يتعجب من يراقب أحوال "الشعب المصرى الشقيق" خلال سنوات قليلة مضت.. كانت قاسية لدرجة أصابتنا بالذهول.. فهذا شعب إعتقد أنه انتصر على الفساد – ثورة 25 يناير – وفوجئ بأن الفساد ينتصر عليه.. إعتقد أنه انتصر على الفاشية الدينية – ثورة 30 يونيو – فصدمه انتصارها وأنها ترفع راياتها بإعلان "نظرية البركة" كبديل عن العمل والإنتاج.. ظهر بيننا أحدهم منتحلا صفة "شيخ" أو "رجل دين" يدعونا إلى تجاهل "أزمة الدولار" وأن نتجه إلى التعامل بهذه "البركة" باعتبارنا نملك شهادة ضمان سماوية بأن "مصر المحروسة" لا تهزها الشدائد.. ويقوم هذا "التبشير" على تغييب "الشدة المستنصرية" وأن مصر ذاقت مرارة الاحتلال لقرون طويلة.. بل أن الأراضى الحجازية بما لها من مكانة وقدسية فى نفوسنا, تعرضت لاعتداءات واحتلال, سواء كان "عثمانيا" أو "بريطانيا" أو "أمريكيا" مرورا بمحاولة "جهيمان" احتلال الكعبة!!
أعرف أن الأغلبية الساحقة تتنفس تحت الماء, وتقاوم الغرق!!
أعلم أن "نار الأسعار" تحرق الناس.. ويدهشنى أنها لم "تلسع" محترفى الكذب والنصب والنفاق!!
أتابع "الطبلجية" بطلعتهم التى وصفها "أحمد فؤاد نجم" بقوله: "محفلط مزفلط كتير الكلام.. عديم الممارسة عدو الزحام..بكام كلمة فارغة وكام اصطلاح.. يفبرك حلول المشاكل قوام"!! فى واحدة من قصائده الرائعة التى هتف فيها للشعب, فجعل عنوانها "يعيش أهل بلدى"!!
تدهشنى.. بل تذهلنى سطحية "حطام المثقفين" الذين يتم فرضهم علينا.. سبق أن قلت عنهم قبل نحو عشرين عاما "حضرات السادة ضباط الثقافة".. وصدر لى كتاب كان عنوانه "جنرالات الثقافة" للتحذير من خطرهم الداهم.. كنت – ومازلت – أراهم أخطر على المجتمع من الاستعمار, لاعتقادى أنهم "خدم الملكية والاستعمار".. والمؤسف أنه تم تمكينهم من مراكز صنع القرار والتأثير على الرأى العام!!
أتوقف عند سطور من كتاب "العالم عام 2050" للدكتور "جلال أمين", قال فيها بالنص: "كانت مصر بمثابة الكعبة التى يحج إليها السياسيون العرب, قبل أن يتخذوا قرارا حاسما يتعلق بدولة عربية أخرى.. أو بالموقف الواجب اتخاذه تجاه دول كبرى, أو حتى بقرار يتعلق ببعض شئون دولهم الداخلية.. لم يعد الساسة العرب يأتون إلى القاهرة إلا لماما.. فإذا ما أتوا فالأغلب أن تكون الزيارة مجاملة أو لحضور اجتماع ثقيل على نفوس الجميع.. والسياسيون المصريون إذا ذهبوا لبلد عربى, فنادرا ما يكون هذا للمساهمة فى حل مشكلة هذا البلد العربى.. بل الأغلب أن يكون إما لحل مشكلة مصرية – غالبا مالية – وإما لتبليغ رسالة جاءت إلى مصر من طرف غير عربى"!!
إنتهى الاقتباس المنشور منذ نحو خمس سنوات.. لكننا لا نقرأ!!
طبيعى أن يستخف الذين يحكمون مصر بعلم وفكر "جلال أمين" وأمثاله.. وطبيعى أن يتجاهله "الطبلجية" لكى يفوزوا بالمناصب والمكاسب.. ومؤسف أنهم يعز عليهم أن "يخلو لى الوطن" بحسب أغنية – بكائية – شهيرة للفنان "لطفى بوشناق" وقد كانت صرخة تدمى القلوب!!
