تابعت آخر "زوبعة" هبت علينا فى مصر من السعودية.. كان بطلها هذه المرة فنان يمارس الغناء, تميزه قدرته على أن يظهر متواضعا.. حتى فوجئنا قبل أيام بأن "محمد عبده" تم تكليفه بمهمة فى محاولة استفزاز الشعب المصرى!
حاولت تجاهل "سخافة" الكلام وسطحيته!!
تغيرت نظرتى حين ذهبت إلى مراجعة سريعة, للعلاقة بين البلدين "الشقيقين".. كما عودنا إعلام بلا عقل أن يردد فى مخاطبة الشعوب وقتما تريد قصور الحكم.. لكن هذا الإعلام نفسه يتقدم صفوف القتال ضد الأشقاء, إذا تلقى إشارة هذا الحاكم أو ذاك.. عندها ينقلب الشعب "الشقيق" إلى عدو, ويتبادل الطرفان نيران السباب والسخرية.. تدور معارك كما حرب "شويمة وعبيان" التى كان مجرد تذكرها, سببا فى معركة رهيبة بين السعودية والكويت – إعلاميا – قبل أيام من اجتياح العراق لأراضيها واحتلالها!
أشرت إلى "شويمة وعبيان" حتى لا أذكر "داحس والغبراء" ذائعة الصيت!!
يهمنى أن أعود إلى مصر التى أدركت مؤخرا حجم خسارتها الفادحة من "لعنة البترول" والدول التى استخدمته لتخريب محيطها العربى.. أنفقت هذه الدول مئات المليارات من الدولارات, لتشويه تاريخ دول عريقة ذات حضارة حتى لا تكون قائدة.. واستمتعت "واشنطن" ودول الغرب التابعة لها, بما فعلته "الثروة" لتدمير "الثورة" مع تركيز القصف على مصر الدولة والشعب.. دون مانع من فترات هدنة تشهد إعداد لجولة جديدة فى معارك لا تتوقف!
نعلم أن التاريخ يكرر نفسه مع الذين يكرهون القراءة!
لا يدهشنى أن أعداء القراءة يواظبون على التجارة بالدين.. يتمتعون بأمراض عضوية ونفسية, ضد الثقافة والتاريخ والحضارة.. تبلغ نشوتهم ذروتها عندما يحولون المثقفين والمبدعين وأصحاب الرأى إلى "خدم" فى بلاطهم مقابل الفتات من ثروات يتحكم فيها من لا يملك, ويمنحها لمن لا يستحق.. ويتضاعف العطاء لكل "جاهل عصامى" أو "فاجر" يفاخر بوقاحته!!
جاءت قذيفة "محمد عبده" الطائشة ضد مصر تاريخا وشعبا, وقت استمرار قصف أولئك من الذين تربوا فى "أمريكا" وأكرمتهم بدرجة دكتوراة تضفى عليهم وجاهة.. أحدهم حدثنا قبل أيام عن أن "الجمهوريات" فى العالم العربى هى التى تعانى فقرا وعدم استقرار.. وإعتقد "حامل الدكتوراة الأمريكانى" أننا نسينا كيف كانت نهاية الملك "فيصل" فى نظامهم الملكى الراسخ!! حتى لا أحاول أن أنعش ذاكرته بنهاية الملك "سعود" المحظور تناول تفاصيلها.. التى انتهت بعزله بعد أن دفع الملايين فى مؤامرة إفشال الوحدة بين مصر وسوريا.. وأذاعها فى خطاب على الهواء من دمشق الزعيم "جمال عبد الناصر".. لكنه وافق فيما بعد على احتضان مصر له لاجئا بعد فترة قصيرة قضاها فى اليونان.. لكننى أعيب عليه فقدانه الذاكرة تجاه مشهد سجود الأمير "محمد بن سلمان" عند أقدام "ولى العهد" السابق ليقبل قدمه.. ثم كان ما حدث بعدها لهذا الأمير.. ولا أعيب عليه تجاهله تحويل فندق "كارلتون" إلى معتقل استضاف أمراء وكبار رجال المال فى السعودية.. بعد اتهامهم بالفساد ونهب ثروات البلاد.. وهو لا يحتاج لأن أذكره بدبلوماسية "الساطور والمنشار" التى لم تجف الدماء فيها على ملابس السهرة السعودية – التركية!!
نعلم فى "مصر أم الدنيا" تفاصيل ثورات شعبنا!!
