قناة السويس
لا لست مضطرًا بعد اليوم من المرور على كهف الماضي
أو الغوص في بئر التاريخ ؛ لاستخلاص العبر ، أو لعمل إسقاط ركيك ، أو حتى القياس على نفس المقاس ، إنني اكتشفت مؤخرًا أن كل تلك المحاولات ليست غير نوع مهين من الاختلاس ، نعم إختلاس ، فالتاريخ بكل عبره وحكاياته ومآسيه وذلاته لم يكن يتوقع يومًا أننا بواقعنا هذا سنتفوق عليه ، وأننا نكتب بأناملنا المخضبة بالدماء ، أقذر مرحلة ، وأحط فقرة ، وأخبث مقال يمكن أن يكتب في عمر التاريخ ، نعم إنني أحد الضالعين في التضليل ، بل وإنني بكل أنواع الإعتذار لكم وللتاريخ مدين ، بل سأذهب لأبعد من ذلك ؛ ليس جلدًا للذات ولا محاولة بائسة لإبراء ذمتي ، وإنما إعترافًا متكامل الأركان ، أننا جميعًا مدانين من منبت شعرنا لإخمص قدمنا في الخيانة العظمى ضالعين لهذا الوطن الذي بات يكره وطئنا على أديمه ، ويئن من مجرد وجودنا فيه ، ويسد أنفه من رائحة فسادنا وإفسادنا له ولمقدراته ، وإني في لحظة صدق من قلب كم الزيف أراه محقًا إن ابتلعنا ، أو أمر أرضه أن تخسف بنا ، فما نحن إلا حفنه لصوص أشرار ، ليس لديهم أي مواهب ولا أفضلية سوى إرث متراكم من سيء الخصال ، فالجبن ، والخوف ، وفقدان الثقة ، والاهتزاز النفسي ، وعدم التخصص والاختصاص ، وفقدان الهوية واللاقضية ، نعم نحن جيل بلا قضية .
إن مصر في أحط عصورها وفي أضعف حالاتها في مقالي الآخير عن " المستنصر " " وشدته المستنصرية " ، برزت على رؤوس الأشهاد إمرأة ، صرخت بأعلى صوتها وقادت ثورة نسائية حتى وصلت قصر المستنصر وقالت : أين أنت يا من تدعى أنك " خليفة المؤمنين " ، أخرج يا مستنصر وقل لنا ماذا نفعل ورغيف الخبز هذا بألف من الدنانير ، قالت بأعلى صوت : أخرج يا جبان لماذا أنت عن الأنظار مستتر ؟
أرأيتم ؟ أنا لم أذكر تلك الواقعة في مقالي ، أتدرون لماذا ؟ لأني كنت خائفًا ، بل وأطبل - من التطبيل - إلى الحاكم ، لأني كنت أغشكم وغير أمين ، واليوم سأصدقكم القول ، فالمستنصر كان مغلوبًا على أمره وطاله من الشدة ما طاله ، وجاع مع الجياع ، أما مستنصر اليوم فيسكن القصور ويلبس الحرير ، ويبيع ويشتري في آلامنا ومعاناتنا بغير ضمير ، وباع القضية ، وولائه لليهودية ، وأفقر متعمدًا قومًا كانوا قبله مستورين ، وتنازل عن الأرص والعرض والطين , هو سمج تولى أمر سمجين ، هو سخيف خفيف لاعلم ولا دين ، ومن عارضه إما قتيل أو سجين ، بئس الحاكم والمحكومين .
له في الخراب علامات ، كغراب يحكم أموات ، أرأيتم بغلًا سار ليلًا من أورشليم إلى الإمارات ؟
وباع وقبض ثمن تيران وصنافير ، أين ذهبت خيراتنا يا كبير العصافير , وتسلط علينا كل ندل خسيس ، حتى مؤخرًا بيعت قناة السويس
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق