كسر ارادة الطاغية هي بداية النصر فكل طاغية يصنع لنفسه صورة داخل نفسه ويحاول ان يملأ بها عقل و وجدان من يحكمهم.. بقوة السلاح او الخوف و القهر.. فاذا ما انكسرت هذه الصورة انهزم الطاغية داخل ذاته وفي عقول وقلوب الخائفين المهزومين نفسيا و واقعيا..
تنطلق في تلك اللحظة في السماء طاقة نور تملأ الدنيا بلون الضوء الابيض..
تتحول المنازل الكالحة الي مرايا بيضاء تعكس نور الفجر والنهار الجديد..
تبدو الشوارع الضيقة كأنما اتسعت فجأة او قل كانها شوارع جديدة منسقة متسعة نظيفة تتكامل مع بعضها لتشكل جزء من لوحة بيضاء تتعامد شوارعها وتتوازي لتبني طرقا تتسع للعالم.
هذا العالم الذي ينطلق في تلك اللحظة وكأنه ولد الآن والآن فقط هؤلاء هم نفس الناس الذين كان فقط بالأمس القريب مرتعشون خائفون.. ينامون جوعا وقهرا وجهلا.. كيف انطلقوا في هذه الشوارع الجديدة وكأنهم مخلوقات جديدة.. تنطلق قلوبهم بالأحلام والكلام.. وينطلق منها النور ليشع على الوجوه فتعكس نورها علي المنازل البيضاء.. َالشوارع البيضاء.
لحظة تلك الشوارع لم تعد مرصوفة بلون الاسفلت المعتاد.. كيف حدث هذا.. انها ذاتها باللون الابيض او لون النور.. هل عرفت للنور لون؟
سؤال جديد لم يمر على عقلك وقلبك مرة من قبل.. بالفعل ما لون الضوء أو النور، نور الصباح هذا النور الذي اضاء الكون في تلك اللحظة وتناغم مع لون الشارع والرصيف المنازل، ثم كيف اصبحت المنازل كلها بلون نور الصباح؟ هل هذا اللون هو الابيض، لا انها لون النور الإلهي وما لون النور الإلهي إنه لون النور...
نقول قلب يشع منه النور ولكننا لا نعرف لونه.. نرى نور الصباح ولكن لا نعرف لونه..
كيف يخرج النور فجرا إلى الدنيا فنرى به الألوان وليس له لون...
يا الله ما هذه المعجزة.. بهذا الضوء المولود من عمق الظلام ولا ندري لونه تتحدد الوان الحياة جميعا نرى الابيض وهو ليس لون نور الفجر والاخضر والاحمر وكافة الواننا التي نتغنى بها.. فما لون الضوء.. ضوء القمر او ضوء الشمس..
هل لون ضوء القمر ابيض؟ وضوء الشمس اصفر؟ هل لون الفجر ابيض؟ لا اظن.. إنه لون النور.. فما لون النور؟ لا ادري نعم في تلك اللحظة لا ادري.
فلما صارت الحياة كلها بلون النور؟ لما رأيتها في لحظة انكسار الصورة الذهنية للطاغية بهذا اللون..
تلك اللحظة التي ايقن هذا الجبار المستبد ان واحدا من رعاياه قد فعل فعلا عاما كسر هيبته وصورته الذهنية لدى من يهمن عليهم.. اي ما كان هذا الفعل بسيط او كبيس.. صغيرا ام كبيرا.. لكنه خلع من داخله تلك الصورة التي يحكم بها العالم
. تلك اللحظة التي ولد فيها العالم النوراني الجديد بيد ربانية... نعم ولما لا والا من اين تلك الانوار في كل شئ منازل وجوة شوارع قلوب.. ملابس عقول..
كيف خرجت من تلك الشوارع والبيوت تلك الاصوات تغني..
من اين جاء صوت فايدة كامل وهي تصدح.. الله اكبر فوق كيد المعتدي.
هؤلاء الناس كيف حفظوا تلك الاغنية.. هل سمعوها في الإذاعة صغارا؟ و إن كانوا سمعوها فكيف حفظوها وكيف خرجوا جميعا من منازلهم وشوارعهم النورانية بملابسهم النورانية التي بدت كأنها ملبس واحد يكسو كل الناس. ام ان تلك اللحظة طغت بنورها على ملابسها فلم اعد ارى سوى لون النور او قل سوى النور فصار يغطي كل شيء.
كيف صارت الشوارع المتوازية والمتعامدة ممتلئة بهؤلاء البشر في لحظة واحدة مباشرة للحظة الانكسار وهو يغنون قصيدة عمرها سبعون عاما او اقل قليلا.. كيف حفظها الاطفال والسيدات والرجال والشباب..
ثم كيف عادوا كل هؤلاء شباب في العشرينات أو اقل.. ان اقل عمرا لأحدهم الأن خمسون عاما فكيف هم يملاؤن الشوارع يتغنون مع هدر الاغنية؟ ثم ما هذا انهم رغم أمية اغلبهم يضعون الان في عبارات وكلام احلامهم..
نعم هؤلاء البسطاء يضعون شروطا للمستقبل، كيف لهم هذا وجوه لم تحلم بثورة او تغيير من قبل كيف تنطق الآن كلماتهم بشروط المستقبل. هل يعرفون العلم والتعليم هل يشترطون الصحة والثقافة.. هل يأمنون السكن والعيش والوظيفة، هل يقولون انهم يحتاجون العدل والمساواة، كيف هذا من علمهم وهم من كانوا يتوارن بالأمس خوفا ورعبا يلتصقون بالحوائط السوداء كي لا يراهم احد.
اي طاقة نورانية ربانية تلك؟ ما هذا الذي اراه امامي او خلفي.
ثم من ينطلق امامهم ويتغني
" قبل التعليم والصحة والبيت والعمل.. الحرية.. لازم نخلق جوانا الحرية وانسان حر.. بالحرية يقدر الإنسان يتعلم و يتثقف ويتعالج.. بالحرية يقدر الإنسان يطير في عالم جديد يخلق لنفسه افاق جديدة وعالم جديد... يغني مع صلاح جاهين كما كانوا يغنون مع فايدة كامل... الكلمة أيد.. الكلمة رجل.. الكلمة باب.. الكلمة نجمة كهربية في الضباب "
انطلق وحوله اناس يعرفهم جيدا لكنهم عادوا اطفالا.. كيف هذا من جاء بهم الآن..
من أتى بمن رحل كيف شهدوا هذا الحدث الفريد لحظة انكسار الطاغوت...
ثم ما هذا رجلان أحدهما رحل والآخر يقترب الآن من السبعين.. انهم بيكيان في صدر صديقي الذي يطير الأن على مسرح الاحداث الذي يشهد كسر شوكة من كان يملأ الأجواء رعبا..
ما هذا بكاءهما يزهر نباتا اخضر
في مدرجات المسرح.. كيف في اللحظة التي احتضن اعمامه قائلا " ابكوا من حقنا نبكي فرحا بالحرية... في تلك اللحظة وقبل اختفاء الطاغية بدقائق اذا بالمدرجات الخشبية تنبت نباتا اخضر.. بهت الذي نظر..
غريب امر هذا المكان يضم إناس مر على رحيلهم اعوام اقتربت من الثلاثين عاما، كيف جاءوا؟
وكيف كان بطل الحدث الذي كسر شوكة الطاغية رجلا لم يعرف في حياته الا السكينة؟ نعم كيف؟ اعرفه جيدا إنه الاستكانة والسكينة إنه كما كنت اسميه عائش في الملكوت، كيف استطاع في تلك الليلة ان يكون بطلها؟ ويطلق البراح لكل هذه الزهور والعقول كي تنكسر..
هو حتى تلك اللحظة لم يكن يدرك انه يزلزل العرش، ببساطة احب ان يقدم عملا مسرحيا فوقف له الطاغية بجبروته ليمنع عرضه.
هؤلاء الموجودين الآن في العرض لا اظنهم رأوا مسرحا من قبل، كيف شاهدوا تلك اللحظة الفاصلة في حياة أمتهم كيف عادوا من الحياة ليشهدوا موت الطاغية برصاصة من حاميته.
الغريب أ
ن الرصاصة كانت تخرج لتصيب هذا الكائن الساكن المستكين الذي كسر حاجز الخوف واهان المتجبر في ذاته نعم كانت الرصاصة في الاصل موجهة له رتب لها الطاغية مع احد منافقيه كي يتخلصوا من الكائن المسالم بحيلة صنعها مساعدة فاذا الرصاصة تخرج من حاميهما إلى راس المنافق المساعد الذي جلس مكان المواطن المسالم فيقتله ويموت الطاغية رعبا،او قل مات لانكسار صورته الذهنية لدي من يحكمهم...
لتشرق انوار الفجر مضيئة المنازل والشوارع والملابس والوجوة القلوب بلون النور.
هل عرفت لون النور؟ انه لون الفرحة والحرية والكلمة، لون البشارة القادمة في ليلة وترية رمضانية، ربما تكون ليلة قدر.
يا الله ما هذا النورانية القادمة من صوت الناس والشارع والبيوت، ما اجمل صوت الناس وهي تغني، الله اكبر فوق المعتدي.
الصورة المرفقة بكاميرا : محمد الروبي
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق