الدكتور عبدالخالق فاروق أحد القابضين على الجمر في سنوات عز فيها هؤلاء الذين يتمسكون بالمثل العليا والقيم والمبادئ، وهو أحد خبراء الوطن في الاقتصاد والدراسات الاقتصادية والمالية وصاحب العشرات من الكتب المتخصصة في هذا المجال، فضلا عن كونه من المناضلين الشجعان منذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي ومن أوائل من قادوا وشاركوا في ثورة يناير، مع إنجازات ثقافية وإضافات مهمة على المستوى السياسي مشاركا في كل الأحداث كما كان مشاركا دائما في إيجاد حلول لمشاكل الوطن في مصر والعالم العربي.
هذا الكتاب الذي نقدمه على حلقات في أخبار التاسعة هو كتاب يروي فيه الخبير الاقتصادي الكبير عبدالخالق فاروق تجربته في سجن أبي زعبل في عام 1989، ويقول غي مقدمة الكتاب "هو نص ما جرى معى عند أعتقالى عام ١٩٨٩ فى حملة الاعتقالات التى قام بها وزير الداخلية المجرم زكى بدر فى أعقاب أحداث أضراب عمال مصنع الحديد والصلب فى حلوان .. واقتحام قوات الأمن هذا المصنع وقتل العامل عبد الحى واعتقال عشرات العمال .. وأعقب ذلك قيام أجهزة الأمن باعتقال عشرات المثقفين الوطنيين الذين تضامنوا مع مطالب العمال .. وقد تعرض هؤلاء المثقفين إلى حملة تعذيب داخل السجن .. وكنت قد كتبت ما حدث وأخفيته عن أجهزة الأمن حتى توفرت فرصة لنشره عام ٢٠٠٠ بواسطة جمعية المساعدة القانونية .. ولكن للأسف لم تطبع منه سوى ٥٠٠ نسخة فقط فلم يقرأه معظم الشعب المصرى .. وها أنا ذا انشره عليكم حفظا للتاريخ وكشفا للحقائق خاصة بعد أن قامت المافيا السياسية الحاكمة حاليا بالتسلل إلى منزلى وسرقة عدد كبير من مؤلفاتى".
1- " البلطحي الأسود"
كانت عقارب الساعة تقترب من الثالثة صباحًا، حينما استيقظت على صوت طرقات مجنونة على الباب، نظرت إلى ساعة الحائط وأدركت على الفور أنهم زوار الفجر.
لم أشأ أن أوقظ زوجتى، خاصة وإنها قد نامت متأخرة هذه الليلة، فحسام ـ الذي لم يتجاوز عمره الشهرين بكثير ـ كان متوعدًا بعض الشئ، توجهت إلى الباب ودون أن أسأل من الطارق فتحت وفوجئت بكل هذا الفزع الذي أصاب نظام الحكم في مصر خلال السنوات الثماني الماضية.
فكثيرة هي المرات التي داهمت قوات مباحث أمن الدولة منزل أسرتي منذ عام ۱۹۷۷، وانتهاج جهاز الشرطة لما يسمى نظرية الضربات الوقائية» في مواجهة اليسار المصرى ثم الجماعات الدينية من بعد.
عشرة من جنود الأمن المركزى بزيهم الأسود وبنادقهم الأتوماتيكية موجهة إلى صدرى، وأثنان من ضباط ما يسمى العمليات الخاصة، يوجهون مسدساتهم إلى رأسى مباشرة وفي يد إحداهما بلطة حديدية مسنونة، تقدم هذا الذي يحمل المسدس والبلطة الحديدية وبحركة مسرحية وإن كانت لا تخلو من قسوة أخذ في تفتيشي.
وسط هذا الزحام الأسود، تقدم شاب وسيم أشقر الشعر وعلى وجهه ابتسامة ساخرة.
: صباح الخير يا عبد الخالق .. أنا الرائد أيمن فهمى من مباحث أمن الدولة.
: أهلا .. أجبت دون ترحيب وأشرت كالعادة إلى غرفة المكتبة.
تقدم ضابط أمن الدولة وخلفه سبعه من الضباط والجنود، وقف في منتصف الحجرة مشدوها من صعوبة المهمة على ما يبدو، فالمكتبة عامرة بمئات الكتب العربية والأجنبية، أما الدولاب الملحق بغرفة المكتب فيحتوى على آلاف الوثائق والمجلات، ابتسم بسخرية ثم تراجع مندفعا إلى الردهة المؤدية إلى غرفة النوم .. أمسكت بذراعه الخلف وطلبت منه التريث قليلا حتى أوقظ زوجتي وطفلى.
من
: طيب يا عم عبد الخالق .. بس وحياتك خلينا نخلص.
توجهت إلى غرفة النوم ومن خلفى جندى مُسلّح، ويبدو أن زوجتى كانت قد شعرت بحركة غير عادية بالخارج فوجدتها بين اليقظة والنوم .. سألتني بعيون حائرة، فنحن هذا الشهر على موعد متجدد مع أخبار وفاة الأقارب والأحباء.
فوجئت زوجتى بذلك الحشد من المُسلّحين الذين احتلوا كل ركن من أركان الشقة المتواضعة، وبرباطة جأش أخذت في الاستهزاء بكل هذه الأسلحة المصوبة إلى صدورنا.
اندفع ضابط أمن الدولة في حركة هيسترية يفتش وينقب في كل ثقب بغرفة نومي - المراتب ـ الوسادات ـ دولاب الملابس ـ الملابس ـ أسفل السرير، وبصورة تفتقر إلى الذوق والتزام حدود القوانين حتى سرير طفلى الرضيع لم يسلم من عبثه وتحطيمه.
حاولت أن أنبهه إلى أنه يكاد يحطم سرير الطفل بهذه الهمجية، فوجئت بلكمة في الوجه وضربة بمقبض البلطة الحديدية في فم معدتي تأتيني من ذلك الضابط المرتدى بدلته السوداء الحربية.. ويبدو أنه كان سعيدًا بالنجمتين فوق كتفيه وبالعضلات المنتفخة في عروقه، وتناسى أنه ضابط شرطة يحكمه قانون، كدت أشتبك به، لمحت زوجتى وبين يديها طفلى الرضيع بالقرب منى فتراجعت ونظرت إليه نظرة ذات معنى.
على بعد خطوات منا وقف ضابط العمليات الخاصة الثاني ويحمل نفس رتبة زميله الأول.. ويبدو أنه كان سعيدًا بالنجمتين فوق كتفيه وبالعضلات بالقرب منى، فتراجعت ونظرت إليه نظرة ذات معنى.
انتهى عبث ضابط أمن الدولة بمحتويات غرفة النوم.. بدا أكثر ضيقًا وعصبية، أتجه من فوره إلى الحمام وبعدها إلى المطبخ ونقب في كل شئ البوتاجاز ـ الثلاجة الفريزر - ازدادات عصبيته ولم تفلح ابتسامته الداكنة من إخفاء توتره.
: يا سلام يا عبد الخالق لو تريحني.
وبين الابتسامة القلقة والعصبية أخذ يردد هذه الجملة وجاءت إجابتي لتزيد من قلقه واضطرابه.
: يا سلام بس لو تقول لى أنت عايز إيه!
كنت قد تحسبت لهذه اللحظة منذ عدة أيام وذلك عندما اكتشفت أن هناك مراقبة مكثفة لشخصى خاصة بعد اقتحام مصنع الحديد والصلب واغتيال قوات الأمن لأحد عمال المصنع ويدعى عبد الحى، وهكذا تركت كمية كبيرة من أوراق بحث رسالة الماجستير التي أعدها منذ سنوات وبعض أوراقى البحثية الأخرى في مدخل الصالة بحيث يراها كل قادم إلى.. وحدث ما توقعت جلس صاحبنا على الأرض بجوار الغنيمة التي تصورها وأخذ يقلب فى أوراقها لأكثر من ساعة كاملة.. انتهى البحث دون جديد وباستثناء بعض أوراق حزب التجمع والبرنامج الانتخابي لحزب الوفد لم يظفر ضابطنا بشئ.
أخيرا جاء دور حجرة المكتب والمكتبة .. تقدموا وفى لحظات كان كل شئ قد بعثر على الأرض.. ملفات الأبحاث .. مئات الكتب والمجلات، ويبدو أن الضابط (البلطجي) الذي يبدو مزهوًا بلباسه الأسود، قد شعر ببعض الغيرة أو ربما حاول أن يظهر لضابط أمن الدولة أنه قد يكون مفيدًا لو عمل معهم.
فامتدت يديه الغليظتين إلى أرفف المكتبة، أخذ في تناول الكتب واحدًا بعد آخر، وكما يفعل ضابط أمن الدولة أخذ يقلب صفحات الكتب من الغلاف إلى الغلاف دون أن يدرى عن أى شئ يبحث.
فجأة وقع في يديه قصاصتان من الورق، لاحظت نظراته الحادة إلى، بدأت تراودني مشاعر القلق .. اختلست النظر إلى ما تحمله يديه، تقدم بهما بكل فخر إلى ضابط أمن الدولة، شعرت برغبة في الضحك بصوت عال، كانت القصاصتان تتضمنان معلومات مقتبسة من مجلة نيوزويك الأمريكية عن «منظمة الأوبك» !!
تناولها ضابط أمن الدولة ونظر إلى الضابط البلطجى نظرة سخرية ويبدو أنه لم يشأ إحراجه فضمهما إلى الأوراق التي استولى عليها دون أن يقدمها إلى النيابة بعد ذلك.
اقتربت الساعة من الخامسة والنصف صباحًا، عندما طلب منى الاستعداد للنزول معهم، ارتديت ملابسى بسرعة وأخذت بعض حاجياتي في حقيبة صغيرة، وعلى درج السلم هالني ذلك الحشد من الجنود المسلحين بزيهم الأسود كلون الأيام، كما لاحظت أن صندوق البريد الخاص بي في مدخل العمارة قد تحطم تمامًا.
في كل لحظة كانت محاولات التحرش والاستفزاز من ذلك الضابط (البلطجي) لا تنقطع ، حاول ان يعصب عينى طول الطريق، فمنعه ضابط أمن الدولة قائلًا.
: لا ... عبد الخالق عارف السكة.
كانت شوارع المعادى تبدو خالية تمامًا من المارة .. انحرفت قافلة السيارات إلى طريق الكورنيش، نسمة هواء رقيقة لفحت الوجوه، فأزالت بعض التوتر والقلق، تجاوزت القافلة الطريق المعتاد إلى مبنى لاظوغلى حيث العادة القديمة، وسلكت طريق صلاح سالم فداخلني هاجس مفزع بإننا في طريقنا إلى مكان مجهول ومصير مجهول ، واقتربت القافلة من معسكر الأمن المركزى بالدراسة
فازداد القلق. مرت القافلة بجوار سور المعسكر دون أن تدخله وأصبحنا على مشارف العباسية فازدحمت صور الرفاق الذين تعرضوا لتعذيب بشع من قبل في معهد أمناء الشرطة، وهكذا تخيلت وبدأت في إعداد نفسى لمواجهة المصير المحتوم.. الموت.
تذكر يا حسام إنني كنت أدافع عن مستقبل أفضل لك ولأبناء مصر كلها. وأن أباك لم يكن جبانًا .. كانت هذه رسالتي التي أود أن أتركها لأبنى الرضيع، فلنترك الزمن يروى الحقيقة لهم.
أخيرًا تنفست الصعداء .. فقد رت مرد القافلة من ميدان العباسية وأصبحت على مشارف مدينة نصر، وانحرفت السيارة، يمينًا إلى شارع الطيران فأدركت على الفور أننا في طريقنا إلى قسم مدينة نصر.
بمجرد أن وقع بصرى على الدكتور «فخرى لبيب» أحد كبار رجال وخبراء الجيولوجيا في مصر وأمين حزب التجمع في شرق القاهرة داخل حجز قسم مدينة نصر انتابني إحساس بالراحة والسكينة، ها هم الرفاق والأحباء جمعتهم خلف القضبان معًا هجمة مجنونة لنظام حكم مذعور.
أدركت على الفور أننا بصدد ضربة وقائية من : تلك التي اعتاد أن يمارسها جهاز المباحث والنظام ضد قوى المعارضة اليسارية منذ عام ١٩٧٧.
قدم د. محمد السيد السعيد رأيه السياسي بشجاعة ودافع عن حق الإضراب والاعتصام السلمي، وعبرت أنا بدوري في التحقيق الخاص بي عن موقفى السياسي من نظام حكم السيد حسنى مبارك وتحبيذى لتغييره.
جاء قرار النيابة بإيداع جميع المحبوسين على ذمة المُحضر رقم (٤٨١) لسنة ۱۹۸۹ في سجن أبو زعبل ليثير بعض القلق لدى كثير من الزملاء .. أما هؤلاء الذين أمضوا فترة حبس سابقة عام ١٩٧٧ في هذا السجن. وكنت أنا منهم ـ - فقد كانوا أكثر ارتياحًا لهذا القرار وتزاحمت علينا ذكريات عام ۱۹۷۷ ، فبرغم أن سجن أبو زعبل أكثر مشقة وأبعد مسافة على الأهل والأقارب من سجن طره إلا أن الإقامة في أبو زعبل عام ١٩٧٧ كانت أكثر راحة، والليمان أقرب في زنازينه والحديقة الملحقة به ونافورة المياه التي بناها المهندس الشيوعى فوزى حبشى عام ١٩٦٢ إلى نفوس الجميع.. هناك نستطيع أن نقرأ في هدوء وان نستجم؟.
وهكذا حاولت أن أهدئ من قلق بعض الزملاء، وأستطيع أن أسجل للتاريخ، أنه صراعنا العنيف مع نظام الرئيس السابق أنور السادات وهجومه بدوره على ما أسماه.. «انتفاضة الحرامية فإن تعذيبا لم يمارس في عهده ضدنا، بل على العكس تمامًا فبينما كانت تزداد هجماته الإعلامية طوال شهور عام ١٩٧٧ على اليسار وعلى المحبوسين على ذمة قضية ۱۹۷۷ ، كانت الروح السائدة في سجن أبو زعبل أقرب إلى المحبة والود، فمأمور السجن ولا أتذكر اسمه الآن كان دائمًا ما يأتي ليشاركنا رياضة الكرة الطائرة أو تنس الطاولة، وكان مدير المنطقة «العميد محمد إبراهيم» في غاية الذوق وحسن المعاملة .. كان هذا عام ۱۹۷۷ فماذا بعد ذلك ؟ .
جاءت سيارة الترحيلة إلى قسم مدينة نصر، وحشرنا جميعًا فيها، اثنان وخمسون رفيقًا في زنزانة متحركة «٢,٥ متر ۱٫ متر حر أغسطس يكاد يقتلنا، ساعتان تقريبًا والسيارة تسير في طرق وعرة وقاسية اختلطت رائحة العرق المتصبب برائحة خيوط
الدم التي لم تجف بعد من رفيقنا سعيد ناطورة الذى تعرض لاعتداء بشع من أحد ضباط قسم النزهة، أخيرًا اقتربت السيارة من بوابة سجن أبو زعبل، فتنفسنا الصعداء .. تجاوزنا باب ليمان أبو زعبل وسارت الزنزانة المتحركة أبعد بنحو خمسمائة متر، ووقفت أمام باب آخر هناك، وأنتظرنا نحن الاثنان والخمسون داخل السيارة لما يقارب ثلاثين دقيقة.. وفي كل لحظة يكاد يصاب أحدنا بالإغماء، بعدها فتح باب السيارة «الزنزانة» ونزلنا مجموعات كل مجموعة عشرة أفراد ووسط صيحات الضباط ومأمور قسم الصناعي والجنود بدأت التشريفة.
: أقعد.. أقعد على الأرض .. كل واحد هنا مسئول عن نفسه فقط .
هكذا جاءت الأوامر، وكنا نعلم بحكم الخبرة التاريخية ودراسة تجارب الشيوعيين والإخوان المسلمين في السجون، أن هذه هي نقطة البداية المدمرة للجميع أن يتحول المجموع إلى أفراد.. كذرات متناثرة مما يسهل بعد ذلك مهمة تحطيم الجميع.
وحدث ما توقعنا فما هي إلا لحظات حتى تحرش الرائد عاطف» بزميلنا ناصر وتم اقتياده وسط الجميع خارج صفوفنا تمهيدًا للتنكيل به على الفور تقدم صابر بركات وكاتب هذه السطور للإمساك بزميلنا ومنع التنكيل به وحدث هرج ومرج، ووسط الصياح المتبادل عاد ناصر واعتبرنا من جانبنا أن الموضوع قد انتهى عند هذا الحد، ويبدو أن إدارة السجن كانت قد اعتبرت أن الموضوع قد انتقل إلى مستوى التحدى واختزنت فى داخلها أمرًا .. هكذا كان الاستقبال صاخبًا، وكل طرف يحاول أن يعرف نقاط ضعف الطرف الآخر، وبعد تفتيش استفزازى لحقائبنا ومصادرة الأدوية والأقلام والجرائد والأوراق سجلت أسماؤنا وأودع كل عشرة في زنزانة بالدور الأرضي في قسم الصناعي وكان نصيبى زنزانة رقم (۲)
للوهلة الأولى وعند دخولك قسم الصناعى تشعر بانقباض مخيف، وتزداد وحشة المكان عندما فوجئنا بقذارة الزنازين المخصصة لنا، فأرضية الزنزانة قد هبطت في كثير
من أجزائها بنحو ثلاثين سنتيمتر وأحيانًا خمسين سنتيمترا بحيث يتعذر الجلوس عليها فما بالك بالنوم فيها، والأبواب الخشبية لدورة المياه قد نزعت تمامًا بحيث بات كل من يستخدمها مكشوفًا أمام جميع الزملاء، ناهيك عن بشاعة دورة المياه ذاتها، والزنزانة التي لا تزيد مساحتها عن أربعة أمتار أربعة أمتار تفتقر إلى أي مصدر للإضاءة.
كل هذا كان يمكن احتماله.. ولكن أين البطاطين أو المراتب التي سننام عليها؟ ظل هذا السؤال يراود الجميع.. ويزداد القلق والتوتر كلما تحركت عقارب الساعة، ومنذ الثالثة والنصف ظهرا وحتى الساعة التاسعة والنصف مساءًا ونحن نسأل الضباط والشاويشية وتأتى الإجابة لتزيد ارتباكنا وقلقنا:
: حاضر .. بعد نصف ساعة.
كان الكذب باديًا على وجهوهم.. وكانت العيون تقدح بالشرر وتنتظر الأيدى لحظة إصدار الأوامر.
ما بين المراوغة .. وإلحاحنا كانت تدور الساعة وعجلة التعذيب تُعد نفسها لاستقبال زهور جديدة.
كان وكيل مصلحة السجون قد جاء ليلتها للإشراف بنفسه على التنفيذ.. والتعليمات هذه المرة تأتى من أعلى الجهات .. هكذا قال أحد الضباط فيما بعد.
بمنتهى الصلف والغطرسة تقدم عدد من الضباط على رأسهم الرائد محمد صلاح ضابط مباحث السجن ليقول لنا بوضوح:
: مافيش بطاطين .. ناموا على البلاط .. دى تعليمات جهات عليا.
: لكن أحنا معانا عدد من الزملاء مرضى بالقلب والسكر.
: ده شئ ما يخصناش .. وبكره سوف نأخذ إجراءاتنا.
حوار قصير حاد.. بعده بدأت صيحات كتيبة الأمن المركزي بملابس الميدان كاملة فوق رؤوسنا وبدأت بروفة التعذيب بجلد أحد المساجين الجنائيين على قدميه بصورة بشعة، كانت الرسالة واضحة للجميع.. وبعد فترة صمت من جانبنا للتفكير، جاء صوت كمال خليل من زنزانة (٥) يعلن:
إنه احتجاجًا على سوء المعاملة التي يلقاها المحبوسون السياسيون من إدارة السجن فقد قرر عدد من الزملاء في زنزانة (٥) البدء غدًا في إضراب متصاعد عن الطعام للمطالبة بحقوقنا كمساجين سياسيين وفقا حتى للوائح السجون العتيقة.
وبعد قليل ارتفع صوت من زنزانة (۲) يعلن تضامن عدد من الزملاء في الزنزانة مع الإضراب عن الطعام غدًا .. وساد الصمت والسكون هذه الليلة انتظارًا لما يأتي به الصباح.