صوت لنفسك
كانت هذه هي أول انتخابات لنقابة الصحفيين المصريين بعد ما أسماء الرئيس الأسبق "أنور السادات" بـ "ثورة التصحيح" وحملته على "مراكز القوى" وإصدار دستور جديد دائم ( دستور 1971)، والذي يضمن هامشا أوسع نسبيا من الحريات وحقوق المواطنين بعد 1954. كما كانت الأولى في تاريخ النقابة بعد سريان قانونها الحالي رقم 76 لسنة 1970.
وأسفرت هذه الانتخابات التي جرت على دورتين ، كانت الأخيرة في يوم 11 يونيو 1971، عن فوز الأستاذ "على حمدي الجمال" مدير تحرير "الأهرام" على الأستاذ " موسى صبري" رئيس تحرير "الأخبار"، والذي كان يبدو أقرب إلى "السادات".
ووفق سلسلة من ست مقالات نشرها "صبري" في "الأخبار " بين 15 و 21 يونيو 1971، احتل كل منها الصفحة الثالثة بالكامل، كان عدد الجمعية العمومية للصحفيين نحو الألف عضو. وجاءت نتائج الجولة الثانية الحاسمة بفوز " الجمال" بـ 475 صوتا مقابل 296 لمنافسه رئيس تحرير "الأخبار". أما الجولة الأولى التي جرت بين 5 مرشحين، فانتهت إلى النتائج التالية: 326 صوتا "للجمال" و 256 "لصبري". وحل النقيب الأسبق الأستاذ " حافظ محمود " ثالثا بـ 251، ثم الأستاذ "عبد المنعم الصاوي" رابعا (سيأتي لاحقا نقيبا) بـ 110 أصوات. و أخيرا الأستاذ " خليل طاهر" بأربعة أصوات.
ولم يكن خافيا ولم يخف "موسى صبري" عن القراء الأهمية السياسية لهذه الانتخابات بين الصحفيين. ولم يحاول على أي نحو إبعاد شبهة السياسة والميول والصراعات السياسية عن الصحفيين وعن نفسه ومنافسيه.
كما أبرز "صبري" في مقالاته هذه الأهمية المجتمعية والسياسية لانتخابات الصحفيين 1971 . وهذا نظرا لأنها كانت الأولى بين كل التنظيمات النقابية والسياسية في مصر بعد قيام "السادات" بحل مجالسها وهيئاتها القيادية بعد 15 مايو. واللافت أن المقالات الستة عامرة بنقاشات سياسية مهمة على صلة وثيقة بالصحافة والصحفيين والنقابة.
وهذا هو الدرس الأول من إعادتي لقراءة هذه السلسلة من المقالات بعد نحو 15 من قراءة أولى لها. وأدين بالفضل في الإطلاع عليها، واقتناء صور ضوئية منها للصديق والزميل الأستاذ "سمير تادرس" الصحفي والنقابي المحترم بلا مناصب في النقابة أو مؤسسات الصحافة، وبدوره كان صحفيا بجريدة "الأخبار".
وربما أعود للكتابة عن هذه الانتخابات والمقالات باستفاضة لاحقا وفي سياقات أشمل وأبعد. لكن أكتفى اليوم، ونحن على أعتاب انتخابات نقابة الصحفيين 2023 بنشر بعض ما أراه دروسا / ملاحظات ملحة تستحق الاستدعاء في هذه اللحظة . لحظة مواجهة رئيس تحرير "الأخبار" الأستاذ "خالد ميري" اليوم لعشرة مرشحين على موقع النقيب، يتقدمهم الأستاذ "خالد البلشي" من فئة" صحفي حر" بجدول المشتغلين ورئيس تحرير موقع "درب" الإلكتروني المحجوب، وبالأصل الزميل الصحفي من مؤسسة "روزا اليوسف".
.. الدورس / الملاحظات هي مايلي . وبالطبع علاوة على ترجيح صحفيي مصر 1971 لكفة مدير تحرير على رئيس تحرير شديد القرب من رئيس الدولة "السادات"، واشتهر بإغداق المديح بلا سقف أو حد على "الريس" :
ـ أعلن الأستاذ "محمد حسنين هيكل " رئيس مجلس إدارة وتحرير "الأهرام" أن اشتراك أي صحفي بالجريدة بالترشح في هذه الانتخابات هو قرار شخصي يخصه، وأن مؤسسة "الأهرام" لاتدخل الانتخابات بمحرريها، ولن تشارك بأي جهد لصالح أي من المرشحين.
ـ قال "صبري" في اجتماع انتخابي مع زملائه في مؤسسة "روزا اليوسف"، وكانت تمثل واحدة من معاقل معارضتة إلى جانب "دار الهلال" :" توقفت عن الكتابة والنشر في (الأخبار) حتى أنفي شبهة استغلال الصحيفة التي أرأس تحريرها للدعاية الانتخابية" ( الحلقة السادسة والأخيرة).
ـ عرض " صبري" لخلاصة خمس ساعات من النقاش مع زملائه في " روزا اليوسف" في نهاية الحملة الانتخابية. ونشر بالنص والتفاصيل والحجج اتهام الأستاذ "صلاح حافظ" له بأنه رئيس تحرير لصحافة تعتمد الإثارة، ودفاعه عن نفسه في مواجهة "حافظ"، ومادار بينهما من سجال حول السياسة التحريرية "للأخبار" في عهده.
ـ كتب رئيس تحرير "الأخبار" بعد هزيمته في الانتخابات وبالحلقة السادسة الأخيرة أيضا :" أنني أرحب بنشر ردود وآراء الزملاء الذين تعرضت لمواقفهم بأسلوب موضوعي على صحفات (الأخبار)، وعلى الرغم من أن كلا منهم له قلمه في الصحيفة التي يعمل بها".
ـ وكتب أيضا في المقال نفسه :" لا أعتبر نفسي في خلاف مع النقيب الجديد، وأضع كل جهدي مع النقيب وأعضاء المجلس من أجل تصحيح مسار صحافة 23 يوليو".
ـ اعتذر النقيب السابق الأستاذ "أحمد بهاء الدين" عن الترشح في هذه الانتخابات. لكنه أعلن مساندته وكذا الأستاذ "كامل زهيري" ( النقيب لاحقا) لترشح " الجمال".
ـ أما معلوماتي التي عثرت عليها خارج هذه المقالات فهي أن المجلس الذي أسفرت عنه هذه الانتخابات (يونيو 1971) فقد ضم كلا من الأساتذة : الأديب "يوسف إدريس" ( ترشح لاحقا لموقع النقيب أمام الأستاذ يوسف السباعي ولم يوفق)، و"محمود المراغي"، و "عبد المنعم رخا"، و " مصطفى نبيل"، و "سعد زغلول فؤاد "، و" محمود سليمة "، و" صلاح جلال" ( النقيب لاحقا)، و "مكرم محمد أحمد" ( النقيب لاحقا)، و "كمال سعد"، و "أمينة شفيق"، و "عبد العزيز عبد الله"، و "عثمان لطفي".
وسأتدخل هنا لأشير إلى أنه لم يكن في هذا الزمان وإلى نحو العقد الأول من الألفية الجديدة عصبيات جهوية على أساس التقسيم الجغرافي للوطن ( وبالأخص عصبيات صعيدية ) بين الصحفيين تؤثر على التصويت وتظهر في الدعاية الانتخابية. بالطبع لم يكن هناك كل هذا التخلف، وإهدار المواطنة، وليس فقط إهانة معنى أن تكون صحفيا.
ـ كتب "موسى صبري " في مقالاته الستة ونشر صورا بالزنكوغراف ( حينها كانت هكذا إمكانات الطباعة الصحفية) عن منشورات جرى توزيعها بين الصحفيين خلال الانتخابات، وباسماء أصحابها، أو مجهلة تطالب بالكشف عن قائمات اعضاء التنظيم الطليعي السري بين الجماعة الصحفية، وما كانوا يكتبونه من تقارير في زملائهم لأجهزة الدولة والأمن، وما يتقاضونه من "مصروفات سرية" من وزير الداخلية الأسبق "شعراوي جمعة" و أمين عام الاتحاد الاشتراكي رئيس الوزراء الأسبق "على صبري". وهي منشورات كانت تطالب بالكشف والمحاسبة. لكن لم يحدث. وحتى "موسى صبري" شديد المجاهرة بالحماس "لثورة التصحيح " أعلن خلال هذه الانتخابات معارضته للكشف والمحاسبة النقابية .
ـ اتهم "صبري" من وصفهم بمجموعات "اليسار العقائدي" بالعمل على إسقاطه في الانتخابات، وعرض باستفاضة من وجهة نظره مناقشاته الطويلة معهم حول قضايا الصحافة والمجتمع والدولة. وطبعا أود التنويه ـ وحتى لايساء الفهم ـ أن "هيكل" أيضا كان مقربا من الرئيس " السادات" ومن بين أهم مسانديه في "ثورة التصحيح" ضد "مراكز القوى الناصرية". ووقف أيضا ضد الكشف والمحاسبة النقابية.
.. وبعد
رحم الله كل من ذكرت هنا اسمائهم من أجيال مهنة سبقوا الجيل الحالي بنحو خمسين سنة ويزيد.
وأظن أن في الدروس/ الملاحظات هنا ما يستحق من صحفييي 2023 التأمل والتعلم والتدبر، والمقارنة براهن الصحافة والصحفيين ونقابتهم اليوم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله .
*
زميلتي زميلي : صوت لنفسك.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق