JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

أحمد السيد النجار يكتب : النفط والغاز ومنع تعدد الأقطاب وراء إشعال أمريكا للحرب


استطاعت الولايات المتحدة تحقيق قفزة عملاقة في إنتاجها من النفط والغاز في الـ 15 عاما الأخيرة بعد أن تمكنت من إنتاج النفط والغاز الصخريين رغم ارتفاع تكلفتهما غير التنافسية. وبات شغلها الشاغل هو البحث عن سوق لصادراتها منهما مما استوجب العمل على رفع الأسعار بألاعيب المضاربين والأزمات والحروب لمستوى يمكن إنتاجها من الدخول والمنافسة في الأسواق الدولية. ويبلغ حجم الإنتاج النفطي الأمريكي نحو 16,4 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن بعد أن كان لا يتجاوز 5,3 مليون برميل يوميا عام 2009. وهذا الإنتاج قابل للتمدد والزيادة لو تمكنت الولايات المتحدة من تصديره للخارج. وتصدر الولايات المتحدة حاليا نحو 8 ملايين برميل يوميا من النفط ومشتقاته، وتستورد نحو 8,3 مليون برميل يوميا من النفط ومشتقاته. وقد ارتفع الاحتياطي النفطي الأمريكي من مجرد 19 مليار برميل عام 2009 إلى 69,4 مليار برميل عام 2020. وأصبحت الولايات المتحدة تحتل المرتبة السابعة عالميا في هذا الشأن بعد السعودية (267,1 مليار برميل) وإيران (208,6 مليار برميل) والعراق (148,4 مليار برميل) والكويت (101,5 مليار برميل) والإمارات (97,8 مليار برميل) وروسيا (80 مليار برميل). ويمكن أن تتقدم مرتبة واحدة على الأقل لو تم احتساب حصة شركاتها العاملة في الخارج من نفط البلدان التي تقوم باستكشاف واستخراج النفط فيها وفقا  لعقود تقاسم الإنتاج والاحتياطيات. 

ولأن إنتاجها من النفط الصخري عالي التكلفة، فإنها لا يمكنها الاستمرار في إنتاجه إلا لو تجاوز سعر البرميل 45 دولار، ولا يمكنها تصديره والدخول به في المنافسة في الأسواق الدولية إلا لو تجاوز سعر البرميل 50 دولارا. وكاد ذلك القطاع يتعرض للانهيار ومعه البنوك التي كان مدينا لها بأكثر من 200 مليار دولار في عام 2020 عندما انخفض متوسط سعر برميل النفط خلاله إلى 41,5 دولار. ونتيجة لذلك عملت الولايات المتحدة على رفع سعر النفط إلى الحد الذي ينقذ قطاع النفط الصخري الأمريكي الذي يعمل به 522 حفار عملاق وينتج نحو 8,5 مليون برميل يوميا. ولذا أصبحت الاستراتيجية النفطية الأمريكية تنهض على رفع أسعار النفط فوق المستويات المُشار إليها آنفا تحقيقا لمصالح شركات النفط الأمريكية النافذة سياسيا بحكم تبرعاتها لتمويل الحملات الانتخابية ولشراء ذمم السياسيين، حتى لو كان ذلك على حساب المستهلك الأمريكي. ويتم تسويق ذلك التوجه بالدفع بأنه يخلق فرص عمل للأمريكيين في قطاع النفط والغاز الصخريين ويحافظ على استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة حتى لو تم ذلك بصورة غير اقتصادية وتم تحميل التكلفة للشعب الأمريكي وللشركات المستهلكة للطاقة التي تعيد تحميلها للشعب أيضا!

وبالنسبة لإنتاج الغاز الطبيعي فإن الولايات المتحدة تنتج نحو 915 مليار متر مكعب في العام حاليا بعد أن كان إنتاجها 584 مليار متر مكعب عام 2009. كما أقامت أول مشروع عملاق لإسالة الغاز في لويزيانا عام 2016 بما مكنها من التحول لرابع أكبر مصدر للغاز المسال بعد قطر واستراليا وماليزيا، وأصبحت تستحوذ على 13,5% من صادرات الغاز المسال في السوق الفورية، ولديها وفقا للنشرة الشهرية لمنظمة "الأوابك" 4 مشروعات عملاقة أخرى لإسالة الغاز بطاقة إجمالية 74 مليون طن اكتملت فعليا في نهاية العام الماضي وتحتاج للأسواق التي تضخ الصادرات إليها حتى يمكنها العمل. 

