د. عبد الخالق فاروق يكتب :مخاطر الصناديق السيادية للجنرال عبد الفتاح السيسى (7)


ماذا
عن ما يسمى الصندوق السيادي لمصر ؟ 

وفقا لما عرضناه في الحلقات السابقة، هل يمكن وصف الصندوق المزمع إنشائه فى مصر بأنه صندوق سيادى؟ 

الحقيقة .. كلا وذلك لعدة أسباب هى : 

السبب الأول أن مصر كدولة لا تمتلك فوائض مالية كما هو الحال فى دول الخليج العربى والدول النفطية عموما.

السبب الثانى : أن الأصول الاقتصادية التي تملكها الدولة المصرية مثل الأراضي والشركات العامة والمرافق العامة هي إصول للانتاج والخدمات وليست فوائض مالية بالمعنى الاقتصادي للكلمة . 

السبب الثالث: أن قراءة دقيقة للقانون الصادر بإنشاء ما يسمى الصندوق السيادى لمصر رقم 177 لسنة 2018، والنظام الأساسي لهذا الصندوق الصادر به قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 555 لسنة 2019، يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أننا بصدد أكبر عملية خداع إستراتيجي للشعب المصرى، حيث نحن بصدد إستكمال لبرنامج بيع الأصول العامة، والإقتراض بضمانها لشركات ومؤسسات وأفراد من الأجانب ومن العرب على وجه التحديد، كما سوف نعرض بعد قليل . 

السبب الرابع : هو أن السياق الذى تدار به الشئون الاقتصادية والمالية المصرية منذ عام 1976، تكشف درجة إستمراء القائمين على الحكم والإدارة لفكرة الصناديق والحسابات الخاصة، التي تخرج كميات مالية واقتصادية من الإدارة المالية المنظمة خصوصا الموازنة العامة للدولة، نظرا لضعف الرقابة على مثل تلك الصناديق والحسابات الخاصة، هكذا فعل الرئيس المخلوع حسني مبارك فى بداية حكمه -حساب تبرعات سداد ديون مصر-، وكذا رئيس الجمهورية الحالي الجنرال عبد الفتاح السيسي -صندوق تحيا مصر-. 

فكرة صندوق تحيا مصر 

ولم يكن طرح فكرة الصندوق الراهن جديدة، خاصة بعد أن بدا ان برنامج الخصخصة وبيع الأصول والممتلكات العامة الذى بدأ منذ عام 1992، يكاد يكون قد توقف عمليا بعد الأزمة الاقتصادية العاصفة التى حدثت فى الاقتصاد العالمى عام 2008، وهو ما دفع نظام الرئيس مبارك ولجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم -وقتئذ- إلى طرح فكرة قانون " الصكوك الشعبية فى ديسمبر عام 2008 " . 

ومع التصدى الواسع النطاق للفكرة ، جرى تداول فكرة أخرى على إستحياء وهى فكرة  إنشاء صندوق كوعاء يجمع بداخله كل الشركات والأصول الحكومية  بحجة إدارة أفضل لها، والإلتفاف على المعارضة الشعبية الواسعة لاستمرار برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة التي أودت فى النهاية إلى إهدار ما يقارب 150 إلى 200 مليار جنيه بسبب بيع 194 شركة من الشركات العامة خلال تلك المرحلة بأبخس الأثمان .  

الأن .. توافر ظرف جديد لتطبيق فكرة كان قد رفضها القطاع الأوسع من الشعب المصرى، والمتمثل فى وجود رئيس مندفع ، يحمل برنامج وأجندة غير معروفة الأبعاد، بدأها  عام 2016، بالتنازل عن جزء من الأراضى المصرية ( جزيرتي تيران وصنافير ) مقابل وعود بمساعدات اقتصادية من المملكة السعودية قدرها 25 مليار دولار، وذهب فيها إلى المدى الذى لم يسبقه فيه حاكم مصري سابق، وهو الإطاحة بأحكام قضائية من أعلى المحاكم المصرية، وضرب المؤسسات القضائية بعضها ببعض ( محاكم الأمور المستعجلة غير المختصة ثم المحكمة الدستورية العليا )، وكذلك خلق صراع بين القضاء ومجلس نواب مصطنع أمنيا، مما هدد أحد أهم أركان الدولة الحديثة ، وذلك من أجل تنفيذ ما وعد به حكام المملكة السعودية .   

