علي أبو هميلة يكتب إلى عاصم بكري والله كبرنا يا عبدالرحمن


بلغ الصديق الإعلامي الكبير عاصم بكري الشهير بلقب المذيع الأكثر ثقافة بين أبناء ماسبيرو طوال الأربعين عاما الماضية سن المعاش، إذن فقد دخل جيلنا سنوات التقاعد، لا أدري هل يمكن أن نطلق هذا على الإعلاميين خاصة إذا كانوا من أصحاب المواهب القلائل مثل عاصم بكري؟ عموما منذ أيام بلغ عاصم فتى كلية الإعلام الأول في بداية الثمانينات الستين، وقدم آخر حلقة تليفزيونية له على شاشة القناة الفضائية منذ أيام، كتب عاصم على صفحته مودعا زملائه غي ماسبيرو على مشواره معهم، وعلقت على هذا : يا أه يا عبد الرحمن !! والله كبرنا ياواد، كل عام وأنت طيب يا عاصم، يا زمن الأحلام الجميلة. 

هكذا غادر عاصم الذي كنا نراه في أروقة كلية الإعلام في أعوامنا الأولى فيها ولا نجرؤ على الأقتراب منه، وكنا نراه أملا كبير ليس في العمل التليفزيوني بل عالم السينما، نراه كأنه يوسف شاهين أو صلاح أبو سيف في المستقبل، غادر كما غادر النجوم الذين كانوا لنا مثل أعلى عندما دخلنا ماسبيرو ونحن في سنوات الدراسة.

 غادر كما غادر عصام سعيد القائد والثائر دوما، عصام المفكر خريج كلية السياسة والاقتصاد وصديقي النبيل قائد أهل ماسبيرو في النضال من أجل حقوقهم، وقائد ثوار ماسبيرو في انتفاضتهم ضد كافة أشكال البيع قبل يناير وبعدها، عصام أخي الأكبر ورفيقي في مظاهرات ماسبيرو قبل يناير، وفي كل أيام يناير لم نفترق منذ عصر الخامس والعشرين من يناير حتى 20 مارس 2019 اليوم السابق لرحيلي عن الوطن، عصام هو الصديق الذي نمارس الآن جلساتنا على المقهى في شوارع وسط البلد بالحوار كل أيام عبر الهاتف المحمول، غادر عصام الذي حظى بمحبة كل أبناء ماسبيرو بكافة أطيافهم منذ عامين. 

غادر خالد العشري الفنان الناضج والمخرج المتميز صاحب البصمة الجميلة الواعية المثقفة في برامجه السينمائية على شاشة القناة الثالثة، لا زلت لا استسيغ اسم قناة القاهرة، والقناة الثالثة كانت قناة أحلامنا، وقناة أيامنا المؤلمة أيضا، وخالد العشري خريج معهد السينما وكان من الممكن أن يكون أيضا مخرجا سينمائيا متميزا ولكنه أختار العمل التليفزيون.

 وقد عملت معه عام 1992 مساعدا للإخراج في برنامج تليفزيوني في بداية تأسيس مكتب M B C بالقاهرة وكنت قد انهيت الخدمة العسكرية قبلها بشهور، وتوطدت علاقتي معه واصبحنا أصدقاء في القناة الثالثة حتى وصوله لسن الستين قبل مغادرتي مصر بشهور قليلة، الواقع أن ماسبيرو صار كتلة من العتمة بعد عام 2014، وصار التجول فيه أشبه بالتجول بين أروقة قصر قديم مجهور تسكنة خيوط العنكبوت والحشرات والثعابين، ولأ ادري كيف تحملنا بعدها؟! لكننا كنا نتخذه مقرا للقاء ثم ننطلق خارجه إلى شوارع وسط البلد نتدفأ بعمارتها، وسكانها وذكرياتنا القديمة، لايزال عصام سعيد ينزل من منزله في شبرا ليتجول فيها بدوني، أو ليلتقي عاصم بكري ومحي سعد، وخالد العشري ومدحت عاصم أصدقائنا في رحلة القناة الثالثة. 

غادر أيضا حسن عبد العزيز المونتير المثقف والفنان، حسن الذي كنت أراه يتحدث أمام فيديو 4 في الدور الثاني فكنت أرقبه وأخشى الاقتراب منه فقد كنت أشعر أن هذا الفنان المثقف الفيلسوف لا يتحدث مع أمثالي من أصحاب الثقاقة البسيطة، كنت استمع إليه من بعيد وأظن أنه لا يتعامل مع البشر العاديين مثلي، الحقيقة كنت بخاف منه هو وعاصم بكري حتى تعارفنا فصرنا لا نفترق، كان حسن هو الأسبق في الخروج للتقاعد، وطبعا سبقتهم جميعا بقرار المحكمة بفصلي من ماسبيرو، ومعه حسن.

 أيضا من المصورين الذين لا زلت أراهم مبدعين وكان التعامل معهم بالنسبة لي حدثا كبيرا المصور الفنان حسن سعد، وعبد السميع نصار، وكانوا نفس جيل عاصم بكري ومصوريه الأوائل وكانوا مصوري برنامجه الذي كان حلم العمل فيه كمساعد حلما كبيرا برنامج البداية من إخراج عاصم بكري قبل أن يتحول لمقدم ومذيع تلبية لرغبة والده الاستاذ الجامعي. 

حكي لي عاصم هذه القصة، فقد كان والده يريد أن يراه على الشاشة مذيعا، خاصة أن مشاكل عاصم بكري كمخرج كانت لا  تنتهي لاصراره على العمل المتميز وفي بيئة لا تساعد على ذلك، لبى عاصم رغبة والده وأراح نفسه من آلام العمل كمخرج وكان المذيع الألمع في ماسبيرو، وأمنية أي مخرج العمل معه.

 وكان لي شرف التعامل معه في أول حلقة تليفزيونية لي كمخرج في القناة الثالثة وكان المصور حسن سعد الله لا أنسى ذلك اليوم ثلاثين عاما حينما طلبت حسن سعد الله كمصور معي، حين دخلت إلى مخزن الكاميرات واعطيته سيناريو الحلقة فتعجب قائلا : يا أه أنا ما شفتش كده من زمان، من أيام عاصم بكري،  شعرت بسعادة كبيرة وهو يقول هذا وابتسمت قائلا : هو في مخرج من غير سيناريو ( ههههههه الآن هذا هو التعبير الأكثر تعبيرا تعليقا على جملتي) أخبرت حسن يومها أنني سعيد لأن الأستاذ سيكون أيضا حضوره معنا في الحلقة كمذيع، فكانت أول حلقة تليفزيونية لي في القناة الثالثة بتوقيع عاصم بكري.

 أظن أن هذه الحلقة موجودة على شريط فيديو كاسيت عندي في المنزل أو استعارها أحد الأصدقاء مني، لا اتذكر، إذن خلا ماسبيرو من البشر في سنواته الأخيرة كما خلا من الروح خلال السنوات التسع الأخيرة، والله كبرنا يا عبد الرحمن قصدي ياعاصم، يا خالد، يا عصام، يا حسن عبد العزيز وسعد. 

فلاش باك كلية السياسة 1985 

دخلت كلية الأعلام لاول مرة يوم ميلادي التاسع عشر 5 أكتوبر 1985 تاركا ورائي فشلي في كلية الهندسة التي لم أكن أرغب في الألتحاق بها مطلقا، كما لم أرغب في الألتحاق بكلية الشرطة التي مزقت دوسية التقديم بها بعد شراءه بساعة واحدة في ميدان العباسية صيف 1984 بعد ظهور نتيجة الثانوية  العامة، ولا الكلية الحربية التي لم أعد إليها بعد الأختبار الشكلي الأول المتعلق بالطول والوزن والكشف المرضي على ما أتذكر.

 فقد كانت رغبة العائلة عالية كاسحة في الالتحاق بإحدى هاتين الكليتين لي ورفيق مراحل التعليم الأولي ابن خالي سعيد الذي رفقني من الإبتدائية حتى الثانوية العامة، وكان دربا من الجنون في العائلة أن أتحدث عن معهد السينما، أو كلية الإعلام، خاصة في أمكانية دخولي كلية الهندسة أو إحدى كليات النفوذ والسلطة، إذن فقد حدث وتركت الهندسة بعد عامي الدراسي الفاشل الأول وذهبت إلى كلية الإعلام. 

دخلت الكلية حاملا معي حلمين يدخلان في عالم الكوميديا، أولهما حلم الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، وثانيهما المخرج الفريد يوسف شاهين - لك حق كامل أن تقهقه بس مش كامل الوزير- وفي أول يوم في الجامعة كانت مظاهرات التضامن حادث لوكربي، فأمضيت عدة ساعات أمام الجامعة، قبل أن نواجه الأمن المركزي لأهرب إلى الكلية مع حسام العاوي الذي تعارفت عليه مشتركا في حمل لافتة ثورية، ثم على باب المدرج الوحيد في كلية الإعلام المخصص لنا بالدور الرابع بمبنى كلية السياسة والاقتصاد، ومنذ ذلك اليوم لم تفترق مشاعرنا ولا أقدارنا حتى وأن باعدت بينا سنوات الغربة والتغريبة القسرية على مصر والمصريين. 

قضيت أيامي الأولى في كلية الإعلام منفتحا على كل شيء أعوض عام هندسة الضائع أذكر أنني وحسام وأحمد شفيق ( صديق في أشهر الكلية الأولي تركنا بعد قبوله بالفنية العسكرية، استمرت صداقتنا حتى تخرجنا، باعدت بيننا الأيام لنعاود التواصل بعد قرار فصلي من ماسبيرو في موقف نبيل لا أنساه لصديق غاب ثلاثين عام ليظهر لي في وقت المحنة، وكانت لنا مغامرة كبيرة بعد التحاق أحمد بالفنية العسكرية ربما تأتي الأيام على ذكرها) أذكر في اليوم الأول أننا مررنا على كل الطلبة الجدد دفعتنا أقصد، وكان هذا غريبا على طالب كان يهرب من السلام على زميلات كلية الهندسة باليد -ضحكة أيضا لك حق فيها- 

مضت أيامنا الأولى في الكلية نبحث عن فريق كرة القدم لنشارك فيه وكنت وحسام نلعب في نفس المركز حراس مرمى وكان فريق الكلية يضم نجوم يسرى فوده، نعم هو يسرى فوده نجم الإعلام المصري والعربي وكان راس حربة الفريق، على أحمد على أي نعم المذيع الرياضي الشهير، أحمد جمال نجم فريق نادي الزمالك لعدة سنوات قبل أن يترك كرة القدم.

 لا أتذكر إن كان الشاعر والإذاعي الكبير السيد حسن كان معهم أم لا، وكان هناك أيضا من طلبة سنة تانية إعلام أي دفعتي الأصلية طالبان مبهران لا أعرف أين هما الأن الثنائي هشام نبيل ونجيب، كان لدى الفريق مقومات جسمانية وفنية رائعة مثل يسرى فوده، وكان لحسام العاوي نفس المقومات أما أنا فكنت ضمن الفريق الأقل جسما، أذكر انني اقنعت العاوي بصعوبة في غرفة الملابس أن يكون هو حارس المرمي لأول مباراه مع فريق الكلية، فهم جميعا ماعدا أحمد جمال وأنا فريق الطوال - يا طويل- 

من فريق كرة القدم لفريق الشعر والشعراء وكان المشترك في كل الفرق التي مررنا عليها يسري فوده الدفعة التي تخرجت أول عام لنا بالكلية، وكان معه من نجوم فريق الشعر الإذاعي الكبير سيد حسن، ومحمد الغيطي، ومن دفعتي الإذاعية الكبيرة نادية النشار شاعرة كنا نراها أملا كبيرا في الشعر لكن يبدو خطفتها منا الإذاعة.

 أيضا من الشعراء في فريق الشعر الشاعر والصحفي على عطا احتفل. به منذ أيام صديقي الشاعر والمسرحي والروائي نخلة الإبداع المصري الواعد أحمد سراج بعيد ميلاد علي عطا الستين، والله كبرنا يا عبد الرحمن، أيضا الصديق الشاعر والروائي والصحفي المبدع محمد رفعت من أبناء دفعتي. الأصلية 1988. وكان العام الأول لأمير الشعراء العرب وصاحب التفرد الكبير في دفعتنا الجامعية ابن كلية دار العلوم مولانا أحمد بخيت وتعرفنا عليه مع بداية دراستنا الجامعية أحمد بخيت فتانا الأسمر وشاعر الجيل الأبرز.

كانت الساحات من كلية الإعلام ودار علوم هي قاعات محاضراتنا اليومية في عامنا الجامعي الأول، أيضا ندوات الشعر وعالم الأدباء، من إعلام القاهرة نادية النشار، الإعلامية والكاتبة وأمين الإعلام بالحزب المصري الديمقراطي مني فوزي شماخ، الزميلة دينا السيد المستكاوي ليست لدي أخبار عنها الآن وكانت إعلامية وإذاعية يتوقع الجميع لها مستقبل كبير، والإذاعية هدى عبد العزيز في الإذاعة المصرية، وحسام العاوي كبير المعدين بالقناة الثالثة، ومحمد عبد النبي الصحفي بجريدة الوفد، ومن كلية دار العلوم بخيت وحمدي عبد الرازق وحسين زيان، نتنقل جميعا بين ندوات الشعر وساحات الجامعة نتلمس الطريق نحو المستقبل ونحلم أن نعيد بناء الأوطان.

لا زلنا في العام الأول للجامعة لا نهدأ أبدا من الرياضة إلى الشعر ومن الشعر إلى السياسة التي كان يقودها في الكلية إبراهيم عيسى، عبدالله كمال، محمد الغيطي، ألاخ الأكبر وصديقي الجميل وزميلي بالقناة الثالثة ابن الأسكندرية الجدع أيمن عياد ( وش الخير) هو عارف ليه !!، ومعهم أنور الهوراي رئيس إتحاد الطلبة في هذا العام بكلية الإعلام حيث حاز الأخوان على الاغلبية في هذا العام بالكلية!!

 كان طريقي وحسام العاوي معروفا الناصريين واليسار المجموعة الأولي وترشحت هذا العام في الاتحاد وكانت التجربة مريرة فلم اعاودها، أن كنت قد حصلت فيها على أجمل وأروع أصدقائي محمود عبد الغفار الصحفي الذي لا استطيع أن اصفه أنسانيا وأخلاقيا، مدير الديسك المركزي بموقع الجزيرة نت، وعديد من الزملاء في مجموعة الاتحاد الممثلة للسنة الأولي بالكلية الدكاترة خالد صلاح، أميرة النمر، عبير حمدي، وكانت معنا أيضا دينا المستكاوي.

 أما مجموعة السياسيين الناصريين فكان معي الصحفي الراحل ابن المنيا الناصري القح أحمد محجوب، والإعلامي أحمد حسين كامل كبير المعدين بتليفزيون المنيا، والصحفي الصديق بجريدة الشعب مجاهد مليجي الإخواني القح أيضا وكانت مهمتنا اللذيذة هي فض الخلافات بين الناصري القح والإخواني القح.

 وكانت الندوات الثقافية والسياسية بقيادة عيسى وإبراهيم منصور الأجمل والأنبل في دفعة إعلام 1987، وعرفنا طريقنا إلى اللجنة العربية لتخليد جمال عبد الناصر في ميدان عابدين، وزرنا مكتب الإرشاد والتقينا محمد حامد أبو النصر عن طريق حسين زيان وحمدي عبد الرازق من دار العلوم، واستقر بنا المقام مع قيادات جمعية الدراسات العربية في كلية الحقوق وكنا مجموعة إعلام فيها أميرة النمر، إيناس الحنفي، أحمد محجوب، أحمد حسين، حسام العاوي، مؤمن صفوت صديق الصوفي كبير المعدين في تليفزيون المنيا.

 الحقيقة لم أر في حياتي نموذج إنساني مثل مؤمن سوى حسام العاوي، ومحمود عبد الغفار، وكانت جمعية الدراسات تضم نجوم العمل السياسي الجامعي في منتصف الثمانيتات الأول مصطفي يس، ياسر عبد الجواد، ياسر حسن أبن بورسعيد، المهندس سامح صبحي، أحمد رجب، محمود عبد الحميد، محمد الغمري، ندا القصاص، وناصرأمين، و حافظ أبو سعده.

 لعل معظم هذه الأسماء قد مرت على ذاكرة المهتمين بالسياسة والعمل الحقوقي خلال السنوات الأربعين الماضية، تسريت الذكريات في عقلي وهي الذكريات التي انسابت وأنا كنت قد نويت أكتب عن عاصم بكري الإعلامي الذي رأيته لأول مرة في طرقة كلية الإعلام بالدور الرابع بكلية الإعلام وكنت أطلق عليه لقب الراجل الغامض بسلامته، أما لماذا اللقب، وأين التقينا، سيكون التالي أن شاء الله وكيف كان اللقاء مع فريق المسرح بكلية الإعلام. أما الملاحظة التاريخية عن مجموعة السياسة في الجامعة أو الكلية فقد رأيناها جمعيا في المواقف لجميع الأسماء السابق ذكرها، خاصة بعدما حدث في مصر في السنوات العشر الأخيرة فقد انضجت الذهب، وأفرزت الزبد، والصفيح.وليس للإنسان إلا ما سعى. 



تعليقات