JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Home

ترجمة : النظام المصري يدمر القاهرة للاحتفاظ بالسلطة

ترجمة : د. ممدوح قليد 

الحرية في مصر ثمرة لم نحصل عليها كاملة بل قضمنا منها فقط

‎أمضى الكاتب المصري وجدي الكومي ثلاثة أشهر في سويسرا. و ها هو الآن يلقي نظرة نقدية على حكومة بلاده : 

عندما طُلب مني أن ألقي مؤخرا خطابا في افتتاح أيام سولوتورن الأدبية ، أصبح من الواضح لدي تدريجيا مدى صعوبة المهمة الملقاة على عاتقي!أردت بكل بساطة اختيار قضية لا تعرضني للخطر أو تضع عائلتي في ورطة. يجب علي إذا أن أنتقي نصا آمنا عن البيئة ومكافحة التلوث والهواء النقي النظيف. وبهذا أردت أيضا أن أخيب آمال المستمعين الذين كانوا يتوقعون بالتأكيد أن يساهم مصري بخطاب يتعلق الحرية والقمع والاستبداد والديكتاتورية.

في الوقت نفسه ، لم أكن أرغب في إزعاج الجمهور. بالمناسبة كان قد طُلب مني مساهمة في موضوع "ماذا يمكن أن يفعل الأدب؟" - في أوقات الأزمات. لذلك قررت أن أتحدث عن العديد من الأشجار التي تم قطعها في مصر مؤخرا. موضوع مناسب وغير ضار على ما يبدو لأنني أعرف أن هناك حركات في أوروبا تقوم بحملات من أجل الهواء النقي ، وزراعة الأشجار ونقل المصانع من المناطق السكنية. ، لأنه  في اعتقادي يمكن للكاتب انتقاد قطع الأشجار بأمان!

من يقطع الأشجار في مصر: بصرف النظر عن أي شئ فإن موظفي مجلس المدينة هم الذين ينفذون مراسيم المحافظين  ، الذين يتبعون بدورهم لوائح وزير  التنمية المحلية المسؤول الأول عما يجري في المحافظات. لذا فهم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة ، ولا يمكن لأحد أن يغضب منهم. ومن ناحية أخرى، إذا كتب المرء، على سبيل المثال، عن حالة السجناء أو الصحفيين المسجونين أو عن عنف السلطات و تعسفها، فإن ذلك يمكن أن يثير غضب وسخط الكثيرين و بالتالي يتم الزج بالكاتب بسهولة في دوامة أو طواحين الجهاز القضائي.

 الكباري بدلا من الأشجار:

مع كل هذه الاعتبارات ، يشبه الكاتب المصري في ممارسته لنشاطه ذلك  الشخص الذي يدخل ممرا ضيقا منخفضا تتدلى فيه أجراس عالية من السقف حيث لا يمكنه المشي إلا من خلال الانحناء. خلاف ذلك ، فمن الطبيعي أن يصطدم رأسه بأحد الأجراس ، مما يجعل الأجراس الأخرى كلها تهتز. يتبع الضوضاء الناتجة عن ذلك عقاب فوري ، لأن الضوضاء قد أيقظت الأشخاص النائمين. ومع ذلك، في هذه المرحلة من تأملاتي، أدرك أنه يمكن قراءة شيء آخر من الموضوع الذي اخترته وهو استعادة الحرية المفقودة و وقف القمع، و التيقن من أن الاستبداد هو العامل الأساسي وراء كل ما يحدث الآن في مصر.

الحرية هي ثمرة طيبة و شهية لم نستمتع بها في مصر أبدا. إنها مثل الشجرة المحرمة ، لقد تمكن آدم وحواء من تذوقها مرة واحدة على الأقل قبل طردهما من الجنة. أما نحن المصريون فقد طردنا دون أن نستمتع أبدا بثمار هذه الشجرة - التي لا تنمو على الإطلاق في مصر.

في القاهرة ، كان على الأشجار أن تفسح المجال لبناء كباري بحيث يختفي وجه القاهرة القديمة المعروفة. وهكذا، منذ حوالي أربع سنوات، تمر المدينة بتحول عميق، هذه القاهرة القديمة، التي كان عليها أن تشهد الشباب يسفكون دماءهم للإطاحة بمبارك، يليهم آخرون ضحوا بأنفسهم في ميدان التحرير وشارع محمد محمود، مع صرخة "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" على شفاههم.