وتذكرنا فكرة الصندوق السيادي فى مصر، بما جرى فى صناديق مشابهة كانت مصحوبة بالفساد مثل لجنة إدارة أملاك الدولة فى روسيا فى فترة انحطاطها فى عهد الرئيس المخمور بوريس يلتسن وجماعته عام 1992، وكذلك صندوق ماليزيا السيادي IMOB الذى شهد أكبر عملية فساد ونهب فى تاريخ ماليزيا فى عهد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق عام 2014، وإختفاء 4.3 مليار دولار من حساباته . 

فما هى الأحكام والنصوص القانونية التى أتى بها القانون رقم (177) لسنة 2018 ؟ 

تضمن القانون عشرين مادة ، بعضها إجرائي  وتنظيمي وبعضها الأخر موضوعي يضع أسس وقواعد خطيرة لإدارة الأصول المصرية المملوكة للدولة المتبقية من أكبر عملية بيع وإهدار للثروة الانتاجية المصرية، و يبلغ عدد هذه المواد الخطيرة ثلاثة عشرة مادة هى المواد ( 3-5-6-7-8-9-12-13-14-15-16-18-19) . 

  • فقد نصت المادة الأولى من القانون على أن يكون للصندوق موازنة مستقلة، ويعد الصندوق قوائم مالية سنوية وربع سنوية ، على أن يتم ترحيل الفائض من عام إلى أخر، بما يعنى أنه خارج الموازنة العامة للدولة تماما . 
  • وفقا للمادة (3) : وبعد الديباجة المعتادة فى مثل تلك القوانين التي صدرت منذ عام 1974 وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، حيث الهدف من إنشاء هذا الصندوق هو -المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله- لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة، وله فى سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة. أي أن الأهداف المحددة من إنشاء هذا الصندوق هي : 
  • المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة . 
  • إدارة الأموال والأصول الثابتة والمنقولة التي سيتم نقلها إليه . 
  • إستغلالها الإستغلال الأمثل وفقا للمعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها . 
  • من أجل الأجيال القادمة 
  • وبالتعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات الماليةالمختلفة . 
  • -المادة (5) : فقد حددت رأسمال الصندوق المرخص بمائتي مليار جنيه، بينما رأسماله المصدر خمسة مليارات جنيه، أما رأس المال المسدد فهو مليار جنيه فقط تسددها الخزانة العامة للدولة عند التأسيس، ويسدد الباقى وفقا لخطط فرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال ثلاث سنوات
  • هنا يثور التساؤل ما هو المقابل الذى ستحصل عليه الخزانة العامة للدولة مقابل تسدديها المليار جنيه الأولى من رأسمال الصندوق المصدر؟ لا يقدم لنا القانون ولا النظام الأساسى للصندوق الذي صدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء رقم 555 لسنة 2019.
  • أية إجابة حول هذا الموضوع، خصوصا أن الصندوق كما سوف نرى قد تحرر تماما من القيود والقواعد الحكومية، وأصبح شخصية مستقلة تماما عن الموازنة العامة والخزانة العامة للدولة . 
  • وبرغم ما ورد فى الفقرة الثانية لهذه المادة من حكم جواز زيادة رأسمال الصندوق نقدا أو عينا وفقا للضوابط الواردة فى النظام الأساسي، نكتشف بمراجعة النظام الأساسي الذي صدر بقرار رئيس الوزراء رقم (555) لسنة 2019، عدم وجود لتلك الضوابط المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من هذا القانون . 
  • بل أن الفقرة الثالثة من هذه المادة قد نصت على أن أموال هذا الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، مما يفتح الباب للتصرف فيها بالبيع والشراء وكافة التصرفات بعيدا عن السلطة التشريعية -مجلس النوابوبعيدا عن بقية أجهزة الدولة ورقابتها، أكتفاء بجمعية عمومية مكونة من 12 شخصا كما سوف نرى.
  • وجاءت المادة (9) لتحدد موارد الصندوق على النحو التالى : 
  • رأسمال الصندوق . 
  • الأصول التى تنتقل ملكيتها للصندوق . 
  • العائد من استثمار أمواله واستغلال أصوله . 
  • القروض والتسهيلات التي يحصل عليها، وحصيلة إصدار السندات والأدوات المالية الآخرى
  •  -الموارد الآخرى التى يقرها مجلس الإدارة . 
  • هنا مناط وجوهر العملية كلها، فنحن إزاء صندوق سوف توضع فيه كل الأصول المتبقية للدولة المصرية ( من أراضي – شركاتمشروعات وغيرها ) بهدف جعلها محل الرهن والضمان من أجل الحصول على مزيد من القروض الأجنبية والمحلية . 