نعرف فى "مصر أم الدنيا" أن بلادنا شهدت محاولات "توريث" الحكم.. لكننا رفضنا ذلك – ومازلنا – منذ أن أطلت علينا "شمس الجمهورية" مهما كانت أخطائها أو كان حجمها.. ولم تشهد بلادنا انقلاب الابن على أبيه, كما حدث فى "قطر" أكثر من مرة.. ومنذ أن أصبحت مصر جمهورية, لم يحدث تغيير هوية الحكم فيها إلى "مملكة" بدلا من "إمارة" كما حدث فى "البحرين" وكل هذه وقائع أعلم أنها مؤلمة.. كما أعلم حجم ما يتم إنفاقه حتى لا يجرؤ أحدا على ذكرها.. لكى نعيش أشقاء وقت ما يريد هذا الحاكم أو ذاك.. ونغرق فى مستنقع العداء, عندما يعلن الحاكم حربا قذرة لها أهداف سرية وغامضة نكتشف تفاصيلها بعد "خراب مالطا" كما يقول البسطاء من الناس!!
سقط الفنان "محمد عبده" حين نفذ المهمة التى تم تكليفه بها.. لأن "مصر أم الدنيا" بحكم التاريخ وحضارتها.. أما "السعودية أبو الدنيا" فهى "نكتة" لأن الدنيا فيها حضارات عريقة من الصين إلى الهند وروسيا, مرورا باليمن والعراق وسوريا حتى المغرب.. إضافة إلى حضارات عريقة فى أوروبا وأمريكا اللاتينية.. وإذا قال أحد من أبناء هذه الحضارات أن بلاده "أبو الدنيا" فهذا مقبول.. أما القول بأن "السعودية أبو الدنيا" فهذا كلام كالدخان فى الهواء.. لأن "السعودية" فيما أظن مشغولة بالإعداد للاحتفال بالذكرى المائة – 100 - لقيام وتأسيس هذه الدولة بعد عشر سنوات!!.. ولو أن هؤلاء قرأوا كتاب "قصة توحيد المملكة" للشيخ "محمد المانع" ما جرأوا على الكلام!!
واضح أن الكواليس تخفى خلافا بين قيادتى "مصر" و"السعودية" تتناوله الصحف ووسائل إعلام وألسنة العامة فى البلدين.. لم تنجح محاولات إخفاء هذا الخلاف بتصريحات يطلقون عليها دبلوماسية.. وأستطيع القول أن هذا الخلاف لا يشغل الشعب المصرى, مع إدراكى أنه يشغل فئة بيننا ارتبطت بما نسميه "البترودولار" منذ تم استخدامه لهدم البنية الاجتماعية ثم السياسية, وصولا إلى محاولات هدم البنية الثقافية والفنية التى تجرى على قدم وساق.. وشجع القائمون على الأمر فى السعودية, على ذلك أنهم مع آخرين من "دول النفط" تأكدوا من تخريب الإعلام المصرى بمنهج بدأ من نهاية السبعينات.. حدث ذلك بعد أن انتهت مهمتهم فى دفع حاكم مصر – السادات – إلى حضن "واشنطن" بعد أن وقع "اتفاقية السلام" والتفاصيل يعرفها ويحفظها كل من تم منعه من الكتابة والكلام!!
سقط الفنان "محمد عبده" كما سقط عشرات – أو مئات – من الفنانين المصريين.. ربما لأنهم لا يهمهم غير أن يكونوا من "حاشية السلطان" التى تحاكى "على بابا" عندما فوجئ بالذهب والفضة.. وكل هؤلاء يفجرون نار الغضب فى صدور ملايين المصريين, بعد أن فهموا أن "البترودولار" أخذهم للحضيض الذى بلغناه.. لكن "الجبل لا تهزه ريح" ولا يؤثر فى "أم الدنيا" القادرة على استعادة وعيها وقدرتها منذ عهد "مينا" و"أحمس" حتى "زمن جمال عبد الناصر" الذى تقلقهم عودته.. واعتقادى أن "زمن العزة والكرامة" سيعود.. كتبت وفى الخلفية صوت "أم كلثوم" تصدح: "وبناة الأهرام فى سالف الدهر.. كفونى الكلام عند التحدى" لأقول للأشقاء فى السعودية: "إحذروا المتحكمين فى القيادة" كما أقول "للشعب المصرى الشقيق": لا تغضبوا وعودوا لقراءة تاريخكم, قبل أن تجددوا فرحتكم بهتاف "إرفع راسك فوق.. إنت مصرى" وهى حقيقة مهما تعرضنا لانكسار فى غفوة من الزمن وغفلة من الشعب!!
ظنى أن هذا يكفى لكشف المستور.. دون حاجة لإعادة تذكير الأغبياء بالتاريخ!!