نصر القفاص يكتب : قبل أن يأخذنا "الطوفان"!!


كنت أتجنب مناقشة فكرة ما يسمى "الجمهورية الجديدة" لأسباب كثيرة.. أهمها هو اعتقادى أنها محاولة تجميل لتلك "الجمهورية الثانية" التى أسسها "أنور السادات, لأنها تقوم على المنهج نفسه.. تلجأ للأدوات ذاتها.. تأخذ الرهانات نفسها.. إضافة إلى أننى رأيت عدم مضاعفة خسارتى, باعتبار أننى بلغت من العمر ما يجعل الرحلة إلى السجن قاسية كما حدث مع كثيرين خلال السنوات الماضية!!

لحظة أن أصبح "الصمت خيانة" حررت نفسى من كل المخاوف, ورحت أكتب بوضوح أكثر لعلى أفوز براحة الضمير.. وجاءت نتائج انتخابات "نقابة الصحفيين" ليتأكد أن أعضاءها اختاروا إعلان الرفض الحاسم والقاطع, لقبول الواقع المهين المفروض عليهم!!

حاول البعض التقليل من قيمة ودلالات نتائج انتخابات الصحفيين, وهؤلاء يمثلون الذين تلقوا الصفعة.. فى المقابل ذهب آخرون إلى تضخيم معنى صرخة, صدرت عن الذين أريد لهم أن يتحولوا من سكان "بلاط صاحبة الجلالة" إلى خدم لأصحاب "الجلالة والفخامة" بطرق شتى.. فيما يمكننى وصفه بأنه "صفارة إنذار أخيرة" لأصحاب العقول!!

الحقيقة أن ما شهدته "نقابة الصحفيين" هو تكرار لما سبق أن حدث فى نهايات "زمن حسنى مبارك".. وتحديدا عندما اختار الصحفيين أن يصرخوا من تكريس الفساد داخل وسطهم.. فانحازوا لانتخاب "جلال عارف" نقيبا, الذي طرح نفسه كعنوان لضمير مهنة وجدت نفسها فى خطر.. كما فعل من بعده "يحيى قلاش" النقيب الذى اعتذر له كثيرون بانتخاب "خالد البلشى" وهو يستحق أن نلتف حوله فيما سيواجهه من تحديات غير مسبوقة!! وهنا يجب أن نذكر من خسروا فى مواجهة "جلال عارف" وكان أحدهم "صلاح منتصر" فى جولة, ثم "إبراهيم حجازى" فى جولة ثانية.. وكليهما دفع ثمن غضب على أوضاع عامة وسياسات, كما دفع "خالد ميرى" وآخرين فى انتخابات العضوية.. ولهم تقدير عند زملائهم فى مهنة تركوها تنازع وتتألم, دون أن يحاول "ضياء رشوان" النقيب السابق إنصافها!!

يجب أن نضع خطوطا أيضا تحت سوابق لنتائج انتخابات أخرى قبل "نقابة الصحفيين".. وقد بدأت من "نقابة المحامين" عندما اختار أعضاؤها إطلاق أول صرخة.. حدث ذلك بانتخاب "رجائى عطية" فى مواجهة "سامح عاشور", الذى فوجئنا بتكريمة على عدم ثقة المحامين به, باختياره عضوا بمجلس الشيوخ.. وهى واقعة تأخذنا إلى ما فعله "السادات" منذ سنوات طوال مع المستشار "أحمد سمير سامى" حين عينه وزيرا للعدل, بعد أن سقط فى انتخابات "نادى القضاة" أمام المستشار "وجدى عبد الصمد"..  بما يؤكد أن منهج "الجمهورية الثانية" مازال يحكم!!.. وبعد رحيل "رجائى عطية" المفاجئ كان الالتفاف على صرخة المحامين!!

جاءت الصرخة التالية مزدوجة.. فقد شهدت "نقابة المهندسين" عودة "طارق النبراوى" على حساب "هانى ضاحى" الوزير الأسبق.. وفى اليوم نفسه سحب حزب "الوفد" ثقته من رئيسه "بهاء الدين أبو شقة" عقابا له على عبثه بتاريخ حزب له جذور وتقاليد.. لينجح وجه جديد على الرأى العام, وإن كان له مكانته داخل حزبه "عبد السند يمامة".. وظنى أن قواعد "الوفد" أعلنت رفضها لتحول الحزب المعارض إلى جزء من "إتفاق القصد الجنائى" الذى تم بموجبه توزيع مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب تبارت فى إعلان إحياء "حلقات ذكر الإنجازات" على حساب الشعب!!

كل هذه الإشارات تجعلنى أطلب عدم الركون لنتيجة "صرخة الصحفيين" لأن "مطابخ" الالتفاف عليها ومحاولات احتوائها, ستنطلق بأسرع مما نتوقع.. حتى لا نسرف فى تصور أن رحلة استعادة هيبة المهنة قد انتهت لمجرد انتهاء الانتخابات.. ولو حدث ذلك سيتكرر التفريط فيما أحدثته "ثورة 25 يناير" ومن بعدها "30 يونيو" وكليهما تحول إلى جريمة لا يتوقف تحذير بل تهديد الشعب من تكرارها!!

أتمنى أن ينجح النقيب الجديد مع أعضاء المجلس, فى إعادة الروح إلى "حصن الصحفيين" الذى تمثله نقابتهم دفاعا عن حرية الرأى.. دفاعا عن مهنة تسلم قيادتها نفر من بيننا, يفاخرون بأنهم جعلوها كسيحة وعاجزة عن النطق.. كما يجب أن ننصرف عن أكاذيب تم ترويجها تدعى أن "زمن الصحافة الورقية" قد انتهى.. لأن الصحف الورقية تزدهر فى الدنيا كلها, بدليل أن وسائل الإعلام الإلكترونية والمرئية والمسموعة تعتمد بالدرجة الأولى على ما تحمله الصحف مثل "واشنطن بوست" و"لوموند" وغيرها, حتى فى العالم العربى!!.. وعلينا أن نعترف بأن الصحافة الإلكترونية فى مصر.. فى معظمها, إنزلقت لتتحول إلى "مواقع صفراء" تقوم على نشر أخبار الجريمة بكثافة.. دون اهتمام بالتحقيق فى دلالاتها وأثرها على المجتمع.. كما يجب محاصرة الإفراط فى تجارة الدين والموضة والطبخ, التى راجت فى كافة وسائل إعلامنا المرئى الذى يحتضر!! 

علينا أن نعود للعقل والمنطق والمنهج, قبل أن يأخذنا طوفان قادم مهما أنكرنا!!

تعليقات