يطاردنا الذين لا تربطهم بالوطن غير حساباتهم فى البنوك, بأن مصر تتعرض لحروب "الجيل الرابع والخامس".. وأكاد أقطع أنهم لا يعرفون عنها شيئا.. وأستطيع القول أنهم هم أنفسهم الأسلحة التى تقذف العقل المصرى بالجهل والكذب والزيف طوال الوقت.. بدعوى محاربة الشائعات.. ولو علموا أن الشائعات تنمو وتترعرع فى ظلام الاستبداد, لأصابهم الخجل مما يقولون!!
شعبنا لا يفهم غير أن "الدولار" أصبح سيدنا.. وأن "الجنيه" غرق بدعوى "تعويمه" منذ أكثر من عشرين عاما.. وسبق أن نعاه الصديق "جمال بخيت" الشاعر المبدع حين كتب قصيدته الشهيرة "مات الجنيه" قبل نحو 15 عاما.. لكنه راح "يغرق" و"يغرق" عندما أصبح "صندوق النقد" هو صاحب الأمر والنهى.. وشعبنا لا يفهم غير أن أسعار الأسماك تضاعفت, بعد إنفاق مليارات على تطهير البحيرات وإنشاء المزارع السمكية.. كما أن شعبنا لا يفهم غير أن "الأرز" أصبح سلعة رفاهية, لحظة الرعب من خنق مصر عبر "سد النهضة" الذى تحدث عنه "جمال عبد الناصر" فى خطاب تأميم "قناة السويس" الشهير وشرح حكايته!! وجاء يوم تابعنا فيه مواجهة هذا الخطر, بأن طلب الرئيس من "آبى أحمد" أن يقسم أنه لن يضر مصر, فى سياق "دبلوماسية البركة" التى اعتمدناها ضمن "التحالف الرباعى" ضد "قطر" ثم وقعت الكارثة.. وشعبنا مذهول من التفريط فى صناعة "الحديد والصلب" والسينما و"الكوك" والدواجن, ولا يصدق أن الحكومة تبيع الجنسية المصرية مقابل دولارات فى زمن"الصناديق الغامضة".. بعد أن تم تدمير الصحافة والإعلام فى وقت أظلمت فيه المسارح.. حتى لا تتكرر جريمة مسرحية "ع الرصيف" وغيرها!!
يمكن أن نسمع أغنية "الإنجازات" التى لا تطربنا, لأنها "كلام فارغ" من أى مضمون.. فنحن لا نفهم.. كيف ننفق تريليون و800 مليار على مشروعات الطرق والمواصلات, ثم يموت أبرياء ويصاب مواطنون طحنهم الفقر فى حوادث أخرها حادث قطار قليوب؟!.. ويأخذك الجنون حين تتابع شعب "اليونان" ينتفض متظاهرا ضد حكومة بلاده بسبب حادث قطار.. وشعب "فرنسا" يشعلها نارا فى مواجهة حكومة تحاول أن تفرض عليه قانون بمد سنوات الخدمة.. وشعب "إسرائيل" يتحدى محاولات الاعتداء على القانون.. وكل هذه الأحداث يقدمها إعلامنا على أنها دليل وبرهان على عدم استقرار هذه المجتمعات الحية!!
يحدث ذلك لأننا عشنا فى الأيام السابقة ذكرى رحيل "حسنى مبارك" التى تحولت إلى صخب بالدعاء له.. وعشنا أيام أفراح وليالى ملاح, لمجرد تطبيق القانون بسجن "مرتضى منصور" لمدة شهر!!.. وكما تابعنا أن سجن "صفوان ثابت" كان انتصارا على الإرهاب.. رأينا أن الإفراج عنه دليل على العدل باعتباره "رجل وطنى" كما قال أحد "الطبلجية"!!.. فنحن لا نعرف.. لماذا سجنوه.. ولا سر الإفراج عنه؟!.. لكن الأمر حمل مصدر سعادة لهؤلاء "الطبلجية" الذين أدمنوا النتهازية.. وهؤلاء يحاولون التعتيم على حكاية "يحيى حسين عبد الهادى" مدافعا عن الوطن من خندق العسكرية المصرية.. وهو فعلها على درب "عبد المنعم رياض" الذى لم يلق ما يستحقه فى ذكرى رحيله!!
يسألونك عن سر صمت الشعب المصرى؟!
قل أنه يحاول استيعاب ما تعرض منذ نصف قرن!!
لا تتعجلوا شعبا لا يصدق أن "نظرية البركة المزعومة", تحكمنا فى القرن الواحد والعشرين!!
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق