أعتقد أن القراءة هى قدس الأقداس – إقرأ باسم ربك الذى خلق – والكتابة نعمة يخافها بكل احترام الذين يقدرون الكلمة ويعلمون قيمتها!!
تفضيل القراءة والكتابة عندى, يرجع إلى حالة جوع دائم للفهم والمعرفة.. واسترحت بانصرافى عن "فرقة الردح الإعلامية" التى يتبارى أعضاؤها للفوز بلقب "الشرشوح الأكبر" ونيل جائزة "جاهل عصامى" وقيمتها تتجاوز "جائزة الدولة التقديرية" لأن عائدها, وجاهة ونجومية مع ملايين من الجنيهات والريالات والدولارات!!
أحترم وأقدر الذين ينصحونى بالكف عن الكتابة.. أعلم حجم محبتهم.. لكنى رافض أن يسكننى القهر.. عقلى يرفض رفع "الراية البيضاء" لكى أتمكن من العيش ساذجا.. أستمتع بالبلاهة والبلادة على طريقة "جحا" التى يعرفها كثيرون!! دون أن أنكر "حالة الخوف" التى تأخذنى أحيانا, بقدر ما سيطرت على الأغلبية العظمى من المجتمع.. ربما لأن المشاركة فى هدم "صناعة الخوف" أشرف من الصمت لكى تتكاثر وتكبر "صناعة الإرهاب" كرد فعل طبيعى.. كما أن قراءة التاريخ تحمل دروسا لا يفهمها المشغولون بسكنى قصور من الرمال!! يجب أن أسجل تقديرى لتجربة "محمد على" وما فعله من أجل أن تستعيد مصر مناعتها وقوتها.. لكننى أعلم أن تجربته إنتهت بوفاة "إبراهيم باشا" ثم وفاته هو نفسه بعدها.. كما أحمل التقدير نفسه لتجربة "ثورة 23 يوليو" التى انتهت بوفاة زعيمها وقائدها "جمال عبد الناصر" الذى لا ينكر عليه أعداؤه قبل أنصاره أنه استعاد الوطن من بين أنياب الاستعمار.. وإذا كان أولاد وأحفاد "محمد على" قد بددوا نتائج تجربته.. فإن شركاء "عبد الناصر" نجحوا فى تبديد ثروات يصعب حصرها.. بداية من الاستقلال, ومرورا بتأميم قناة السويس ثم بناء "السد العالى".. وليس انتهاء بانطلاق عجلات التصنيع بسرعة مذهلة, والتى تم هدمها بعد تخريبها بهدوء مريب!!
يأخذ بعضنا على التجربتين أنهما تجاهلتا الديمقراطية وحقوق الإنسان!!
بمقاييس زمن كل من "محمد على" ثم "جمال عبد الناصر" يمكن أن ندرك حجم سذاجة هذا الطرح.. ففى زمن "محمد على" كانت التحديات ثقيلة والإنجازات كبيرة.. كما فى زمن "عبد الناصر" وكل منهما ترك ما يصعب شطبه من التاريخ!! إما إذا غابت الديمقراطية وحقوق الإنسان, دون إنجازات تظهر آثارها على المواطن.. هنا تقع الكارثة.. وأظنها وقعت بعد رحيل "محمد على" كما وقعت بعد رحيل "عبد الناصر".. ودفع الشعب والوطن الثمن فى الحالتين فادحا.. ففى التجربة الأولى عبث الأولاد والأحفاد بمقدرات الوطن, وفى التجربة الثانية إستمتع الشركاء وأذاقوا الشعب مرار الفقر والخوف!!
يذهلنى أن "محمد على" إعتمد على الخوف كمنهج حكم, ويذكر "الجبرتى" أنه كان يردد فى مجالسه وبين المحيطين به أن: "الشعب لا يردعه ما يفعله فيه الولاة من إهانة.. ولابد من شخص يقهرهم ولا يرحمهم"!! لأن "الباشا" كان يعتبر أى انتقاد لما يفعله, يمثل هجوما شخصيا ضده وأنه يمكن أن يدمر الوطن.. وفى كتاب "كل رجال الباشا" يكشف مؤلفه – خالد فهمى – فى دراسة علمية منهجه القائم على الخوف والقهر.. وقد حقق وقائع لا تحتمل تشكيكا.. بينها أنه عندما ذهب "إبراهيم باشا" لحصار "عكا" طال وقت المعركة.. فحدث أن انتشرت الشائعات فى مصر.. ومعلوم بالضرورة أن الشائعات تملأ فراغ غياب المعلومات.. لكن "الباشا" كانت رؤيته مختلفة عندما انزعج مما يتردد بين الناس.. أصدر أمرا بضرب أعناق – شنق – ثلاثة رجال.. وأمر بتعليق أجسادهم على أحد أبواب القاهرة القديمة.. وشملت أوامره أن يتم وضع لافتة على صدر كل منهم مكتوبا عليها: "هذا جزاء كل من لا يمسكون ألسنتهم".. وخلال انتفاضة ضد أحد رجاله.. أصدر أمرا بشنق مواطن وتعليق جثته لعدة أيام أمام الناس!!
كان هذا منهج حكم فى زمن سحيق.. لا يمكن قبوله فى فترة حكم أولاده وأحفاده.. لم يستخدمه غير الاستعمار الانجليزى فى "دنشواى" وبقيت وصمة عار فى جبين الانجليز حتى يومنا هذا.. ويذكرنا التاريخ ضمن ما يذكر من مفاخر حكم "الخديوى إسماعيل" أنه أسس للنظام النيابى.. ويوم جلسة الافتتاح عام 1866 وقف ليقول للشعب كلام جده – محمد على – بأنه حقق لمصر وأهلها "الأمن والاستقرار" وكلنا نعلم أنه أغرقها فى الديون.. ثم كان أن تركها لقمة سائغة يلتهمها الاستعمار الانجليزى بمباركة ابنه – الخديوى توفيق – الذى وافق على "حل الجيش المصرى" لينكسر العمود الفقرى للوطن!!
أما نهضة مصر الثانية التى تحققت بقيام "ثورة 23 يوليو" فقد شهدت سطوع شمس الثقافة والإبداع بقيادة "ثروت عكاشة" كما شهدت اليد الطولى للإعلام بقيادة "عبد القادر حاتم" وكليهما كان عسكريا.. وكان القائد والزعيم "جمال عبد الناصر" واحدا من أبرز وأنجب رجال العسكرية المصرية, ويشهد له التاريخ أنه كان مثقفا رفيع المستوى.. شهدت مصر فى زمنه تألقا وتفوقا فى كل مجالات الفنون والإبداع, وهما لا تشرق شمسهما مع حكم يعتمد "منهج الخوف" مقابل "الأمن والاستقرار" مع إطلاق الذين يحملون درجة "جاهل عصامى" علينا لتذكير الشعب بأن عليه أن يصمت مقابل هذه البضاعة الراكدة!!
نتابع سيرة مصر فى صحف العالم وما يقال عنها.. ونتابع ما فعلته بنا وصفات "صندوق النقد" المسمومة.. فقد "مات الجنيه" بفعل هذه الوصفات.. خسرنا الصناعة وبقيت الزراعة تنتظر ما سيفعله بها "سد النهضة" وغيره من سدود تشيدها دول المنبع.. أصبح إعلامنا عنوان خجلنا وتوارت الثقافة بصورة تفجر الحسرة الصامتة داخل قلوب كل من يقرأون.. ولا ننكر بعضا من الإنجازات التى تحولت إلى مصدر قلق الناس!!
حاولت أن أهرب من الكتابة لكى أقرأ.. أعترف بفشلى لأننى تابعت مسألة هدم المقابر, وبينها مقبرة "مولانا محمد رفعت" التى فجرت دموعى.. يحدث ذلك بعد أن حافظنا على مقبرة "طه حسين" تحت "كوبرى"!!.. وخسرنا مقبرة "يحيى حقى" مع عشرات – أو مئات – المقابر التى تركنا عابثين يفعلون بعظام أمواتنا, ما يفعله عابثين بأحياء مثلنا.. ومطلوب من أمثالى أن نصمت.. مطلوب أن نتابع تعبد أشباه نجوم مصر فى "غار المستشار" بالرياض, لينالوا ما يعطيه لهم أصحاب الثروة.. والمقابل أن نستمتع بالأمن والاستقرار, دون أن نصرخ من "نار الأسعار".. طالما حكايات "كهربا" و"شاكوش" تمنحنا وقتا نستهلكه حتى ننسى!! لذلك أرى أنه إذا كانت مصر قد هانت إلى هذا الحد.. لا مانع عندى من الرغبة فى أن أعود إلى "زمن الباشا" وله أن يضرب عنقى, ويعلق على صدرى لافتة "هذا جزاء من لا يمسك لسانه".. لأننى كائن قارئ وكاتب متكلم.. وهذا يجعلنى أرجوكم "إشنقونى يرحمكم الله"!!
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق