JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Home

محمد كامل خضري يكتب : كلام تسالى


أعتبر أهم مقومات الحياة أربعة أشياء الهواء والماء والخبز والزيت...كنت ومازلت لاأحب الفول إلا بالزيت والجبنة إلا بالزيت والمش إلا بالزيت ويمكننى أن آكل الزيت وقليل من الملح بالخبز حتى أشبع ولكنى لاأطيق الفول أو الجبن أو المش بدون زيت... كنت آكل أى شئ أضع عليه الزيت فإذا إنتهى الزيت وضعت المزيد وكانت أمى رحمها الله تقول لى بس كفاية لأحسن تعشى...أى أصاب بالعشى الليلى...كان المصريون يصابون بالعشى الليلى بسبب سوء التغذية وبالذات نقص فيتامين( أ )  أما أمى فكانت ترى  ذلك بسبب كثرة أكل الزيت والعشى الليلى لمن  لايعرف هو المرض يصيب الإنسان فلايرى فى الظلام لدرجة العمى...أتكلم عن حقبة زمنية لا كهرباء فيها عندما يحل الليل ...  

كانت مصر تزرع القطن وتنتج من بذوره زيت بذرة القطن كان كثيفا بعض الشئ لكن طعمه كان طيبا وعندما جاءت النكسة فسد طعامنا كله ومنه الزيت فكنا نصرف   من التموين الزيت المزنخ ...كان يقلب  المعدة بعد أكله لكنى لم أكن أستغنى عنه ولم يكن له زيت بديل... 

   كنت أعمل فى أحد الأجازات الصيفية فى أوائل العمر فى محل بقالة كنا نبيع الزيت باللتر لأنه كان يأتينا فى برميل...كان الزبائن فقراء يأتى الزبون بكوب زجاجى ويطلب بقرش أو قرشان زيت...كان الجيران يقترضون من بعضهم الزيت...ياخالتى أمى بتقولك ممكن كوباية زيت سلف وأحيانا ممكن شوية زيت شحاتة ! 

 أذكر فى أحد المرات أثناء عملى فى دكان البقالة وكنت فى تانية إعدادى أن تركت طبق الجبنة فوق برميل الزيت المفتوح جزئيا وحاولت فتح صفيحة جبنة جديدة فتعليب الأغذية لم يكن معروفا أيامها كل شئ سايب الحلاوة الطحينية...الجبنة السمنة الهولندى...السكر...الرز ..

الزيت...والبلد كلها كانت سايبة !

 كنا نستعمل الكتب والكراريس المدرسية التى يبيعها لنا التلاميذ بعد إنتهاء الدراسة... فى تغليف هذه الأشياء وعفويا خبط كوعى طبق الجبنة فسقط فى برميل الزيت ! 

وكانت  مشكلة أرقتنى وخاصة أنى كنت المسئول عن الدكان لم أسترح إلا بعد نفاذ برميل الزيت...طبعا بعته ورست فتافيت الجبنة فى القاع ! 

كنت أصاب فى طفولتى  كثيرا بالكحة بسبب لعب الكرة فى الشوارع المتربة فتدعك أمى  ظهرى وصدرى بالزيت ثم تغطيهما بجورنال  ثم تلبسنى المزيد من الثياب فوقهم وتسمعنى  النصائح والوصايا  التى أسمعها منها مع كل نزلة شعبية عن مضار لعب الكورة ثم تغطينى فأنام بعد أن أرقتنى الكحة. .. 

ومرت الأيام وجئت إلى القاهرة ووقفت يوما على أحد عربات الفول فى رمسيس فوجدت البياع يقول لى زيت حار ولا زيت عادى .. فقلت له حار .. حار...لابأس من التجربة ...فأخذ زجاجة محكمة الغلق إلا خرم صغير فى غطاءها ورفعها لأعلى ثم رجها رجا شديدا محاولا أن يسقط بعضا من الزيت منها على الفول فكانت نقاط..لاتكاد ترى على وش الطبق وأعتقد أن زجاجة الزيت مازالت معه إلى يومنا هذا  بحالتها ولم ينفذ منها  إلا القليل !

 صديقى الدكتور  ياسر رحمه الله والد الفنانة التشكيلية مي ياسر  كان يجهز العشاء ويتصل بى  ويغرينى بأن أسهر معه كان يغرينى بالجبنة البراميلى وزيت الزيتون والبطيخ كان يعرف نقطة ضعفى ! 

راح ياسر وراح زيته  وجبنته و راحت أيامه و لياليه رحمه الله     

ودارت الأيام وغاب زيت بذرة القطن المنتج محليا  بعد غياب قطن مصر من حقولها..وعرفنا زيت الشلجم المستورد الذى أتوا به إلينا حتى يتخلصوا  منا نحن  الرعية ! 

ودارت معارك كبيرة على صفحات الصحف بسببه...حاجة كدة من باب إلهاء الرأى العام كما يفعلون حاليا معنا لكن بواسطة أحمد موسى وعمرو أديب وتامر أمين...وعرفنا زيت النخيل وزيت عباد الشمس وزيت الزيتون اليونانى والأسبانى والمصرى وزيت الذرة وزيت السمسم والزيوت الطبية من زيت حبة البركة لزوم حساسية الصدر لزيت النعناع لزوم آلام الروماتيزم وتليين العضلات...ولما ربنا فرجها علينا عرفنا زيت الموتور وزيت الفرامل ! وهكذا الحياة نقلتنا من زيت إلى زيت حتى زاتت أو زاطت  كما يقولون...

وزارنا المرض والأطباء فوصفو ا لنا زيت الخروع نشربه لعمل أشعة وشربته. ...لا ...لا ..ليس هذا الزيت كالزيت الذى أحبه هذا زيت ثقيل خانق رائحته فظيعة كأنك شربت عفريتا تمدد داخلك !  

والغريب أن زيت الخروع الخام قاتل ولو أكل حيوان بذور الخروع لمات على الفور ...ومرت شربة زيت الخروع كما مرت أحداث كئيبة كثيرة فى الحياة...

وزرنا الأطباء وحذرونا من الإسراف فى تناول الزيوت وخطر تصلب الشرايين لكن بعد إيه...ماباظت خلاص ..  

ولكن المحزن فى الأمر أن العالم العربى يستورد أكثر من 90% من زيوت طعامه...إن بلدا لاتنتج زيتها بلدا لايستحق الحياة...قد تكون مثلى كائن زيتى وقد تكون كائن سكرى يحب الحلوى والعصائر...أو كائن لاحم تحب اللحم والبروتينات الحيوانية...أو نباتى تحب الفاكهة والخضروات وتتمنى أن تعيش صحيحا لمائة عام...أو تحب اللبن ومشتقاته ولكنى أتخيل الحياة بدون كل هذه الأشياء...ولكن  لاأتخيلها ولاأطيقها بدون زيت ولكنى أتمنى دائما أن تكون هذه الأشياء من نتج بلادى وبأيدى أهلى...الزيت لو 

تعلمون ..أكثر شئ أختزنه فى بيتى لدرجة أن إبنتى الصغيرة  ذات مرة تساءلت ماهذا الكم من الزيت  ياأبى ؟!

هو إنت حتورثنا زيت !  بدون الزيت ستكون الأيام صعبة علينا ولن ننزلق بسهولة إلى مثوانا الأخير !

author-img

أخبار التاسعه

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage