعد أن نجحنا فى عرض مسرحية أخرى فى العام التالى وهى ( الهاملتيون ) إلا أن تجربة المسرحية المحجوبة. كانت تجربة تحتاج إلى تفاعل درامى معها
لذا كان لها نصيب ليس قليلا فى دفعى لكتابة سيناريو فيلم ( مذكرات طالب جامعة ) الذى أيضا لم يتم تنفيذه رغم جاهزيتنا النفسية والفنية والطاقمية الكاملة والسبب. آه من السبب
السبب هو أن عددا من المدرسين المساعدين ( الحاصلين على الماچستير فقط ) ومعهم مدرس كان قد حصل على الدكتوراة منذ سنتين فقط فى قسم الإذاعة احتجوا لدى عميدة الكلية وقتها الدكتورة ( چيهان رشتى ) وقالوا لها ما نقلته لى كاملا عند طلبها لقائي. قالوا :
-طالب مثير للمتاعب وسبق أن كانت له مسرحية ممنوعة لدواعى أمنية
-وكذلك هو الآن خريج منذ شهور ولم يتم تعيينه معيدا فكيف تسمحين له بإن يقود هذه المجموعة من الطلاب والطالبات للقيام بهذا المشروع
- كما أنه مغرور ولم يحاول أن يدخلنا فى الأمر على أى مستوى ونحن الذين ندرس فى القسم
قلت لها : أولا / أنا صحيح خريج فى الكلية منذ أشهر لكننى طالب فى تمهيدى ماچستير فلم أبتعد عن كليتى
ثانيا / من الطبيعى ان نلجأ إلى الأساتذة سواء كانوا مدرسين أو مدرسين مساعدين ولكن هذا كنا ندخره لمرحلة لاحقة بعد أن نثبت قدرتنا على التجهيز الواجب ومع ذلك لو أنهم يريدون الإشراف من الآن فإن هذا يسعدنا شرط أن يتم بشكل حميمي وليس رقابيا أمنيا
ثالثا / هذا كان حلما لى ولرفاقى من الزملاء الأعزاء طالما تمنيناه ونريده أن يكون تجربة طليعية غير مسبوقة لهذا القسم ويتم إنجازه بهذه الآليات والتقنيات البسيطة والجميل أن الموضوع برمته يتحدث عن الجامعة
استمعت لى جيدا ثم فاجأتنى بقرار غريب. قالت نصا :
من الممكن أن تشترك فى الأمر لكن على ألا يتم وضع اسمك على التترات
قلت : لماذا ؟
قالت : هو هكذا
وخرجت من عندها حزينا جدا وإن كنت لم أحسم أمرى بل ظللت أفكر فى الأمر لذا استمرت بعض بروڤاتنا ولكننى كنت حينها مضطرا إلى أن أستجيب لنداء التجنيد العسكرى لذا قررنا أن يقوم رفيقى وصديقى العزيز أسامة طه بالمهمة مكانى حتى أعرف موضعى من الأمر كله ، وأسامة كان رفيقى فى كل ثنايا الرحلة حتى أننا كنا تقريبا نجتمع يوميا فى ( ومبى هدى شعراوى ) وكان ينسخ معى كتابة نسخة السكريبت فى صورته الأخيرة وكنا نعود أدراجنا يوميا على كورنيش النيل فى جاردن سيتى ونغنى أجمل ما نحب من أغانى وإحساسنا بنشوة ما نصنع لا نظير له
آه. آه آه. يا لها من ذكريات
فرغم أننى صاحب الفكرة و القصة والسيناريو والحوار إلا أننى وجدت نفسي كمن يبحث عن علاقة له بالأمر
مع مرور الوقت و مع حلق شعرى لدخولى التجنيد ربما أكون قد حلقت الفكرة والحلم أيضا من رأسي وتركت كل شئ
فقط كنت أذهب لمحاضراتى فى تمهيدى ماچستير والحمد لله نجحت فيه هذه السنة ولكننى رسبت رسوبا قاطعا فى تحقيق حلمى