مجدي الحداد يكتب : معادلة الأهم والمهم


معروف في دنيا المال والأعمال أن راس المال جبان ، وأن رجل الأعمال لا يبحث إلا عن الصفقات المربحة على حساب أي شيء ، حتى ظهر إلى العلن حتى ما يسمى بأثرياء الحرب ،أي الذين يثرون على حساب هدم دول وإراقة دم ربما شعوب بأسرها .

إذن الربح هو الهدف والوسيلة وربما دين وديدن جل رجال الأعمال ــ إلا من رحم ربي طبعا. ولكن لفت نظري مقال لرجل أعمال عربي إماراتي يمكن أن يقال عنه وطني ومستنير بحق ، وذلك في موقع CNN  العربي . و كلام هذا الرجل يدين ويجرم ما يقوم به النظام الحالي في مصر ، على الرغم مما تعصف من مصر بأزمات اقتصادية حادة ، ومايحيق بالعالم من أزمات أخطر من جائحة كورونا نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا .

فدولة الإمارات ، والتي تعد واحدة من أغنى دول الخليج ، أو حتى أغنى دول العالم ، ولو أعتمدنا فقط على متوسط الدخل السنوي للفرد قياسا بدول أخرى متقدمة صناعية وغنية أيضا ، ثم هي بلد " الرز " ــ ووفقا للتعبير المبتذل لمن دمر مصر وشعبها ، و نال من قدرهما وبما لم ينل منهما من قبل أي عدو أو نظام أخر حكم مصر على مدى التاريخ ! ــ ظهر بها رجل أعمال ــ ويقال أنه من أبرز رجال الأعمال في الإمارات ــ وهو خلف أحمد الحبتور ، ويقول حرفيا : 

" في ظلّ كل هذه المعطيات، يجب أن يشكّل تحصين اقتصادنا ومجتمعنا ومؤسساتنا الأولوية القصوى، وذلك عبر اعتماد أسلوب العمل ضمن معادلة الأهم والمهم. أشدد على ذلك ليس من باب التشاؤم، بل من منطلق التفاؤل والحرص على حماية أنفسنا. في مثل هذه الأجواء العالمية المشحونة والخطيرة، لا بد من وضع جدول نسبي لتحديد المهم، والتركيز على الأهم. في الماضي القريب، أخذتنا أزمة كورونا على ذي غفلة. فهل نقف مكتوفي الأيدي نترقب الانهيار التام بسبب تطور دراماتيكي سريع وفجائي في العالم يتسبب بتوقيف العجلة الاقتصادية؟ "

تصور لما يكون هذا الكلام صادر عن أهم رجل أعمل إماراتي ، و لا يبحث هنا عن الربح بقدر مايبحث عن مصالح بلاده ، وديمومة الاقتصاد من خلال استمرارية عجلة العمل والحياة لكل المجتمع الإمارارتي ، وليس لطبقة الأثرياء فقط ، أو رجال الأعمال فقط ، أو الجيش الإماراتي ،أو الشرطة الإماراتية ، أو القضاء الإمارارتي فقط !

ولما نرى في المقابل مصر المدينة للإمارات ، فضلا عن الفشل الاقتصادي الذي نعانيه ونعاني إرهاصاته الآن . وقد بُح صوتنا عندما نادينا مرارا وتكرارا بضرورة التوقف فورا عن المشاريع الغير مدروسة ، والتي لا تدر ربحا ، ولا تنفق على نفسها ، و إعطاء الأولوية للمشاريع كثيفة العمالة ، والمنتجة ، والقابلة منتجاتها للتصدير والمنافسة في السوق ، ويمكن أن تنفق على نفسها . وعدم إهدار العملة الصعبة والمالية المصرية ، في بناء مدن جديدة لا يقدر على دفع إيجارها أحد من غالبية الشعب ــ ناهيك هنا عن إمتلاك أي وحدة سكتنية بها ، وحيث لا تقل ثمن الوحدة غالبا عن المليون جنيه ــ أو مشاريع ليست لها أي أولوية ، أو حتى أهمية تذكر.

 وفي ذروة تلك الأزمة التي تعيشها مصر الآن ــ وكذا العالم كله نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وكما ألمح لذلك الحبتور ــ وندرة، أو حتى انعدام وجود الدولار، ولجؤ النظام إلى إصدار أذون خزانة دولارية بقيمة 1.5 مليار دولار، وبفائدة 11% ، لتسديد قروض أخرى بقيمة 1.25، وبفائدة 5.5 % ثم كلام عن بيع، أو منح امتياز لقناة السويس ل 99 سنة لأجانب ، ثم بيع العديد من الشركات المربحة، وفي صفقات مشبوهة وغير معلنة ، وبلا أي شفافية ، من أجل تسديد أقساط القروض وفوائدها ، أو من أجل الاقتراض مرة أخرى ، ثم يطلب من الشعب وبكل بجاحة يستحمل مرة أخرى ــ وكأن أكثر من 100 سنة ماضية غير كافية لتحمل هذا الشعب رزائل وسلب ونهب واستخفاف كافة أنظمته به ! 

وفي ظل كل ذلك إذن ، وغيره من كوارث و أزمات ــ غذائية وتموينية وصحية وتعليمية ــ وغيرها ...!ــ أعلن موقع  France 24 العربي ــ وليس أي موقع مصري، ولا جريدة مصرية واحدة، ولا قناة ولا فضائية مصرية، مما تهدر عليهم جميعا المليارات، وبلا أي طائل ! ــ أن مجموعة الإنشاءات الفرنسية "ان جي إي" قد تعاقدت الخميس الماضي مع الحكومة المصرية للمشاركة في تنفيذ خط القطار فائق السرعة الذي سيربط بين ساحلي البحر الأحمر والبحر المتوسط في البلاد ــ بالشراكة مع شركة سيمنز ــ بتكلفة قدرها 4.45 مليار دولار!. 

ذلك فضلا عن توقيع الحكومة في 2019 عقدا لتنفيذ مشروع كبير آخر في مجال النقل وهو إنشاء خطين للقطار المونوريل المعلق في القاهرة بقيمة 4.5 ملياردولار، ووقع العقد مع تحالف شركات يضم شركة بومباردييه للنقل الكندية وشركتي أوراسكوم للانشاءات والمقاولون العرب من مصر.

أي أن إجمالي تكاليف تلك المشاريع ، واللي ملهاش 30 لازمة ، يصل إلى 9.95 مليار دولار !

وبعدين يقولك حرب أوكرانيا وروسيا ، وكورونا ، والزيادة السكانية ، و25 يناير ، و" عرت كتفها " ، وأزمة الدولار وبيع الأصول !

والسؤال هو ؛ هو أنت مثلا عايز تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط  برا ، وتستغنى عما يربط بينهما بحرا ؛ أي قناة السويس ، و علشان يكون ده مبرر لبيعها والتفريط فيها ، أو مقدمة لذلك ؟!

علما بأن ما يسمى بالقطار فائق السرعة ــ وهو بالمناسبة 250 كم ساعة ، والمغرب حصلت على ما هو أفضل منه ، وبربع التكلفة تقريبا أي حوالي ملياري دولار ، وبسرعة 350 كم ساعة ــ سيخدم حوالي مليون فرد فقط  لا غير ، أي حوالي 1% من الشعب . 

هل تتذكرون ما كان يسمى بمجتمع ال 5 % إبان العهد المليكي ، ها نحن تطورنا ــ بالسالب طبعا ــ وصرنا إلى مجتمع ال 1 % !

ترى هل هذا هو ال 1% الذهبي المصري !

لا افهم كيف بفرد واحد يعيث كل هذا الفساد ، والتجريف و إهدار كل ما له قيمة مادية ومعنوية ، والكل بيتفرج ؛ مؤسسات وافراد !

هل أُصبنا جميعا بالشلل ؛ فلا أحد منا قادر حتى على مسائلته ، فضلا عن وقفه عند حده ؟!

هل نحن منتظرين ضياع ، أو بيع البلد ، أو السقوط الاقتصادي المدوي ، أو حدوث لا قدر الله مجاعة ، وبعد كدا نفكر ؛ هنعمل ايه ، وغير قادرين تماما على اتخاذ اية إجراءات وقائية ، وعلى الرغم من علمنا جميعا بكل ما يحيط ويحيق بنا من مخاطر وأخطار وكوارث وشيكة ؟!

هو احنا مش قادرين نتعلم حتى من الإمارات ، ما هذا الدرك الذي انحدرنا إليه جميعا ؟!

تعليقات