فيلم "مذكرات طالب جامعة"
حشدت كلية الإعلام التي تتخذ من الدور الرابع في مبني كلية الاقتصاد و العلوم السياسة مقرا لها كل أمكانيات طلابها في سنوات الدراسة في منتصف الثمانينات لإنتاج أول فيلم سينمائي لها.
وكان الفيلم قصة وسيناريو وحوار الفتي الذي تخرج فيها منذ عام، والذي كان يبشر بمستقبل مبهر لأحد طلابها عاصم بكري، وكان ذلك في عام التحاقي بكلية الإعلام 1985.
الحقيقة أن كلية الإعلام كانت ذاخرة في السنوات العشر من بداية تلك العشرية بطلبة أصبحوا نجوم الإعلام المصري في نهاية القرن الماضي واستمروا نجوما حتي الآن، والذاكرة تحفظ الكثير من الأسماء في عالم الصحافة والتليفزيون والأنتاج الدرامي، فقد شكل خريجي الكلية في تلك السنوات عالم جديد من الإعلاميين صحفيا وإذاعيا وتليفزيونيا.
الرجل المثير للجميع
ولأن نية الكتابة في هذا المقال كان محاولة لرصد وصول جيل الإعلامي عاصم بكري لسن التقاعد الإعلامي ! فسوف نؤجل الكتابة عن الصحافة والصحفيين من خريجي جيلي من الكلية، والدين ذكرت بعض أسمائهم في المقال الأول وأعود إلى أول فيلم كان مقررا للكلية أن تنتجه في ذلك العام.
كان عادة لدي معظم طلبة الكلية وخاصة هؤلاء الذين يهتمون بالأنشطة الجامعية ما بين المحاضرات وبعدها الجلوس على السلالم الثلاثة في مدخل المدرج الوحيد بالكلية، والذي كانت تتم فيه المحاضرات العامة، أما المحاضرة الصغيرة فقد كانت تتم في مدرجات أقل حجما واتساعا.
بينما نجلس هكذا صعد على سلالم الدور الرابع شاب ممشوق القوام يرتدي حذاء أسود لامع بدا وكأنه خارج للتو من تحت يد ماسح الأحذية، بنطال أسود خرج أيضا مع القميص الأبيض من تحت يد المكواجي ، يمسك بجاكت أسود بإصبعيه ويرميه على كتفه، فبدا للوله الأولي كنجم سينمائي يمزج بين وضع جاكت عبد الحليم حافظ على كتفه، وفي أناقة وطول عمر الشريف، وبدأنا جميعا نتساءل عنه : من هذا؟ وكان الشاب صامتا لا يتحدث كثيرا، يقف وحيدا ينظر للجميع وعلى لسانه " يا أرض أتهدي " الغريب أنه كان يقف كثيرا حتى يلتقي شابا أخر آخر أكثر غموضا منه، وكان هذا الشاب أيضا موضع تساءل لنا جميعا، يبدو أن الثنائي لا يتحدثان كثيرا، يعتزان بانفسهما كثيرا، من يكونا هذان الشابين.
كان فريق المسرح هو بداية تعارفنا مع هذان اللذين لا يتحدثان كثيرا، ظهر إعلان اختبارات فريق المسرح للطلاب الجدد، وكان لي بعذ التجارب المسرحية المحدودة في مركز شباب قريتي، تجارب تتسم بروح الهواية ويديرها فريق عمل بسيط الأمكانات والقدرات.
كنت واحدا من هؤلاء الذين يظنون أن قراءات محدودة وتجارب ضعيفة كفيلة بغزو العاصمة التي كان الفن والتمثيل فيها يحتاج مجهود أكبـر، كان طلبة الأقاليم الذين تقدموا للاختبار أثنان العبد لله الذي كان يشارك في كل الأنشطة والصديق النبيل وزميلي في القناة الثالثة في الأسبوع الثاني لدخولي ماسبيرو الإذاعي والأعلامي الذي دخل معي القناة الثالثة وأنتقل بعدها لقطاع الأخبار بعد سنوات وهو الأن رئيس قناة الجزيرة مباشر أيمن جاب الله.
قد شاركت مع أيمن اختبار فريق الثمثيل، وكان إيمن أكثر تحضيرا وقراءة مني في المسرح كتابة وأيضا كتب الأعداد المسرحي والإخراج والمدراس المسرحية، وكان معنا أيضا من طلاب السنة الإولى خالد عيسوي الذي كان أنضجنا فنيا، ذكرني أحمد شفيق صديقي النبيل الآن أنه كان معنا في المقابلة، قبل أن ينتقل إلى الفنية العسكرية ويصبح جنرال، وقد كان وبقى نموذجا فريدا للمصري الوطني، أحمد سيكون حاضرا دائما في الأحلام الكبرى للوطن.
خالد درس في معهد الفنون المسرحية بعد التخرج وهو ممثل له الكثير من الأعمال التليفزيونية والمسرحية، وممثل في مسرح الدولة الآن، وكنت أتوقع أن خالد الذي قدم أمام لجنة الأختبار والتي كانت تضم أسماء صارت نجوما في عالم الدراما والإعلام بعد ذلك مشهدين من مسرحية ليلي والمجنون لصلاح عبد الصبور رائعين، وكنا نراه نجما مسرحيا قادما.
معنا أيضا زميلة وزميل أخرين، وقدمت مشهدا مسرحيا ضعيفا بالعامية المصرية، ولكن يبدو أن صدق نيتي وحبي للعمل مع الفريق كانت بوابة دخولي إلى فريق المسرح الذي كان يضم الدكتور أيمن الشيوى الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية الآن والذي قام بدور نابيلون في مسلسل سره الباتع رمضان الماضي، الإعلامي الكبير بالقناة الثقافية طارق عبد الفتاح وقد قدم طارق الكثير من التجارب الدرامية في السينما والتليفزيون، المخرج الدرامي المتميز أحمد عبد الحميد وهو شقيق الفنان الكبير توفيق عبد الحميد، والمخرجة الدرامية أيمان الحداد، والمخرجة السينمائية والتي بدأت مشوارها أيضا في القناة الثالثة هالة جلال.
كان فريق الإدارة يضم أيضا نجوم في الإخراج التليفزيوني والدرامي منهم مجدي البندراي، وأشرف لولي المخرج التليفزيوني الذي كان من المخرجين الذين قدموا برامج تليفزيونية وحفلات ليالي التليفزيون، وأيضا قدم فوازير رمضان، وكبير المخرجين بالقناة الثالثة أيضا الجدع ابن البلد مدحت عاصم، وكان معنا زميلات طلبة لا أدري أين هما الآن.
وبالتاكيد كان هناك هذان الشابان الغامضان جدا في ذلك الوقت، وأخيرا عرفت أسم عاصم بكري خريج الكلية الذي يدرس تمهيدي وصاحب التجربة التي سوف أشارك في تحضيرات لها كممثل الفيلم السينمائي الأول التي تنوي الكلية إنتاجه، أما الثاني فكان الإعلامي الكبير أسامة طه صديق عاصم الوحيد غالبا في الكلية والمخرج الذي بدأ حياته أيضا بالقناة الثالثة، ثم أصبح مذيعا أيضا بها كما أصبح عاصم بكري مذيعا، وله تجارب في التمثيل أهمها تجربة الثلاثية عن ثلاثية نجيب محفوظ عند تحول العمل إلى مسلسل مع المخرج إبراهيم الصحن وبطولة محمود مرسي وقام أسامة بدور كمال عبد الجواد، وكان أسامة مرشح للقيام ببطولة فيلم عاصم، مع زميلة بالفرقة الثانية بالكلية أسمها راندة المصري، إذن فقد صارمعروفا على الاقل للجدد في فريق التمثيل من هو عاصم بكري صاحب الجاكت والنظارة السوداء،.
17 قصر النيل
مره أخري يعلن عن استقبال فريق العمل للفيلم من يريد المشاركة التوجة إلى شارع قصر النيل الدور السادس فوق لاباس هيئة خريجي الصحافة للقاء مخرج العمل وصاحب القصة والسيناريو والحوار عاصم بكري وفريق الإخراج للاختبار من أجل التمثيل وبالطبع ذهبنا خالد عيسوي، أيمن جاب الله، أيتن فؤاد، معتز الشبراوي من الفرقة الأولي وأخرين.
كان هناك حشدا كبيرا من طلبة وخريجي الكلية الذين صاروا نحوم الإعلام على مدار السنوات الثلاثين الماضية، ذكرت أغلبهم، وبدانا التواجد في الهيئة لمدة أسابيع كان عاصم ومجموعة إدارة الفيلم يجاهدون لخروج الفيلم إلى النور، وكنا نقوم بعمل بروفات ترابيزة في البداية، ثم يبدأ المخرج في توزيع أدوار علينا ويكلف زميل من فريقه الذي يضم طلبة أصحاب مستقبل باهر بتدريب الجدد على الأدوار خاصة أمثالي من ضعاف الموهبة في التمثيل.