أولا وقبل كل شيء ، تم حرمان سكان المدينة من مساحاتها الحيوية التي يعيشون فيها منذ قرون ويتم الآن بيع الأرض للمستثمرين. على سبيل المثال، انخرطت الحكومة في نزاعات مكثفة مع سكان منطقة سكنية فقيرة تسمى مثلث ماسبيرو ولم تخجل حتى من الادعاء بأن هذه "المنطقة العشوائية" في قلب مدينة القاهرة يجب إعادة تصميمها بالكامل بل يجب إزالتها بالكامل وإنشاء منطقة حديثة بدلا منها.

ولكن بدلا من أن يقدم للمصريين البسطاء، الذين عاشوا في هذه المنطقة في المثلث بين التلفزيون المصري ماسبيرو ورملة بولاق وضفاف النيل، حلا لمشكلاتهم الناتجة عن قرارات الحكومة  يتضمن إمكانية العودة إلى شققهم بعد التجديد قيل لهم أن الحل الوحيد هو أن يحصلوا على شقق -تم بناؤها بشكل لائق باعتراف الجميع-ولكنها بعيدة عن محل سكنهم السابق بوسط القاهرة.

استعراض القوة:

دخلت الشرطة والجيش في مواجهة مماثلة في أماكن أخرى. وفي جزيرة نيلية تدعى جزيرة الوراق، تم حث السكان على مغادرة ممتلكاتهم بالترغيب والترهيب. كانت هناك أعمال شغب ، وطرد بعض الأشخاص ، وقتل آخرون في اشتباكات دامية. تم تدمير العديد من المواقع التاريخية ، بما في ذلك مقبرة المماليك ، الواقعة في أقدم جزء من القاهرة ، جزئيا لإفساح المجال لشارع رئيسي.

ومن أجل بناء هذه الطرق وغيرها من الطرق السريعة في مصر الجديدة (هليوبوليس) ومدينة نصر، تم قطع جميع الأشجار الكبيرة المعمرة التي طالما وفرت الظل والهواء النقي. تم استبدال الأشجار بالأسفلت والأسمنت ، وتم تحويل مصر الجديدة القديمة ، التي أنشأها البارون إدوارد لويس جوزيف إمبان ، إلى منطقة يبدو أنها تتناسب مع أبو ظبي أكثر من القاهرة.

لماذا يكره النظام المصري الأشجار؟:

مبرر النظام هو أنه  يريد استبدال القبح بالجمال! لكن هذه الطرق السريعة، التي نسميها الكباري  "الجسور"، هدفها الأساسي هو زيادة سرعة حركة قوات الأمن لمحاربة المظاهرات فور اندلاعها.

ثم هناك العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مشروع أقرب للقلعة الحصينة. داخل جدران هذه العاصمة، يجب استيعاب كافة مؤسسات و مكاتب الدولة والوزارات. 

خصص الرئيس عبد الفتاح السيسي ميزانية تناهز ال ٥٨ مليار دولار لهذا المشروع، وهو سيل رهيب من الأموال التي لا يوجهها إلى بناء مبان مدرسية جديدة أو ترميم المتهالك منها، ولا يضعها في صيانة وتوسيع شبكة السكك الحديدية، التي تأتي بكوارث جديدة كل شهر، حيث يتم سحق عشرات الأشخاص بواسطة القطارات.

قررت حكومة السيسي وضع هذه الأموال في بناء حصنها الخاص الذي يتضمن القصور الرئاسية والوزارات. لكن الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة لن يمنح لجميع المواطنين الراغبين في الانتقال اليها لأن الشقة الصغيرة التي تحتوي على غرفتي نوم فقط يصل سعرها لما يوازي ٦٢ ألف دولار. 

هذا ما زرعه السيسي بدلا من الأشجار المقطوعة؟:

زرع عاصمة له و لنخبته يستطيع من خلالها أن يتحصن إذا اندلعت ثورة جديدة في القاهرة وهو بالضبط ما فعله لويس الرابع عشر ، الذي بنى فرساي من أجل أن يتمكن من الانسحاب و الابتعاد عن العاصمة القديمة باريس. من الواضح إذا أن الحكومة والنخبة الحاكمة (نظام السيسي) سيكونا في مأمن في العاصمة الجديدة الحصينة إذا اندلعت أعمال الشغب في وسط القاهرة.

