في 26 ديسمبر من عام 2019 ، خطت الحكومة المصرية والجنرال السيسي خطوة جديدة وخطيرة فى بيع كل أصول الدولة ، وذلك بإدخال تعديلات جديدة على القانون رقم (177) لسنة 2018 بهدف تحصين قرارات رئيس الجمهورية وعقود صندوق مصر السيادي ، بما يجعل من المستحيل على أى طرف أو شخص طبيعى أو معنوى الطعن على التصرفات المالية التى يقوم بها هذا الصندوق والقائمين عليه . حيث جاء فى تلك التعديلات المقترحة الأتى :
- ينص المشروع في مادته الأولى على أن يستبدل بعبارة ” صندوق مصر” عبارة ”صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية” أينما وردت في القانون رقم 177 لسنة 2018 وفي أي من القرارات .
- ونص مشروع القانون في مادته الثانية على أن يُستبدل بنصوص المواد( 3 و 6 فقرة ثالثة ، و19 فقرة أخيرة من القانون رقم 177 لسنة 2018 (المواد التالية :
-مادة3) ) وتنص على أن الصندوق يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله، أو أموال وأصول الجهات والكيانات المملوكة للدولة ، أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة للدولة، أو تساهم فيها التي يُعهد إلى الصندوق بإدارتها، وفقاً للضوابط المنصوص عليها في النظام الأساسي، وتحقيق الاستغلال الأمثل لتلك الأموال والأصول وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية؛ لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة، وللصندوق في سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة.
-كما تنص المادة الثالثة من مشروع القانون على أن يضاف للقانون رقم 177 لسنة 2019 بإنشاء صندوق مصر، مواد جديدة بأرقام( : (6 مكررا، و6 مكررا أ ، و 6 مكررا ب ) بحيث تنص المادة ( 6 مكررا) على أن يُودع قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول المنصوص عليها بالمادة (6) من القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر مكتب الشهر العقاري المختص، بغير رسوم، ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية.
( أى أن قرارات رئيس الجمهورية الجنرال السيسي سوف تصبح من الأن فصاعدا لها قوة الإشهار القانوني فى نقل وبيع والتصرف فى اصول الدولة دون رقيب أو حسيب )
وبهذا أصبح الصندوق مهيمنا هيمنة مطلقة على كافة أصول الدولة إينما كانت وتتبع لأى وزارة ، أو مصلحة حكومية.
- حظر الطعن فى قرارات رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول أى بيعها : ولعل أخطر ما جاء فى هذا القانون ولم يسبق له أن جرى طوال الخمسين عاما الماضية ، هو ما جاءت به المادة (6 مكرر أ ) حيث نصت على :
( أنه مع عدم الإخلال بحق التقاضي، يكون الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول، أو الإجراءات أو التي اتخذت بناء على هذا القرار، من الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكية ذلك الأصل دون غيرهما، ولا ترفع الدعاوي ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استناداً لتلك العقود، أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد، دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة أحد أطراف التعاقد، أو التصرف في إحدى الجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وكان العقد أو التصرف قد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة. كما نصت المادة (6 مكرر ب ) على : ( أنه مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضي المحكمة، من تلقاء نفسها، بعدم قبول الطعون، أو الدعاوى المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة(6 مكررا أ) من هذا القانون المقامة من غير الأطراف المذكورين فيها ) .
تحصين قرارات رئيس الجمهورية
وهكذا حصن رئيس الجمهورية قراراته – بالمخالفة لنصوص الدستور المصرى وكل الدساتير فى الدول المتحضرة – من دعاوى الإلغاء ورغبة أطراف وطنية فى حماية الموارد والقدرات والأصول المملوكة للدولة والمجتمع المصرى .
(4) قيد الأصول المحالة لصندوق مصر السيادي بالقيمة السوقية ، فقد نصت المادة( 6 فقرة ثالثة) فأصبحت تنص على أن يتم قيد الأصول في دفاتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقاً لقواعد وإجراءات التقييم التي يحددها النظام الأساسي، وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون، ولمجلس إدارة الصندوق أن يعهد بإجراء التقييم إلى أحد بيوت الخبرة العالمية في الأحوال التي تقتضي ذلك.
(وهكذا وبنص القانون - وليس أوامر وقرارات إدارية يمكن الطعن عليها - أصبح اللجوء إلى المؤسسات الدولية وبيوت الخبرة الأجنبية والمكاتب الإستشارية الأجنبية هى صاحبة الولاية فى التقييم وتقدير الأصول ) .
-أما المادة (19 فقرة أخيرة ) : فتنص على أن ترد الضريبة على القيمة المضافة التي تسدد من الصناديق الفرعية، أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق بنسبة تزيد على 50%من رأسمالها، في حدود نسبة مشاركته فيها، وذلك كله دون الإخلال بأي إعفاءات منصوص عليها في أي قانون آخر.
كما نص القانون على رد ضريبة القيمة المضافة التي تسددها الصناديق والشركات التابعة لمصر السيادي .
• وقد صدر القانون فعلا برقم (197) لسنة 2020 ، بتاريخ 27/9/2020 ، وتضمن نفس المقترحات مع إجراء مناورات شكلية مثل إدخال مادتين جديدتين هما ( 6 مكرر، و6 مكرر أ ) بدلا من ثلاثة ، ولكنه بسلوك اللصوص الأغبياء قام بضم المواد الثلاثة المقترحة فى مادتين فقط ، والهدف منهما تحصين قرارات نقل الملكية ( بالبيع أو التأجير المنتهى بالتملك أو الترخيص بالانتفاع أو المشاركة كحصة عينية ) التى يقوم بها رئيس الجمهورية وتصدر فى صورة عقود ، وإلزام المحاكم بعدم قبول دعاوى الإبطال أو الإلغاء من طرف ثالث ، مثل النقابات أو العاملين فى تلك المنشأت أو الشخصيات العامة ، أو أى صاحب مصلحة فى إلغاء هذه التصرفات الضارة بالقدرات والموارد المصرية المملوكة للمجتمع المصرى فى مجموعه ، وبأعتبار قرار رئيس الجمهورية بنقل الملكية بمثابة وثيقة توثيق لدى الشهر العقارى بدون سداد رسوم توفيرا للمستثمر أو المنقول إليه الأصل (194).
كما أدخل القانون المعدل عبارة أو فقرة جديدة على المادة (8) فى غاية الخطورة ، حيث نص على أن يكون ( لمجلس إدارة الصندوق أن يعهد بإجراءات التقييم إلى واحد أو أكثر من بيوت الخبرة العالمية المصرية أو الأجنبية ، وذلك كله وفقا للضوابط التى يضعها مجلس الإدارة ) وهكذا أصبحت بيوت الخبرة الأجنبية أو حتى المصرية المرتبطة بالأجانب ( مثل بيكر أند ماكينزى فى القاهرة ) حاضرة بقوة القانون هذه المرة ، وليس مجرد رأى إستشارى قد نأتى بها أو لا نأتى بها ، وقد عرفنا ما قامت به بيوت الخبرة الأجنبية منذ تطبيق برنامج الخصخصة وبيع الأصول المملوكة للدولة منذ عام 1992 ، ومقدار الخراب ونهب المال العام الذى شاركت فيه ، وبهذا تصبح الأصول المصرية التى فى حوذة هذا الصندوق ( اللقيط ) خاضعة لقوى وأطراف أجنبية ودولية محاطة بالكثير من الشكوك وبعلاقاتها المريبة بدوائر المال والأعمال الأجنبية والصهيونية .
كما أدخل أضافة جديدة فى غاية الخبث والدهاء على المادة (11) ، فبعد أن اسندت المادة مراجعة حسابات الصندوق لمراقبا حسابات أحدهما من الجهاز المركزى للمحاسبات ، والأخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزى أو الهيئة العامة للرقابة المالية ( ورؤساء هذا الجهات تخضع لسلطة رئيس الجمهورية خصوصا بعد تجربة العصف بالمستشار هشام جنينة وسجنه خمس سنوات فى تهم محل شك كبير ) ، نصت الفقرة على أن تعرض حسابات الصندوق وخطتها على الجمعية العمومية خلال ثلاثة أشهر من إنتهاء السنة المالية ، وعلى رئيس الجمهورية ، ثم اضاف وعلى رئيس مجلس النواب ، دون أن يقول بالعرض على مجلس النواب ذاته ، وهنا ليس هناك إلزام بأن يقوم رئيس مجلس النواب ، بعرض هذه التقارير الحسابية على الجهاز الرقابى والتشريعى الأول ، فترك أمر العرض متروكا بحرية إلى رئيس المجلس فقط ؟؟ وأخرجها بالتالى من صلاحيات مجلس النواب .
وأخيرا ووفقاً للمادة الرابعة من مشروع القانون، يصدر رئيس مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص، قراراً بتعديل النظام الأساسي لصندوق مصر لتنفيذ أحكام هذا القانون.
أكبر تلاعب دستوري وقانوني
هكذا بوضوح تام نحن إزاء أخطر وأكبر عملية تلاعب قانونية ، ودستورية من أجل بيع وتهريب الأصول المصرية المملوكة للدولة والتى بناها الشعب المصرى طوال سبعين عاما سابقة ، فالمشترى حاضر ، والبائع متلهف على البيع غير العادل وما أخفى كان أعظم ؟؟
الهوامش
(1)لمزيد من التفاصيل حول هذه الحقبة التاريحية يمكن الرجوع إلى :
- نك روبينز " الشركة التى غيرت العالم " ، ترجمة كمال المصرى ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2009 .
2- جون إم . هوبسون " الجذور الشرقية للحضارة الغربية " ترجمة منال قابيل ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2006 .
- ها . جون تشانج " ركل السلم بعيدا .. استراتيجيات التنمية والتطور قديما وحديثا " ، ترجمة سجينى دولارمانى وعمر الرفاعى ، القاهرة ، مكتبة الشروق الدولية ، 2007 .
(3) د. محمد دويدار " الاتجاه الريعى فى الاقتصاد المصرى " الأسكندرية ، منشأة المعارف ، 1983 .
(4) لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتابنا " النفط والأموال العربية فى الخارج .. خمس دراسات فى الاقتصاد الدولى المعاصر " ، القاهرة ، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية ، 2002 ، ص 74 وما بعدها
(5) كما يشير بذلك Alan Beatty فى جريدة الفايننشيال تايمز ( 28/أكتوبر عام 2008 ) .
(6) عبد الخالق فاروق " النفط والأموال العربية فى الخارج " ، مرجع سابق .
(7) أنظر للكاتب مقال قانون الخصخصة الجديد والصكوك الشعبية ، جريدة البديل ، بتاريخ 7/12/2008 .
(8) الجريدة الرسمية ، العدد (33 مكرر) بتاريخ 18/8/2018