5- فى المادة (6) : فقد منحت رئيس الجمهورية حقا مطلقا فى نقل ملكية أى من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة، أو لأي من الجهات التابعة إلى الصندوق بعد عرض رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص، أو أى من الصناديق التى يؤسسها والمملوكة له بالكامل، أما بالنسبة للأصول المستغلة فيكون العرض من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية وبالتنسيق مع الوزير المعنى. 

أي أن المادة قد ميزت من حيث الشكل بين الأصول غير المستغلة مثل الأراضى المملوكة للشركات أو الجهات الحكومية المختلفة، أو المبانى غير المستغلة، أو أى أصل أو معدات غير مستغلة .. الخ، والأصول المستغلة، والفارق بين النوعين شكلية، حيث الكل سوف يجرى نقل ملكيته إلى الصندوق الأم، أو الصناديق الفرعية التى سوف ينشأها الصندوق، أو الشركات المنشأة حديثا، والفارق بين الحالتين هى أن الأولى غير المستغلة لا تحتاج سوى إلى العرض من رئيس الوزراء ووزير التخطيط الوزير المختص على رئيس الجمهورية ليصدر القرار بنقلها، بينما الأصول من النوع الثانى المستغلة، يضاف إلى رئيس الوزراء ووزير التخطيط، الاتفاقوليس الموافقة- لكل من وزير المالية والتسيق مع الوزير المعني  الذي يتبعه هذا الأصل سواء كان شركة أو أراضي أو أوراق مالية أو غيرها. 

وهكذا سوف يجرى تسريب الأصول  المتبقية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى إلى أطار قانونى وتنظيمى جديد، فى شراكة مع المؤسسات  والبنوك والشركات الأجنبية، وتكرار تجربة القانون رقم 203 لسنة 1991، المسمى قانون قطاع الأعمال العام الذى جرى فى ظله أكبر وأخطر عملية لنهب وإهدار الأصول الانتاجية المملوكة للدولة والمجتمع المصرى، والتى أضاعت على الدولة المصرية ما يربوا على 150 إلى 200 مليار جنيه.

ومن ناحية آخرى، فأن تعبير الأصول غير المستغلة هو تعبير مطاط، يحمل فى داخله الكثير من إمكانيات التلاعب بقيمة الأصل أثناء عملية نقل ملكيته إلى الصندوق الأم أو الصناديق الفرعية أو الشركات التى سوف تنشأ بالتعاون والمشاركة مع المؤسسات الأجنبية والعربية . 

كما نصت  الفقرة الثانية من المادة (6) ، على أن يتم قيد هذه الأصول المنقولة فى دفتر الصندوق بالقيمة السوقية وفقا لقواعد وإجراءات التقييم التى يحددها النظام الأساسي، وبما لا يتعارض مع الآليات والأحكام المنصوص عليها فى المادة الثامنة.


الحلقة القادمة الثلاثاء 31 يناير 


تعليقات