المشهد الضبابي حول مصير الجنود المصريين المحتجزين في السودان من قبل قوات الدعم السريع؛ يفرض علينا فهم ماهية هذه الميليشيات، وما سوابقها في مثل هذه الأعمال.
"الجنجويد"..
هي ميليشيا تعقد اتفاقيات مع دول أخرى ولها ميزانية منفصلة وتقوم بحملات تجنيد للشباب والأطفال خارج نظام المؤسسة العسكرية الرسمية (الجيش) وترسلهم إلى الحرب.
وكانت الجنجويد المعروفة باسم الدعم السريع تفرض سيطرتها الكاملة على العاصمة السودانية الخرطوم، وطالما سعى قائدها محمد حمدان حميدتي (الحاكم الفعلي للسودان) إلى فرض نفسه رئيساً للبلاد بقوة السلاح والمال، فإما هو أو الانهيار.
الجنجويد قوامها الأساس أفراد من القبائل العربية في إقليم دافور، والتي تنشط بشكل أساسي في رعي الإبل والماشية، فيما تعيش القبائل الأخرى (الأفريقية) حياة زراعية مستقرة قرب مصادر المياه.
وأسس الرئيس السابق عمر البشير هذه الميليشيات بإشراف مباشر من نائبه الأول حينها علي عثمان طه، على خلفية ظهور حركات تمرد مسلحة في دارفور بين عامي 2002 و2003، تطالب بالعدالة في توزيع الثروة والسلطة بين أقاليم السودان المختلفة.
وأطلق سكان دافور اسم "جنجويد" على هذه الميليشيات لأن مقاتلوها كانوا يمتطون الجياد ويحملون الأسلحة ويغيرون على القرى فيحرقوها وينهبوها ويغتصبون النساء من دون هوادة، فاعتبر الواحد منهم (جني) على ظهر (جويد) تصغير (جواد)، ومن هنا أطلق عليهم اسم جنجويد.
في دارفور..
نمر إلى جذور الصراع في ثمانينات القرن المنصرم، حين اجتاحت موجة من الجفاف دافور ودولتي تشاد وأفريقيا الوسطى المجاورتين والتي تمتد إليهما وتتداخل معهما جُل قبائل الإقليم المضطرب، خاصة الرعوية منها، وبعد ما استقرت الأوضاع وخف الاحتقان مع انحسار الجفاف، عادت القبائل العربية (الرعوية) والأفريقية (الزراعية) إلى التساكن والتعايش بسلام مرة أخرى.
وبعد 11 عاماً على انقلاب (البشير/ الترابي) الذي أطاح بحكومة الصادق المهدي عام 1989، انقلب الأول على الثاني في ما عرف بانقسام الإسلاميين عام 1999، وأقصاه عن السلطة، وأحدث ذلك شرخا في الحركة الإسلامية السودانية، التي انقسمت إلى حزبي "لمؤتمر الوطني" بقيادة البشير، و"المؤتمر الشعبي" بقيادة الترابي.
هنا دعم معظم أبناء دارفور المنتسبين إلى الحركة الإسلامية جناح الترابي، ووضعهم ذلك في مواجهة الأجهزة الأمنية الموالية للبشير، فنكلت بهم، وقرروا مقاومتها، وأسسوا حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، أمير ما كان يعرف بالمجاهدين، إبان الحرب التي شنها البشير والترابي على جنوب السودان تحت عنوان "الجهاد".
أسست مجموعة من الدارفوريين من ذوي التوجهات المدنية حركة مسلحة أخرى باسم "حركة تحرير دارفور" بقيادة عبد الواحد نور، ومني أركو مناوي، وغيرت اسمها لاحقا إلى "حركة تحرير السودان".
في أبريل 2003 بدأت الحركتان الحرب على الحكومة، عبر عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور ودمرتا عدداً من الطائرات.
تأسيس الجنجويد..
بعد هذه التطورات أطلقت حكومة البشير سراح أحد السجناء من أبناء دارفور هو موسى هلال، وكان معتقلا بتهمة قطع الطرق وقتل جنود نظاميين في شمال دارفور، وهي اللحظة الأولى لتشكيل ميليشيات "الجنجويد" ذات السمعة السيئة، والتي تأسست لمساندة الجيش في دحر التمرد.
لم يكن موسى هلال شخصاً عادياً حيث أظهر نزوعاً إلى النهب والسلب وحيازة الأراضي بقوة السلاح وقطع الطريق أمام تجار الحدود بين السودان وليبيا وتشاد.
كان محمد حمدان حميدتي واحد من الذين جندهم هلال ضمن ميليشيات الجنجويد عام 2003، وسرعان ما ذاع صيته وأصبح من كبار قادة الميليشيات بعدما وضع تحت إمرته عشرات آلاف المقاتلين من أبناء القبائل العربية الذين لم يتلقوا تدريباً عسكرياً نظامياً، ويدينون له بالولاء المُطلق والطاعة.
مع تمدد حميدتي وتقربه من البشير عين الأخير موسى هلال مستشاراً له لإبعاده عن دارفور، وتركه تحت إمرة (حميدتي)، وهنا تم تغيير اسم الميليشيات إلى قوات الدعم السريع، وألحقت صورياً بجهاز الأمن والمخابرات ثم لاحقاً برئاسة الجمهورية مباشرة.
لكن هلال انتبه إلى ذلك بسرعة، وعاد إلى دارفور وأعلن تمرده على البشير وأسس "مجلس الصحوة"، وضاعفت الحكومة دعمها لحميدتي الذي خاض حرباً ضد الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وانتصر.
وبينما كان هلال يضعف مع الوقت قررت الحكومة القضاء عليه، وسلطت عليه حميدتي، وتمكّن الأخير في نوفمبر 2017، من القبض عليه، بعدما استطاعت ميليشياته خلال ساعات قليلة من فرض سيطرتها الكاملة على بلدة "مستريحة" معقل هلال واعتقاله مع أبنائه الثلاثة، حبيب وفتحي وعبد الباسط، وشقيقه عمر هلال، وشقيق زوجته آدم رمضان، وقائد قواته محمد برمة يوسف، ولا يزال هؤلاء رهن الاعتقال المشدد حتى الآن.
ووفقاً لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية ودولية على رأسها "هيومان رايتس ووتش" فإن ميليشيات الدعم السريع (الجنجويد) ارتكبت جرائم حرب في دارفور بين عامي 2014 و2015، من نهب وقتل واغتصاب للمدنيين.
ويقدر مراقبون وخبراء عددها ما بين 30 إلى 40 ألف مقاتل؛ لكن قائدها حميدتي كشف في لقاء جماهيري أن 30 ألفاً من جنوده يشاركون في حرب اليمن ضمن التحالف العربي، ما يشي بأن عددها أضعاف ما كان يعتقد الجميع، ربما تصل إلى 100 ألف مقاتل.
استعنت بفقرات من مقال سابق للصحفي السوداني، عبدالجليل سليمان، منشور بموقع DARAG في يونيو 2019.
(صورة حميدتي -رويترز)