بالرجوع إلى النظام الأساسي الذى صدر به قرار رئيس الوزراء رقم ( 555) لسنة 2019 ( الجريدة الرسمية ، العدد 9 تابع بتاريخ 28/2/2019 ) ، والذى أشتمل على 48 مادة ، لم نجد على الإطلاق تلك القواعد وإجراءات التقييم للقيمة السوقية لتلك الأصول ، مما يفتح الباب للكثير من علامات الاستفهام حول من سيقوم بالتقييم ، وعلى أى أسس اقتصادية وعلمية ، خصوصا وأن تجربة الخصخصة الإجرامية التى جرت فى مصر طوال ستة عشرة عاما ( 1992- 2008 ) ، والتى أدانتها المحاكم المصرية والقضاء المصرى ، مازالت ماثلة فى الأذهان .
- البيع .
- أو التأجير المنتهى بالتملك .
- أو الترخيص بالانتفاع .
- أو المشاركة كحصة عينية .
وذلك كله وفقا للقيمة السوقية ، وبما لا يقل عن التقييم الذى يتم على أساس متوسط القيمة المحددة بموجب ثلاثة تقارير من مقيميين ماليين معتمدين من الهيئة العامة للرقابة المالية ( التى يعين رئيسها من قبل رئيس الجمهورية ) والبنك المركزى المصرى ( الذى يعين محافظها ونوابه من قبل رئيس الجمهورية أيضا ) .
والحقيقة أن هذه التقارير ومن هذه الجهات تحديدا ، لا يمكن الارتكان إليها فى تحديد متوسط القيمة السوقية للأصل محل التصرف بالبيع أو التأجير أو غيرها من التصرفات التى من شأنها إهدار تلك الأصول بالبيع أو بجعلها ضمانة للقروض الهائلة التى يستهدف النظام ورئيس الجمهورية الحصول عليها ، خاصة فى ظل سيطرة جماعات مصالح فاسدة من جميع الأنواع والاتجاهات والتحالفات الدولية .
وهذا ما تكشفه بوضوح وجلاء نص المادة (7) من القانون التى نصت على أن هذا الصندوق سوف يقوم بالأنشطة التالية :
- المساهمة بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات أو زيادة رؤوس أموالها ( أقتباسا للمادة الثالثة من القانون سىء الصيت المسمى قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 لصاحبه وطباخ السم كله د. عاطف عبيد ) .
- الاستثمار فى الأوراق المالية المقيدة أو غير المقيدة بأسواق الأوراق المالية وأدوات الدين وغيرها داخل مصر وخارجها .
- الإقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين .
- شراء وبيع وتأجير وإستئجار وإستغلال الأصول الثابتة ( كالأراضى ) والمنقولة والانتفاع بها .
- إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة التى يملكها أو يساهم فيها مع الغير .
الصندوق منصة للاقتراض
وهنا بيت القصيد من هذه العملية كلها ، أن يكون هذا الصندوق منصة للاقتراض ، وبضمان هذه الأصول الضخمة التى سوف يجرى بيعها تدريجيا والتى قدروها بحوالى مائتى مليار جنيه ، أما تسديدا للديون التى أغرقناها فيها هذا الرئيس وجماعته ، أو تحقيقا لإيرادات لتغطية العجز فى الموازنة ببيع هذه الأصول للسماسرة العرب أو الأجانب .
أما المادة (12) فقد أقرت مبدأ فى غاية الخطورة يأتى فى سياق كل حرف من حروف هذا القانون الخطير حيث نصت على ( أن يدير الصندوق أمواله وأصوله بذاته ، كما له أن يعهد بإدارتها كلها أو بعضها إلى شركات ومؤسسات متخصصة فى إدارة الأصول ) .
وهنا مكمن أضافى للخطر ، فمثل تلك المؤسسات والشركات المتخصصة فى إدارة الأصول لا توجد سوى لدى الشركات والمؤسسات والبنوك الغربية وخصوصا الأمريكية والبريطانية ، برغم أن تلك الصناديق ومنها صناديق التحوط – التى كان يدير أحداها د . محمد العريان – لم تنجح فى إنقاذ الاقتصاد الأمريكى خصوصا والغربى عموما من الكارثة التى حلت به فى الأزمة العاصفة عام 2008 ، والتى ما زالت أثارها وتداعياتها قائمة حتى يومنا .
وعلى نفس المنوال الخطير والمدمر جاءت المادة (13) ، حيث نصت على أن ( للصندوق ( الأم ) تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية النظيرة ، والمصارف والمؤسسات المالية والشركات المصرية والأجنبية ، أو أى منها دون التقيد بالقواعد والنظم الحكومية) . وبرغم إحالة المادة إلى النظام الأساسى لوضع الضوابط ، فأننا وبالرجوع إلى قرار رئيس الوزراء بشأن النظام الأساسى رقم (555) لسنة 2019 ، لم نعثر على اية إشارة لتلك الضوابط والمعايير والقواعد ، بل على العكس تماما ، جاء فيها التأكيد على أن كل هذه العمليات الكبرى من بيع وتأجير وإنتفاع وإقتراض سوف تتم بعيدا عن القواعد والنظم الحكومية ، مما يزيد من ظلال الشك والقلق على مصير تلك الأصول وطريقة التصرف فيها بعيدا عن أية رقابة حقيقية كما جرى فى برنامج الخصخصة ( 1992- 2008 ) السىء الصيت .
ولهذا جاءت المادة (14) التى نصت على أن ( الصندوق والصناديق الفرعية التى يؤسسها أو يشارك فى تأسيسها من أشخاص القانون الخاص أيا كانت نسبةمساهمة الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام فيها ، ولا يتقيد أى منها بالقواعد والنظم الحكومية ) .
والحقيقة فأن هذا الإصرار على أبعاد أى نوع من الرقابة بما فيها رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات على هذا الصندوق والصناديق الفرعية التابعة ، برغم إمتلاكه لأصول الدولة المصرية وأراضيها غالبا ، يضع ألف علامة إستفهام حول نوايا القائمين على هذا الأمر والدوافع الحقيقية لإنشاء هذا الصندوق ، تماما كما هو حالة صندوق ( تحيا مصر ) ، الذى لا يعرف عنه المواطن المصرى والرأى العام والمتخصصين فى الاقتصاد المصرى ، حجم إيراداته وحجم نفقاته ومدى الجدوى من تلك النفقات وغيرها .
وقد زادت المادة (19) فنصت على ( إعفاء كافة المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم وما فى حكمها ) ، وإن كانت قد أبقت على الرسوم والضرائب على معاملات الصناديق الفرعية التى يساهم فيها الصندوق ( الأم ) ، كما أبقت على الضرائب والرسوم على توزيعات الأرباح الناتجة عن معاملات الصندوق ( الأم ) أو الصناديق والشركات الفرعية .
وقد عرفت المادة (30) من النظام الأساسى الصادر بها قرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019 المعاملات البينية بأنها ( جميع التعاملات والتصرفات القانونية التى تتم بين الصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل ، سواء أتخذت هذه الكيانات شكل صناديق فرعية أو شركات متمتعة بالجنسية المصرية أو جنسية أية دولة أجنبية أخرى ) .
كما ذكرت الفقرة الثانية من المادة (30) من النظام الأساسى ( أن هذا الإعفاء من الرسوم والضرائب سوف يتم طبقا للضوابط التى يصدر بها قرار من وزير المالية بالتشاور مع الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) ، ويندرج تحت إطار المعاملات البينية على سبيل المثال التعاملات التالية :
- عمليات البيع والشراء والاستغلال والانتفاع .
- عمليات الإيجار والاستئجار .
- عمليات الإقراض والإقتراض .
- تأثير الصندوق على الخزينة العامة
- وهنا مناط جديد للضرر ، خصوصا إذا عرفنا أن هذه التعاملات من الضخامة المالية والاقتصادية من ناحية ، وكذا فأن إنتقال ملكية هذه الأصول والشركات غيرها إلى هذا الصندوق قد حرم الخزينة العامة من مصادر للدخل والإيرادات السيادية متمثلة فى الرسوم والضرائب بكافة أنواعها التى كانت تدفعها قبل أنتقال ملكيتها إلى هذا الصندوق ، أى مزيد من الخلل فى الموازنة العامة للدولة . كما أن أعفاء الشركات والصناديق التى يشارك فيها الأجانب سواء كانوا عربا أو عجما يعنى نقل جزء من الثروة المصرية لصالح هؤلاء على حساب الشعب المصرى والخزينة العامة المصرية .