وتمكنت الولايات المتحدة من رفع احتياطياتها من الغاز الطبيعي من 6900 مليار متر مكعب عام 2009 إلى 12821 مليار متر مكعب عام 2020 بفضل الغاز الصخري أيضا. وأصبحت تحتل المرتبة الرابعة عالميا في هذا الشأن بعد روسيا (47270 مليار متر مكعب)، وإيران (34076 مليار متر مكعب)، وقطر (23846 مليار متر مكعب).

وتضطر الولايات المتحدة لتسييل الغاز الطبيعي للتوجه به على ظهر الناقلات البحرية لتصديره لأي سوق خارج القارة الأمريكية مثل أوروبا وآسيا. والغاز المسال  سعره أربعة أمثال سعر الغاز الطبيعي بسبب التكلفة العالية لمحطات الإسالة والنقل والتأمين، فضلا عن تكلفة إنشاء وتشغيل محطات إعادته للحالة الغازية في البلدان المستوردة له. 

وبدأت الولايات المتحدة في التلمظ على اقتحام الأسواق الأوروبية التي تستهلك نحو 14 مليون برميل من النفط يوميا، ونحو 400 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا. وتعتمد أوروبا على استيراد 60% من احتياجاتها من الغاز، حيث تستورد نحو 240 مليار متر مكعب من الخارج يأتي 45% منها من روسيا. لكن أوروبا الحريصة على مصالحها الاقتصادية ما زالت تفضل استهلاك النفط والغاز الروسيين الأرخص كثيرا بحكم الجوار الجغرافي الذي يقلص نفقات النقل والتأمين ويتيح إمكانية تصدير الغاز الطبيعي في صورته الغازية الرخيصة. وعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة المليون وحدة حرارية بريطانية (تعادل 28,26 متر مكعب) من الغاز الروسي مجرد 20% من تكلفة استيراد الكمية المناظرة من الغاز الأمريكي المسال. 

وكانت الولايات المتحدة قد حاولت إقناع ألمانيا بالتخلي عن خط الغاز الروسي نورد ستريم 2 الجاهز لتوريد 55 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الروسي لألمانيا وأوروبا. لكن ألمانيا رفضت وأصرت لأسباب اقتصادية على المضي قدما في الاعتماد على الغاز الروسي خاصة وأن روسيا لم تستخدم إمدادها لأوروبا بالطاقة بشكل سياسي حتى في أحلك لحظات الخلاف بين الطرفين. واعتبرت الولايات المتحدة خط نورد ستريم 2 عدوانا على أوكرانيا لأنه سيحرمها من الغاز الرخيص ومن الرسوم التي تدفعها موسكو لتمرير الغاز إلى أوروبا عبرها. وللرد على ذلك اتفقت روسيا وألمانيا على استمرار نقل الغاز عبر أوكرانيا لمدة 10 سنوات قادمة. ولم تجد واشنطون وسيلة لعرقلة المشروع وفتح السوق الأوروبية أمام نفطها وغازها الطبيعي، سوى الدفع المجنون لإشعال الحرب الروسية-الأوكرانية بوضع روسيا أمام خيار خطير فإما الدخول في حرب تسئ لمكانتها الدولية وتؤدي لتخريب علاقاتها مع أوروبا في كل المجالات بما فيها تجارة النفط والغاز، أو قبول روسيا بانضمام أوكرانيا للناتو وهي محكومة منذ الانقلاب على يانكوفيتش عام 2014 بأتباع الولايات المتحدة الخاضعين لسطوة النازيين الجدد بما يجعل الأمن القومي للقوة الروسية العظمى في مهب الريح، خاصة لو تحولت أوكرانيا لقوة نووية كما أفصح رئيسها عن نيته في إحداث ذلك التحول.  ولأن الخيارين أحلاهما مر، تورطت روسيا في الحرب التي ساهمت الولايات المتحدة بالدور الرئيس في إشعالها ولا يهمها من ذلك سوى مصالحها العدوانية الضيقة حتى لو وضعت الأخوة السلاف في روسيا وأوكرانيا في صراع دموي مرير.

لقد أصيبت الرأسمالية الأمريكية بحالة سعار وعدوانية حقيقية تجاه الدول والقوميات المنافسة وحتى إزاء حلفائها التاريخيين في أوروبا، فانخرطت في صراعات تجارية لا تنتهي معهم، وهي حالة فاشية نموذجية مماثلة لتلك التي أفضت لاندلاع الحرب العالمية الثانية، فهي تهدد كل من يستورد أو يسهل استيراد الغاز الروسي، حيث عاقبت تركيا بسبب مشروع السيل التركي لتصدير الغاز الروسي، وأوقعت عقوبات على الشركات الأوروبية والألمانية أساسا التي تستورد الغاز الروسي عبر مشروع السيل الشمالي 2 . وشملت تلك العقوبات منع قيادات تلك الشركات من دخول الولايات المتحدة فضلا عن العقوبات المالية! 

إن كل الطرق تؤدي بواشنطون غير القابلة لقواعد الاقتصاد الحر التي طالما صدعتنا بها إلى العمل بكل السبل حتى ولو بإشعال الحروب مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، على رفع أسعار الغاز إلى الحد الذي يجعل صارداتها منه قادرة على دخول أسواق البلدان الأوروبية وطرد روسيا منها وتخريب اقتصادها الذي يعد تصديره للنفط والغاز ركيزة أساسية له،  وذلك لعرقلة تطور النظام الدولي متعدد الأقطاب الذي تشكل روسيا المندمجة مع أوروبا والصين والعالم قطبا رئيسيا فيه. 

ولأن مصلحة العالم بأسره تكمن في استقرار أسعار النفط والغاز عند مستوى معتدل، ولأن هيستيريا المضاربة التي يقودها المضاربون الأمريكيون هي السبب الرئيس في الارتفاع القياسي للأسعار رغم توفر المعروض النفطي، فإن العالم سينتصر على الأرجح في هذا الشق الاقتصادي وسوف تعود الأسعار لمستويات مقبولة ومعتدلة حول مستوى 70 دولار للبرميل، خاصة وأن روسيا يمكنها أن تمارس سياسة الإغراق وتدفع الأسعار لأقل من ذلك لتدمير قطاع النفط الصخري الأمريكي لو أصرت واشنطون على حربها الاقتصادية ضد الاقتصاد الروسي وقطاع الطاقة فيه. وأي سلوك روسي في هذا الاتجاه سوف يجد ترحيبا قويا من كل الاقتصادات المستوردة للنفط في الصين والهند وأوروبا وتركيا وكوريا واليابان والبرازيل مهما كانت تبعية هذه الدولة أو تلك للولايات المتحدة، فالمصلحة الذاتية هنا أكبر وأقوى من أي روادع تفرضها التبعية!

وعلى أي حال فإن السلوك العدواني الأمريكي في العلاقات الاقتصادية الدولية هو نموذج للعدوانية تجاه البلدان والقوميات الأخرى، أو بمعنى آخر هو نموذج أصيل للفاشية. وكانت الولايات المتحدة قد ضربت المصالح الاقتصادية لبعض أقرب حلفائها بشكل عدواني من أجل مصالحها الأنانية مثلما فعلت بالمشاركة مع تابعتها بريطانيا بالاستيلاء على صفقة توريد الغواصات لاستراليا بدلا من فرنسا التي كانت قد اتفقت فعلا مع استراليا على توريد الغواصات إليها! وهذه اللحظة الفارقة في تاريخ العالم ستحدد مسار النظام الدولي وصورته. كما ستحدد مستقبل العملة الأمريكية كعملة احتياط دولية تستغلها واشنطون في نهب سلع وخدمات العالم بشكل لصوصي مقابل مجرد أوراق لا يغطيها رصيد ذهبي أو إنتاجي. كما ستحدد فرص الفاشية الأمريكية في استمرار هيمنتها العالمية أو انتهائها لصالح عالم متعدد الأقطاب اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. 


NameE-MailNachricht