قبل الحرب العالمية الثانية احتفلت ألمانيا النازية ببطل العالم الجديد للملاكمة ماكس شميلينج الذى استطاع التفوق على البطل الأمريكى الأسطورى جو لويس بالضربة القاضية عام 1936. وجد شميلينج نفسه بطلًا قوميًا وتم تنظيم مسيرات جماهيرية له فى شوارع برلين والتقاه أدولف هتلر ليهنئه على ماحققه (لألمانيا). وعندما تم تنظيم مباراة ثأرية بعدها بعامين كانت سحب الحرب تسيطر على الأجواء وصار مطلوبًا من شميلينج ليس أن يفوز فى مباراة رياضية ولكن أن ينتصر لألمانيا أمام كل القوى المعادية. فلما وصل إلى نيويورك وجد الناس تصرخ فى وجهه، ليس كملاكم منافس ولكن كرمز لألمانيا التى تريد الهيمنة على أوروبا. لم يكن شميلينج سياسيًا بالأساس ولم يستطع استيعاب مايدور ولم يستغرق الأمر سوى دقيقتين ليجد نفسه ممددًا على أرض الحلبة ويتم إعلان انتصار لويس. دعونا نقفز سنوات طويلة لعام 2016 عندما واجه بطل الجودو المصرى نظيره الإسرائيلي فى أوليمبياد (ريو دي جانيرو). كان المصرى يتحدث عن قهر منافسه وأنه (سينكحه) ليس كمنافس رياضى ولكن تعبيرًا عن صراع سياسى وتاريخى وعسكرى ربما لايعى أبعاده تماما، والنتيجة أنه خسر بقسوة. لم أكن فى حاجة أيضا لفتح المندل لأتأكد أن الفريق الإيرانى سيخسر مباراته الأولى أمام انجلترا بفارق كبير، ليس فقط لأنها تملك فريقًا أقوى وليس لأن المدرب كيروش سىء وجاهل كما يزعم البعض، ولكن عندما رأيتهم يمتنعون عن ترديد النشيد الوطنى قبيل المباراة احتجاجًا على العنف ضد المتظاهرين فى إيران، وبعد تعرضهم لهجوم شديد من قوى المعارضة لأنهم زاروا الرئيس الإيرانى قبيل البطولة وحاول بعض اللاعبين الدفاع عن أنفسهم بالتعبير عن التضامن مع الضحايا من المتظاهرين. فريق الكرة لاتتحرك أقدامه بشكل صحيح طالما كانت الرؤوس مشغولة بغير الملعب. نعود إلى السعودية، فالحماس الذى خلقه مدربهم المتميز هارفي رينار فى الشوط الثانى مع الأرجنتين وكان سببا فى انتصار تاريخى، هو نفسه الذى أسقطهم أمام بولندا. ماحدث بعد الأرجنتين جعل اللاعبين يخرجون عن المنافسة الرياضية ليصيروا أبطالًا قوميين ليس فقط للسعودية ولكن لكل العرب، ثم صاروا جنودًا للإسلام فى معركة دينية انتصروا فيها على "الكفار" كما ذكر أحد رجال الدين فى فيديو منتشر. لم يعد المطلوب منهم التفكير فقط فى الخطط التكتيكية واللعب ولكن شن حرب مقدسة نيابة عن أمة منكوبة. من ينظر إلى أدائهم فى الشوط الأول لمباراة بولندا يدرك ان الفريق مشحون لدرجة الانفجار. الأمل الوحيد كان أن يسرع بالتسجيل ويدافع عن تقدمه لأنه لايوجد فريق يمكنه اللعب بهذا الأسلوب الضاغط على الخصم لفترة طويلة، والنتيجة أنه انهار نفسيًا مع تلقيه الهدف الأول ثم بدنيًا مع استمرار المباراة بحيث كانت الهزيمة بهدفين مقبولة بعد تهديد مرماهم فى أكثر من كرة كان يمكن أن تجعل الخسارة أكثر فداحة. المطلوب الآن من الفريق السعودى أن ينسى مسئولياته القومية والدينية ويركز فى مهاراته الكروية، عليه أن يستمتع وهو يلعب ولايتصور أنه مكلف بحماية المقدسات فلها رب يحميها، وسواء كسب أو خسر فلن يغير ذلك من أوضاع المنطقة المعروفة. أما الكوتش رينار فعليه ان يهدأ قليلًا وأن يركز على الجوانب النفسية للاعبين، ليس لتحفيزهم، فهم ليسوا فى حاجة لذلك، ولكن لاستعادة الثقة فى أنفسهم مع التركيز على فنيات الكرة وخططها التى تمكنوا بها من التفوق على أحد أكبر فرق العالم.