المصرية- والنظرية بطبيعة الحال وحيث كان جل الشعب يعاني ، فضلا عن التهميش ، الفقر وسؤ الحال والحرمان حتى من انتعال النعال ، وحيث من كان يخدمون في البلاط الملكي أنفسهم ، وممن يجرون العربات الملكية بدلا من الخيل كانوا أيضا حفاة ــ كانت إبان العهد الملكي ، فإن أوج الحركة الفكرية والفنية كان بحق في ستينات القرن الماضي ــ وعاد بعدئذ كل شيء ، وفي هذا العهد ، إلى القهقري ، وأسوأ من العهد الملكي ، ومن كل العصور التي عاشتها مصر طوال تاريخها ! ولا شك أن كل عصر من العصور التي مرت بها مصر كان يجمع بين المزايا والعيوب ما خلا العصر الذي خلا أو تجرد من أية مزايا فكان عبئا على البلاد من قبل أن يكون حتى محملا بكل العيوب . في هذه الدراسة ــ إن جاز لنا أن نبالغ في تسميتها ــ أحاول فقط رصد ملاحظات شخصية ، متحريا في ذلك أقصى درجات الموضوعية ــ والتي باتت من المستحيلات تحريها بشكل تام ، كالخل الوفي ، ومع ذلك فما لا يدرك كله لا يترك جله . وأعتذر سلفا إن طغى الشكل الأكاديمي بشكل أو بأخر على هذا المقال . لذا فأعتقد أن أغنية بصراحة ، والتي شدت بها فايزة أحمد في منتصف الستينات ــ والتي لا تختلف كثيرا من حيث رمزيتها عن رواية : " شيء من الخوف " لثروت أباظة ، والتي كتبها في العام 1969 ــ ومن الآن يجب أن ننتبه للتواريخ للدلالة على إنتعاش الحركة الأدبية والفكرية في حقبة الستينات ، والتي تولدت منها في حقيقة الأمر القوى الناعمة لمصر ــ والتي كانت من كلمات مأمون الشناوي ، كانت قدحا في احتكار هيكل وهيمنته على الصحافة في مصر ، وحولها إلى صحافة موجهة بدءا من تربعه على عرشها . ولما شرع هيكل في كتابة سلسة مقالاته ؛ " بصراحة " ، ثم جمعها بعد ذلك في عدة كتب من خمسة أجزاء ، وصدرت على التوالي في الأعوام ؛ 1957 ، 1960 ، 1962 ، 1963 ، 1965 ، رد عليه مأمون الشناوي بأغنية : " بصراحة ــ وكما شرع ثروت أباظة في كتابة " شيء من الخوف " ، وكما أسلفنا ــ إعتراضا ربما على تلك الهيمنة الفردية التي يمكن أن تحجب الضؤ عن أي مصدر أخر لموهبة صحفيىة أخرى . وحري بنا هنا أن نقف على بعض كلمات تلك الأغنية ــ ولدواعي الاختصار ــ ونتناولها بشيء من التحليل . فالشناوي يقول : " بصراحة بكل صراحة مالقيتش في حبك راحة ولا وانت بعيد باتطمن ولا وانا وياك مرتاحة "يعني وكما يقال في الأمثال الشعبية : " لابحبك ولا أقدرعلى بعدك " . وعمل مأمون الشناوي بالصحافة أيضا بالمناسبة ، وقد تنقل بين روزاليوسف وأخر ساعة ، كما كان من مؤسسي أخبار اليوم . ما يجعل رجحان مقصده من قصيدته العامية ؛ بصراحة بصراحة ؛ في إدانة ونقد هيكل ــ والذي عمل في بداياته الصحفية أيضا في الأخبار مع كل من على ومصطفى أمين ــ ولكن هل يمكن ــ وتماما كما في رواية ثروت أباظة ؛ " شيء من الخوف " ــ أن يتعدى مقصده من نقد هيكل إلى نقد النظام برمته ، خاصة انه قد كتب كلمات هذه الأغنية في منتصف الستينات ، وبالتزامن مع خروج الجزء الخامس من كتاب بصراحة لمحمد حسنين هيكل في عام 1965 . وقريبا من هذا الزمن ، وتحديدا في الفترة ما بين عام 1966 و 1967 خرجت رواية نجيب محفوظ ؛ " ثرثرة فوق النيل " ــ واللي هو اتباع دالوقتي ! اما البيت : " يا تكون وياي يا تشوف لعذابي نهاية " ؛ فهل كان رفضا مثلا للإنشغال بما يسمى بتصدير الثورة على حساب الشأن الداخلي ؟ القصيدة حقيقة ، ولو بالعامية ، إذا نظرنا لها من زاوية أخرى ، مجردة ، محاولين حل شفرتها ، تكاد تكون مفزعة حقيقة . وفي بيت أخر يقول : " وإن كنت ساعات باشكي لك أهو بس كلام من غلبي " .. ، يعني حتى ولو باشكيلك عارفة إنك مش هتعمل حاجة ! وأخر بيت ، وحتى لا أطيل ، يقول : " أبدا أبدا مش قصدي أعاتبك وبحب قساوة قلبك " .. وهذا البيت لا يقل خطورة عما سبقه من أبيات ، وحيث نجده هنا يتلذذ بتعذيب نفسه ، وهذا مرض نفسي يسمى بالماشوسية ، أو المازوخية ، وهذا يختلف عن السادية والتي تعني التلذذ بتعذيب الأخرين ، وكلاهما مرض نفسي وقانا الله وإياكم من شر جميع الأمراض ؛ العضوية منها ، والنفسية . وهذا البيت الأخير يكاد يشبه في مغزاه قول شوقي في قصيدته : " مضناك جفاه مرقده " : " مولاي روحي في يده .. قد ضيعها سلمت يده " .. يعني مولى شوقي ، والذي هو ملكه ، أو مليكه ، أزهق روحه ، أو قتل نفس بغير نفس ، ومقابل ذلك يقول له شوقي : " عاشت ايديك " .. ! حتى أنت يا شوقي ؟! ، وهل لهذا الهراء قد خُلع عليه هو الأخر بلقب أمير الشعراء ؟!
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق