معصوم مرزوق يكتب : جراحة لإغتصاب عذراء !


قيل الكثير عن علاج الصدمات الكهربائية ، وتمت تجربته في أشكال عديدة ، فهو مثلاً  في علم الحروب هو " الهجوم الخاطف " البليتسكريج أو Blitzkrieg " وهو الأسلوب الذي استخدمه النازي بمهارة في إكتساح كل أوروبا تقريباً في الحرب العالمية الثانية، والهدف هو مباغتة العدو بسرعة وفي أماكن متعددة  قبل أن يفيق من " صدمة الهجوم الأولي " ، وقد كانت تلك جوهر خطة غزو العراق ، تحت مسمي " الصدمة والرعب "، أو " Shock and Awe " التي هدفت إلي ضربة صاعقة مروعة لمراكز القيادة والسيطرة العراقية في الدقيقة الأولي للحرب وبإستخدام كمية هائلة ومتنوعة من الذخائر .

وفي علوم الطب المختلفة ، تستخدم الصدمات الكهربائية كمحاولة لإنقاذ عضلة القلب المتوقفة ، أو تستخدم في إرسال شحنات إلي خلايا المخ بجرعات معينة للتعامل مع كهرباء المخ ، ومن أهم علماء هذا النوع من العلاج عالم النفس الروسي الشهير إيفان بافلوف .

كما تستخدم نظرية الصدمات الكهربائية بتوسع في مراكز الإعتقال والتعذيب وأبرز أمثلتها السجون الإسرائيلية ، والعديد من السجون العربية ، ومن الثابت أنها استخدمت في سجن أبو غريب وكذلك معتقل جوانتانامو .

ولقد ظهر في أمريكا بروفيسور في علم الإقتصاد ، أشتهر بأنه " نبي " العلاج بالصدمات ، وهو " ملتون فريدمان " مؤسس مدرسة شيكاغو في الإقتصاد والذي توفي عام 2006 بعد أن انتشر رسله وأحباره وتلاميذه في أركان الأرض يبشرون بنظريته التي ارتكزت أساساً علي علاج أمراض الإقتصاد بالصدمات .

تتلمذ في هذه المدرسة عدد كبير ممن صاروا رؤساء دول ووزراء وقادة فكر وخبراء في مختلف دول العالم ،  وقد وصف عميد هذه المدرسة نفسه بأنه " مبشر يلقي موعظة الأحد " ، وكان منهجه واضح ، فهو يترقب حدوث أزمة كبيرة تتيح بيع أجزاء مهمة من الدولة المستهدفة إلي شركات متعددة الجنسيات  ، بإستغلال حالة الإغماء والعمي التي تصيب المجتمع بسبب تدهور الأحوال ، كي يسوق لهم هذا " البيع " علي أساس " أنه الحل الضروري " الذي لا غني عنه ، والذي " قد يكون مؤلماً بعض الشئ "، ولكن " لا مفر منه "..

وحين تنتبه تلك المجتمعات المخدرة إلي ما يجري ، تكتشف الكارثة التي وقعت فيها ولكن بعد فوات الأوان ، وكأنها عذراء غابت عن وعيها لفترة كانت كافية كي يتم إغتصابها عدة مرات !! .

ولقد تابعت عن قرب تطبيقات هذه المدرسة أثناء وبعد خدمتي في أمريكا اللاتينية ، وكتبت عنها عدة مقالات خاصة بعد أن شهدت الأرجنتين العظيمة تسقط متردية في فخ صندوق النقد الدولي ، ثم تترنح من وقع الصدمات التي تم تجريبها فيها حتي تهاوت أخيراً في حفرة الإفلاس .

كان فريدمان يري أنه إذا وقعت " الأزمة " ، أو أمكن توقعها  فأن ذلك وحده الذي يقود إلي التغيير ، لأن البدائل التي يطرحها ويروج لها " صبيانه " خاصة في دول العالم الثالث تهدف إلي الضغط المستمر علي مراكز صناعة وإتخاذ القرار بحيث يصبح ما هو مستحيل سياسياً ، لا مفر منه سياسياً أيضاً !!! .

وإذا كان الناس عندما يتوقعون أزمات مقبلة يقومون بتخزين سلع وبضائع ومياه ، فأن " فريدمان " يخزن أفكار السوق الحرة ، وبمجرد حلول الأزمة فأنه يكون جاهزا للعمل بسرعة لفرض تغيرات عاجلة لا يمكن الرجوع عنها فيما بعد عندما يفيق المجتمع المستهدف ، أو " عندما تلملم العذراء المنتهكة ملابسها كي تستر ما تبقي من شرفها " ..

ومن المعروف أن فريدمان عمل كمستشار للديكتاتور الشيلي الجنرال أوجستو بينوتشيه  ، الذي تولي الحكم بإنقلاب عسكري تم فيه إغتيال الرئيس المنتخب سلفادور الليندي ، وبينما كان قصر الرئاسة يقصف بالمدافع والطائرات ، ويتصاعد الدخان في العاصمة سانتياجو ، فأن المجتمع الشيلي الذي تمتع بنظام ديمقراطي عريق لمدة تجاوزت قرناً ونصف كان في حالة صدمة وذهول ، يترنح من الآثار السلبية التي ترتبت علي الحصار الإقتصادي الأمريكي والغربي الذي فرض علي الرئيس المنتخب سلفادور الليندي ، وأرهق الشعب الشيلي تماماً ، لذلك نصح فريدمان عميله الديكتاتور بأن يسارع في إحداث تغيرات جوهرية في هيكل الإقتصاد( تخفيض ضرائب ، تجارة حرة ، خصخصة لكل أدوات الإنتاج والخدمات ، رفع الدعم .. إلخ )..

ومن ضمن التقاليد المرعية لهذه المدرسة الإقتصادية ، أنه كي يتم إحداث التغيرات المؤلمة ، فأنه لابد أن تقترن بقبضة أمنية محكمة لا تعترف بما يسمي حقوق الإنسان أو الحريات .. فلا يمكن مهما كان أثر الصدمة أو الصدمات أن يرغم " عذراء شريفة " علي بيع شرفها ، فلا سبيل لذلك إلا بإستخدام كل وسائل القوة والقمع كي يتم إغتصابها ....

تعليقات