تحديات كثيرة تواجه النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، فالشركات الفرنسية التي يتجاوز عددها 3 آلاف شركة تجد مزاحمة قوية من شركات صينية وهندية، وتفقد وضعها الإحتكاري القديم،وكذلك الوجود العسكري الفرنسي يتعرض للتضييق، فالقوات الفرنسية جرى إخراجها من بوريكينا فاسو وقبلها من أفريقيا الوسطى ومالي، ومازالت ملاحقة في أكثر من مكان بنظرة غير ودية، والفرنك الأفريقي الذي تسيطر عليه فرنسا قيد الإلغاء، مع ظهور عملة أفريقية جديدة في غرب القارة، تنهي حقبة طويلة من تحويل نصف إحتياطيات البنوك الأفريقية في تلك البلدان تحت تصرف البنك المركزي الفرنسي، حتى اللغة الفرنسية تراجعت ومعها القوة الناعمة.
حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال جولته الأفريقية الأسبوع الماضي أن يوقف التراجع الفرنسي في قارة واعدة، إستفادت منها فرنسا كثيرا ومازالت، لكن الجولة التي شملت أربع دول أفريقية هي الجابون وأنجولا والكونغو برازفيل والكونغو الديمقراطية لم تحقق شيئا ملموسا، رغم تكرار الرئيس الفرنسي دعوته إلى إقامة شراكات متوازنة، ووعود بتقليص الوجود العسكري الفرنسي بانهاء القواعد العسكرية وانشاء أكاديميات عسكرية في الدول الأفريقية بدلا منها، لنقل الخبرات إلى الأفارقة بمدربين وخبراء ومحاضرين، وخلال لقائه بالجالية الفرنسية في الجابون رفض تسمية سحب القوات الفرنسية من عدة دول أفريقية بأنه "إنسحاب" أو "فك إرتباط" رغم أنه قال إن عصر فرنسا الأفريقية قد إنتهى، مشيرا إلى الفترة الإستعمارية.
إلا أن ما يطرحه الرئيس الفرنسي ماكرون عن علاقات على أسس جديدة مازالت محل تساؤلات وشكوك في جدية المراجعة الفرنسية، وظهر ذلك جليا خلال المؤتمر الصحفي لماكرون ورئيس الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدي، الذي قال إن تلك الوعود تحتاج إلى إختبار عملي، وأشار أكثر من مرة إلى المعايير المزدوجة والنظرة الفوقية للغرب عموما في أفريقيا. ويعترف الرئيس الفرنسي ماكرون بأن الدور أو النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية قد تراجع، ومن هذا المنطلق تأتي المبادرة الفرنسية وتعدد زيارات الرئيس ماكرون إلى أفريقيا لوقف هذا التراجع، بوعود عن تغييرات في سياسات فرنسا لتصبح أكثر تواضعا، ويدرك القادة والنخب الأفريقية أن التصريحات "المتواضعة" لم تأت بإرادة ذاتية من فرنسا، ولا مراجعة لتاريخها الإستعماري، وإنما جاء نتيجة تغير موازين القوى العالمية، وانعكساتها على القارة، خاصة أن الصين أصبحت الشريك التجاري الأول في أفريقيا، وأن التواجد الروسي حل مكان فرنسا في أكثر من دولة، وأن السياسات الفرنسية هي المسئولة عن هذا التراجع.
إتفقت الصحف الفرنسية على أن الوضع في أفريقيا يزداد سوءا أمام فرنسا المتراجعة، وأن الوقت تأخر لإعادة ترتيب الأوراق، ولم تحقق زيارات ماكرون الهدف منها حتى الآن، وإستراتيجيته الجديدة ليست جديدة، وسبق أن كررها في زيارات ولقاءات سابقة، ولم تحقق شيئا عمليا في الواقع الذي يتغير بسرعة في غير إتجاه المصالح الفرنسية في القارة السمراء.