ولمزيد من الكرم وعملا بالقول المأثور ( أعطى من لا يملك مزايا لمن لا يستحق ) فقد نصت المادة فى فقرتها الثانية على أنه ( وذلك كله دون الإخلال بأى أعفاءات منصوص عليها فى أى قانون أخر) سواء كان قانون الاستثمار الجديد رقم ( ) لسنة 2018 ، أو قانون الضرائب على الدخل رقم (91) لسنة 2005 وتعديلاته ، أو قانون المجتمعات العمرانية الجديدة ( رقم 59) لسنة 1979 وتعديلاته أو غيرها .
أما المادتين (15) و (18) فقد خصصتا لتشكيل مجلس إدارة هذا الصندوق ، وكذا الجمعية العمومية له ، ووفقا للمادة (15) يشكل مجلس إدارة هذا الصندوق بقرار من رئيس الجمهورية – بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء – ويتكون المجلس من عشرة أشخاص هم :
- الوزير المختص ( أى وزير التخطيط ) رئيسا لمجلس الإدارة غير التنفيذى .
- خمسة أعضاء مستقلين – ولا نعرف مستقلين عن من ؟ - من ذوى الخبرة .
- ممثل عن كل وزارة من الوزرارت المعنية بشئون التخطيط والمالية والاستثمار .
- مدير تنفيذى للصندوق متفرغ لإدراته ويمثله فى صلاته مع الغير وأمام القضاء .
أما المادة (18) فقد نصت على تشكيل الجمعية العمومية للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية ويتكون من (12) عضوا هم :
- رئيس مجلس الوزراء رئيسا للجمعية العمومية .
- الوزير المختص ( وزير التخطيط ) .
- الوزيرين المعنيين بالشئون المالية والاستثمار .
- أحد نائبى محافظ البنك المركزى المصرى .
- بالإضافة إلى سبعة أعضاء من ذوى الخبرة فى المجالات المالية والاقتصادية والقانونية ،وفى إدارة الصناديق النظيرة ، والشركات الاستثمارية العالمية يرشحهم رئيس مجلس الوزراء .
فإذا تأملنا فى هذا التكوين ، سواء مجلس الإدارة ، أو الجمعية العمومية ، فسوف نكتشف ببساطة أن لدينا حوالى 10 أشخاص على الأكثر يسيطرون تماما على هذا الصندوق الضخم وفروعه وشركاته ، ولرئيس الجمهورية الحق المطلق فى تعيينهم وفى عزلهم .
ومن العرض السابق نشير إلى مجموعة من الملاحظات الجديرة بالتسجيل وهى :
أولا : أننا بصدد مشروع يحمل الكثير من المخاطر ، والمرجح عندنا أنه إستكمال لمسار الخصخصة وبيع الأصول العامة ويزيد عليها هذه المرة ، الإقتراض بضمان هذه الأصول .
ثانيا : أن الدور المنوط للأجانب فى إدارة هذا الصندوق والصناديق الفرعية والشركات دور رئيسى ومؤثر ، ولا نبالغ إذا قلنا أنه المقرر والمخطط والمنفذ على أرض الواقع ، ووفقا للمادة الأولى من النظام الأساسى فأن مدير الاستثمار لهذا الصندوق ( شركة أو مؤسسة متخصصة فى إدارة الأصول يعهد إليها بإدارة الأصول أوالاستثمارات المنصوص عليها فى المادتين (12) و (13) من قانون الصندوق وفقا لإتفاقية إدارة الاستثمار الموقعة بين الصندوق ومدير الاستثمار . وإذا أضفنا دور أمين الحفظ الذى عرفته المادة الأولى من النظام الساسى بأنه ( شركة أو مؤسسة متخصصة فى نشاط أمناء الحفظ يعهد إليها بأعمال أمين الحفظ لحافظة الأوراق المالية المملوكة للصندوق وفقا لإتفاقية موقعة بين الصندوق وأمين الحفظ ، وكذا دور المدير التنفيذى الذى من الأرجح أن يكون أجنبيا ، فنحن إزاء سيطرة الأجانب على الأصول المصرية المتبقية فى ذمة الدولة المصرية .
ثالثا : والغريب أن يكون الصندوق من أشخاص القانون الخاص ولا يتقيد بالقواعد والنظم الحكومية ، ثم تتولى الخزانة العامة تسديد الجزء المدفوع من رأسماله قدرها مليار جنيه دون أن تحصل الخزانة العامة على أى مقابل لهذا
رابعا : ووفقا للمادة العاشرة من النظام الأساسى للصندوق والخاص بتحديد الحد الأقصى لمدة تنمية الأراضى الفضاء المملوكة للدولة أو شركاتها ، فأن الخطير أن هذه الأراضى التى يركز عليها القائمون على هذا المشروع الخطير خى جزء من الهيكل المالى والاقتصادى لهذه الشركات العامة ، ونزعها أو نقل ملكيتها من هذه الشركات بدعوى عدم الاستغلال ، من شأنه أن يخل بالتوازن المالى والاقتصادى لتلك الشركات العامة .
خامسا : ولم ينسى القائمون على هذا المشروع الخطير إسترضاء بعض جماعات المصالح وشلل المنتفعين ، فقد نصت المادة (15) من النظام الأساسى ضمن أختصاصات الجمعية العمومية ( أقتراح تشكيل مجلس إستشارى متخصص فى المجالات ذات الصلة بأغراض الصندوق لتقديم المشورة فى سياسات الاستثمار ويصدر بتشكيلة قرار من رئيس الجمهورية ) وهو ما يذكرنا بالجمعيات العمومية التى أنشأها قانون الخصخصة الشهير رقم (203) لسنة 1991 ، والذى كون جمعيات عمومية لكل شركة من الشركات القابضة والشركات التابعة وكل للمكافآت الهائلة التى كان يحصل عليها عؤلاء الأعضاء فعل السحر فى القبول والموافقة على ما جرى من جرائم خصخصة وبيع الشركات العامة بأبخس الأثمان كما سجلته أحكام المحاكم الإدارية .
ويزيد على ذلك نص المادة (33) من النظام الأساسى بتكوين مجالس إدارات للصناديق الفرعية ويتراوح عدد أعضاء مجلس إدارة كل صندوق فرعى بين 11 عضوا إلى 15 عضوا ، تكون عضويته لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى ، وغالبا سيكونوا من جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية .
كما يكون للصندوق الفرعى تعيين مدير للاستثمار قد يكون شركة أو مؤسسة متخصصة مصرية أو أجنبية ، ولكل صندوق فرعى نظام اساسى جديدومستقل ( م 34 ) . وله حق الإقتراض والإقراض .
سادسا : لم يضع النظام الساسى الضوابط المطلوبة لتجنب تعارض المصالح ، أنما تركها ليضعها النظام الأساسى لكل صندوق فرعى على حدة .
وتكشف المادة (38) من النظام الأساسى للصندوق ( الأم ) أن مجلس الإدارة يتولى وضع نظم الرقابة على الصناديق الفرعية وكذا اللوائح والنظم الداخلية الخاصة بمتابعة أداءها دون الإحلال بإستقلالية تلك الصناديق الفرعية
سابعا :وقد أوردت المادة (39) من النظام الأساسى مبدأ ( ترحيل الفائض للصندوق ( الأم ) أو الصناديق الفرعية من عام إلى أخر ، وبالتالى لن يطل الخزانة العامة منها مليما واحدا ، كما نصت المادة (42) على عدم التقيد بالقواعد والنظم الحكومية بشأن مراجعة حساباتها أو الحد الأقصى للأجور وغيرهامن القواعد .
وإذا جاز لنا أن نصف هذا القانون بصفة ، فهو أكبر مثال على الفساد بالقانون ، وإهدار الموارد والقدرات الوطنية بالقانون .