وأختار لي عاصم التجارب على دور موظف الرقابة على المصنفات الفنية الذي يعقد كل الأشياء ويتعامل مع الفن بمنطق موظف الأرشيف، يضع النظارة السميكة على عينيه، ويغرق بين دوسيهات الأعمال ويتعامل مع كل فنان على أنه دوسيه، واتذكر مقولة أحمد عبد الحميد وهو يذكرني بتوفيق الدقن في أحد الأفلام وهو يقول" هي المسالة سهلة كده .. ده وارد ثم صادر ثم وارد فصادر، وهكذا دواليك دواليك"
ارتبطنا طوال شهر أول أقل وكان عاصم قد التحق بالقناة الثالثة كمخرج فيها يقدم واحدا من أبرز برامجها فنيا هو برنامج البداية برنامج درامي يحاول أن يقدم فيه مساحة عمل درامي أو سينمائي، وكنا نذهب في نهاية اليوم إلى الهيئة لنشارك في البروفات، ولكن يبدو أن الأمور لم تسير بشكل جيد.
وضعت عراقيل أمام خروج العمل، وكان الزملاء من خريج الكلية وطلابها في الفرقة الرابعة ومع بداية القناة الثالثة والأنتاج الواسع لقطاع الإنتاج في البحث عن فرص عمل ففتر الحماس لخروج الفيلم، وابتعد عاصم منهمكا في عمله التليفزيوني، وانتهت تجربة الفيلم السينمائي الذي كنا نراه ميلاد لكثير من نجوم الكلية وعلي رأسهم عاصم بكري وأسامة طه، أيمن الشيوي، ونجوم الإخراج الدرامي أيضا أحمد عبدالحميد، مجدي البنداري، أشرف لولي، وغيرهم.
عدنا إلى الكلية بعد فقدان الأمل في الفيلم ليستعد فريق الكلية للمشاركة في مسابقة فرق الجامعة المسرحية ولننافس فرق كلية الحقوق بنجومها الكبار خالد صالح، خالد الصاوي، خالد طلعت الذي كان من قيادات العمل السياسي أيضا، وماهر عبيد صوت الجامعة الأول في هذه الفترة، والذي كان يلهب حماسنا في حفلاته وهو يغني حدوتة مصرية، أو أغاني فلسطين، ومعه الصديق العزيز حسن يوسف الذي كان يؤدي أغاني المقاومة، وأعتقد أيضا أن محمد هنيدي كان مع هذا الفريق القوي جدا جدا، أيضا فريق كلية تجارة بقيادة نادر صلاح، وأحمد عبدالله، ونجوم فريق تجارة للتمثيل الذي كان يقوده الفنان محمد شومان، وكان نجما من نجوم الجامعة وحاصل على جوائز الأفضل تمثيلا، أما أحمد عبدالله صاحب سلسلة اللمبي، وساعة ونصف، وكبارية، وغيرها من الأعمال المسرحية والسينمائية كان نجما للتأليف، وكان نادر صلاح مخرج كلية التجارة.
اخترنا في مواجهة هؤلاء مسرحية فوت علينا بكرة للكاتب المسرحي الكبير محمد سلماوي، وشارك في فريق التمثيل خالد العيسوي بطلا، وطارق عبد الفتاح، أحمد إمام، عنتر السيد من الفرقة الثانية، وأيمن جاب، ومعتز الشبراوي، وأيتن فؤاد، وعلى حسنين هذااسمي الأول حتى طلب والدي تغييره بعد بداية عملي في التليفزيون ليصبح اسمي الحالي.
أما البطولة النسائية كانت لأحدى طالبات الفرقة الأولي أتذكر اسمها الأول فقط هالة، وكانت تلك التجربة الأخيرة لعدة لسنوات في كلية الإعلام حتى التحق بالكلية طالب قادما من كلية الطب البيطري وصديق عزيز تصادقنا رغم أن ذلك كان في عام 1995، وقد هاجر منذ سنوات بعيدة إلى فرنسا، وعمل عدة تجارب مسرحية هناك، وتوارت أخبار منذ سنوات بعيدة أسمه منعم حسين، أو عبد المنعم محمود حسين، وكان منعم كتلة من الثقافة المتحركة في كل العلوم الاجتماعية، ليتني أعرف له طريق، وشاركه التجربة أيضا زميل وصديق غالى القيمة والأسم هو أيمن غالي فنان تشكيلي ومخرج مسرحي وناقد مسرحي، وأيضا تعلمت منهما الكثير، وقد شاركا في الدفعة التي كان فيها مصطفى شعبان، ومني زكي، وآخرين في ذلك العام,
أما فريقنا فقد قدم عرض فوت علينا بكره في مارس 1986، اتذكر انني قمت بدورموظف من أربعة موظفين في المؤسسة الحكومية، يبدو انه مكتوب عليا الدور ده، ولا أتذكر أننا قدمنا عمل في العام التالي أم لا، ما أتذكره ربما في العام الثالث حاولنا أن نقدم نص صلاح عبد الصبور ليلي والمجنون، وقمنا بأداء عديد من البروفات.
وكنا في الفرقة الثالثة وكان نجوم الفريق خالد عيسوي، وأيمن جاب الله، لكنني أتذكر انني رغم مشاركتي غي هذه البروفات لكني تأكدت أن التمثيل ليس من أمكانياتي، رغم أن منعم حسين حاول أيضا أن يشركني في عمله المسرحي الذي كتبه وكان يتمنى إخراجه في مصر" نسيب الأسم للأخر" ولكن منعم اختار لي هذه المره دور الدويش أو الشواف، أو أمير الرؤية الذي يرى أفق الأشياء -حاجة كده شمس التبريزي - وأيضا شاركت بالصدفة في فيلم كندي عن اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، وهو الفيلم الذي كنت المخرج المصري فيه عام 1995، وتم تصويره في مصر والصدفة لعبت دور أن اقدم فيه دورا صغيرا هو مساعد هاورد كارتر مكتشف المقبرة، وكانت بروفات ليلي والمجنون التي كان يشرف عليها الفنان الكبير عثمان محمد علي ويتألق فيها خالد العيسوي وأيمن جاب هي نهاية علاقتي، وأيمن بالتمثيل.
فقد التحقنا في هذا العام كطلبة متدربين بالقناة الثالثة في ماسبيرو وهي القناة التي كانت صاعدة بقوة الصاروخ في تلك السنوات، وقد التحقت بها في 21 يوليو 1988، ذهبت إلى ماسبيرو الساعة الثانية ظهرا، في هذا اليوم ظهر اسمي لاول مره على الشاشة مساعد مخرج في برنامج ربيوتارج مع علي عبد الرحمن المخرج الأكثر إنتاجا في القناة الثالثة طوال سنوات حتى تعينه رئيسا للقناة السابعة في عام 2009، ثم أصبح رئيسا لقطاع القنوات المتخصصة بعد ثورة يناير.
التحق أيمن جاب الله بعدي باسبوعين ليعمل مساعدا لعصام الأمير الذي صار بعد ذلك رئيسا للقناة الثامنة، الخامسة،الثالثة، قطاع التليفزيون، ثم رئيسا لأتحاد الإذاعة والتليفزيون، فالهيئة الوطنية للإعلام بعد صدور قوانين الهيئات الإعلامية، وبالمناسبة علي عبد الرحمن، وعصام الأمير خريج الدفعة الذهبية بكلية الإعلام التي كانت الدفعة الأكثر حظا وصعدت مع صعود القناة الثالثة 1985.
أما كوني لم اتطرق إليهما لان مشواري معهم طويل بامتداد سنوات عمري في التليفزيون حتي قرار فصلي فقد كان من سوء حظي وحظ عصام الأمير أن صاحب قرار تحويلي للمحكمة عصام الأمير صاحب مشوار 30 سنة في ماسبيرو، قد تسامحت مع عصام وأدرك أنه ربما وضع في موقف صعب ليعتمد هذا القرار.
ما علينا لم اتعرف على عبد الرحمن والأمير في الجامعة لكن أول يوم في ماسبيرو كان هناك أربعة أسماء ترددت عاصم بكري وأسامة طه اللذان كانا يتسببا في رفض تدريبي، وعلي عبد الرحمن، وعصام الأمير اللذان سيستمر ذكرهم طوال عملي في هذا المبني العتيق بيت الخطيئة بحسب مقولة الزميلة الإعلامية هالة فهمي فك الله أسرها وأعادها إلينا سالمة أن شاء الله، أما ماذا حدث ظهيرة الحادي والعشرين من يوليو 1988 فهذا سيكون الكتابة التالية