القبض على ناشر:

ولكن دعونا نتحدث عن الناس ، وليس الأشجار! لا أجد وضعنا كمصريين تحت مظلة هذه الحكومة مرضيا . لو كنت أكتب عن نفسي، لتحدثت عن كيف فقدت وظيفتي في صحيفة خاصة، أو كيف تسيطر الأجهزة الأمنية على الإعلام الخاص في مصر. وكما تم القضاء على الأشجار، هكذا تم القضاء على مورد رزقنا و دخلنا و خبزنا اليومي. ولكن بدلا من الشكوى، أفضل أن أخبركم عن خالد لطفي.

خالد لطفي شاب مصري، أصغر مني ببضع سنوات. وبمبادرة منه ودون أي دعم من الدولة، افتتح مكتبة تدعى "تنمية" في وسط القاهرة. بعد بضع سنوات أسس دارا للنشر. ومن بين منشوراته كانت قصة حياة رجل الأعمال المصري أشرف مروان، وهو عميل مزدوج مصري إسرائيلي لا يعرف أحد ولاءه على وجه اليقين. لكن الكتاب الذي نشره خالد لطفي أثار غضب الجيش المصري، وتقرر تقديمه للمحاكمة والزج به في السجن، حيث لا يزال موجودا.

هذا ما يجعل الناشرون من القطاع الخاص بالألم و الأسى الشديد ، خلق سجن شاب مثل خالد جوا من عدم اليقين في دوائر النشر. 

بالنسبة لروايتي الخامسة «النسوة اللاتي» لم أتمكن من العثور على ناشر في القاهرة و لكني تمكنت من نشرها في بيروت في أوائل عام٢٠٢٠ . 

تسمح لي منحة الكاتب المقيم بقضاء ثلاثة أشهر في سولوتورن و بالتالي بمقارنة الظروف في سويسرا مع تلك الموجودة في مصر، وخاصة وضع المؤلفين الذين يمكنهم الكتابة والتحدث هنا في سويسرا بحرية تامة دون خوف من الاعتقال أو السجن.

منذ منتصف عام ٢٠١٩، ليس لدي عمل دائم ولا دخل آمن. أقدم أحيانا ورش عمل للكتابة الأدبية للبقاء على قيد الحياة و إطعام أطفالي. لأنه بينما تعمل الدولة المصرية على مشاريع عملاقة، فإنها لا تهتم بالكتاب والصحفيين، الذين يضطر بعضهم أو سيضطر قريبا  إلى التخلي عن وظائفهم، والبعض الآخر يعمل في ظروف محفوفة بالمخاطر أو يضطر إلى تولي وظائف لم يعملوا بها من قبل و ليس لهم بها أدنى دراية لأنهم لا يكسبون حاليا ما يكفي لإطعام الأسرة.

في درج مكتبي توجد مخطوطات عملين أدبيين: رواية ومجموعة من القصص القصيرة. جئت إلى سويسرا لإجراء بعض الأبحاث لرواية جديدة، عن رجلي اعمال سويسريين هاجرا إلى مصر وأسسا شركات وهما جروبي و بايهلر/ بهلر.

كانت الجالية السويسرية في ما يسمى بالمستوطنة  جزءا لا يتجزأ من التاريخ المصري حتى ثورة يوليو في عهد عبد الناصر في عام١٩٥٢. غروبي وبايهلر هما اسمان معروفان في مصر. أنشأ الأول العديد من محلات الحلويات والمقاهي الكبيرة بينما أنشأ  الأخير سلسلة من الفنادق الفاخرة، يبلغ عددها سبعة عشر فندقا، بما في ذلك فندق كونتيننتال، فندق مينا هاوس، و كتاراكت في أسوان، و ونتر بالاس في الأقصر. كما أسس شركة لإنتاج الكهرباء لتزويد فندق شبرد في القاهرة بالكهرباء.

لا أعرف ما الذي سيأتي ، لكن بالتأكيد سأستمر في الكتابة و بالنسبة لي الإقلاع عن التدخين غير وارد!.

المصدر : جريدة زيورخ الجديدة


author-img

أخبار التاسعه

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage