ليست من أخلاقى أن أنظر من خرم باب وأن ألمع "الأُكر" أوأن أضع خدى على الجدران لأتصنت ولا أتسلق الأسوار لأختلس النظرات لأرضى فضولى وإن كان لدى فضول فخيالى قادر على تصور مايجري خلف الحصون هكذا شأنى طول عمرى فطرة الله التى فطرنى عليها ...ومع التقدم فى العمر ورغما عنى ترامت تحت أقدامى بعض متاعب الناس وفضائحهم بإرادتهم وبألسنتهم بعد أن فاضت وطفحت من أسوارهم فآلمتنى وكنت أصبح أسعد وأفضل مزاجا لو لم أعرفها ...وآخرها أسرة أعرف أحد أفرادها مكونة من بنت وولد وبنت على الترتيب وكلهم فوق سن العشرين لجأت إحدى بناتها بعد أن أعلمت أمها إلى صديقة لها فرارا من عنف بدنى...حيث أطلق عائلها يد إبنه الوحيد فى تربية بناته و أن يكون الآمر الناهى فى البيت على أمه وعلى أختيه لدرجة أنه يضرب أختيه لأتفه الأسباب فى وجود الأب والأم اللذان يتحاشيان عصبيته وغضبه وتهديداته لهم ويحاولان إسترضائه بأى شكل وبأى ثمن مع أن البنتان فى درجة عالية من النضج والوعى تخرجتا حديثا بتفوق ويعملان فى أماكن محترمة.
الموضوع فيه تفاصيل كثيرة موجعة لكن ماأريد أن ألفت النظر إليه هو تنازل الآباء عن مسئولية تربية الأبناء الأصغر للأخ الأكبر أو تدخل الأعمام أو الأخوال لدرجة السماح لغيره بالعقاب البدنى"أنا ضده حتى لو صدر منه" مما يخلق رواسب فى النفس تصل لحد الكراهية بين الأخوة وحد القطيعة عند الكبر بين من آذاهم فى الصغر..
أعرف أن الأخ الأكبر مثلا يمكن أن يساعد والديه فى التوجيه والتنبيه وإشاعة الألفة والحب بين أفراد الأسرة أما أن يشيع هذا الأخ الخوف لدرجة الرعب فى البيت وخاصة بين أخوته البنات فهنا الخطأ والخطيئة والخطر...وللأسف رأيت للحادث الأخير فيديو "مصورا"فى الطريق بين هذا الأخ الذى تتبع أخته بعد خروجها خلسة منه ليستدعيها من مأمنها عند صديقتها بعد وعيد ويصفعها ويركلها بغباء وبلارحمة لدرجة طرحها أرضا ويلقى بها عنوة على الكرسى الخلفى فى سيارته كما لو كانت عبوة وفى وجود الأب أمام جمع من الناس راعهم مايحدث وإعتقدوا أنها عملية إختطاف وأمام صديقتها والشراسة التى تمت بها العملية فى سرعة خاطفة حالت دون تدخل الناس بعد التعرف على شخوصهم...
وبعد علمى بالحادث فكرت فوجدت قدرتى على التواصل معهم محدودة فى مشكلة مزمنة كما أن العلاقة بينى وبينهم لاتسمح لى بالتدخل والمتابعة ...وللأسف كان بعض أصدقاؤها شهود لوقائع سابقة مشابهة ...وسط حالة من الإحباط الشديد بينهن والدمع يبلل خدودهن وإحداهن إنهارت فى البكاء حزنا بعدما عرفن ماجرى للصديقة إجتمعن فى بيتى يتدارسن الأمر وقلن لى فى صوت واحد والله ياعمو دى أكتر واحدة ملتزمة بيننا وأكثرنا تفوقا ولكنها طول عمرها هى وأختها الأكبر تشكوان من تسلط أخاهما الوحيد وتخلى أباهما عن دوره فى حمايتهن بل يدعمه فى تصرفاته...وترك له الحبل على الغارب فأصبح أخاهما الآمر الناهى فيهن فى بيت أبيهن...يأكلن مايحب... يروح ويجئ ويسافر ويسهر ولهن الحبس والمنع حسب المزاج ودون إبداء الأسباب حتى لو وافق الأبوان مبدأيا لكن له الرأى الأخير والنافذ وأحيانا يلقى أوامره عليهن بالتليفون من بُعد حتى فى وجود الوالدين...
أحيانا أسرار البيوت تأتى إليك دون حول منك ولا قوة فتنهار فى عينيك قيمة أناس كنت تحترمهم عن بعد ويتحولوا ساعتها فى نظرك إلى طبل أجوف رغم بريق سياراتهم وأناقة ملابسهم وروعة مساكنهم...تدرك دون أن تتلصص أن هذه الأم مقهورة وأن الأب كان قاسيا عليها طول حياتهما وكانت إيده طويلة عليها فأصبح العنف فى البيت ومد اليد عرفا وأنها تحملته فرارا من واقع أليم كان فى حياتها وأن الأب ذكورى النزعة فلما رزق بالولد كان الدلع والتدليل بدليل أنه الأقل درسيا ومؤهلا عن البنات...فنشأ على مايخالف الفطرة من المساواة بين الأبناء فى المعاملة دون تمييز ...وإذ بك أمام مأساة أسرية تتنبأ أن ستتولد منها فى المستقبل مآسى كثيرة أقلها إنقطاع الصلة بين الأخوة بعد الإستقلال بالزواج أو بغيره من الأسباب...
إن مهمة تربية الأبناء مسئولية الأبوين ولاتفويض فيها وسلطة العقاب لاتوكيل فيها فهى ليست مسئولية عم أو خال أو أخ طالما الأبوان على قيد الحياة...وإلا سنجد الإبنة قد تركن إلى من تجد عنده الحنان فتصير فريسة لفتى لعوب أو تتزوج بمن لاترغب وتحب أو يرغب أهلا ورغم إرادتهم فرارا من جحيم بيت فيه "أخيها"...إستوصوا بالنساء خيرا !