السفير معصوم مرزوق يكتب : عقاب ام " تشريس" بوتن ؟


كان ذلك ما اقترحته في ختام مقالي السابق ( لا ناقة ولا جمل ) أي  " نداء من رئيس أوكرانيا لوقف إطلاق النار والتفاوض"،  وكأن الرئيس الأوكراني كان يسمعني فقد  اذاعت محطة  "سي إن إن " في اليوم التالي نداء الرئيس الأوكراني بالفعل مما اشعرني بالتفاؤل خاصة حين ردت موسكو بإستعدادها ارسال وفد من الخارجية إلي روسيا البيضاء لمقابلة وفد من أوكرانيا ..

والتفاوض في هذه المرحلة قد يكون خطوة مفيدة ، إذا أدرك كل طرف قياس المخاطر والفوائد بشكل علمي ..

فمن ناحية روسيا أري أنها حققت اهم أهدافها ، ولن يضيف تدمير أوكرانيا اي شئ بل قد يتسبب في خسائر فادحة سواء بالتورط في مهمة قوة احتلال في بيئة معادية أو مواجهة حرب عالمية اقتصادية .. 

وبالنسبة للنظام الأوكراني ، فهو يدرك الان محدودية ما يمكن أن يفعله الناتو عمليا ، وربما أمكنه الحصول علي صفقة مقبولة تحقن الدماء وتحمي البنية الأساسية الباقية من الدمار . 

باختصار أوكرانيا لا تستطيع أن تكسب الحرب ، وروسيا لا تستطيع مواصلة الحرب بلا نهاية ، أو مواصلة تدمير بلد مستقل دون استثارة الرأي العام الدولي ضدها .

 وربما تكون عناصر الصفقة الرئيسية هي  : وقف إطلاق النار ، وسحب القوات الروسية  من مواقعها الحالية حول العاصمة كييف ، مع الالتزام بجدول زمني لإستكمال الانسحاب ، في مقابل  تقدم أوكرانيا بإلتزام كتابي بعدم الدخول في تحالف عسكري قبل التشاور بين البلدين ، وعدم التزود بأنواع معينة من السلاح يمكن أن تهدد روسيا ، واحترام حق تقرير المصير للأقاليم المنشقة ..

ولا أظن أنه سيكون مفيدا أن يصر الروس علي نزع سلاح كامل لأوكرانيا  ، أو إذا أصرت أوكرانيا علي استعادة الأقاليم المنشقة ..بل اظن أن قائمة الفوائد للطرفين تتجاوز ذلك في هذه المرحلة من الحرب .

والحقيقة كما سبق لي أن أوضحت في مقال سابق ، لا يبدو أن استمرار نظامي الحكم في البلدين محتملا بعد فترة من توقف العمليات العسكرية ، الرئيس الأوكراني راهن علي دعم يصل الي حد التورط الفعلي من الغرب ، واتضح أنه رهان خاسر ، فضلا عن أنه فقد جزءا كبيرا من أراضي بلاده ، لذا فأن الاحتمال الأرجح هو فقدانه لمنصبه ، ومن ناحية أخري لا يبدو احتمال بقاء بوتين  أيضا في موقعه طويلا مرجحا ، خاصة إذا ثبت بالفعل وجود خسائر كبيرة في قواته ، فضلا عن التداعيات الاقتصادية المتوقعة في روسيا ، 

فلقد كان مثيرا للإنتباه ملاحظة الأسلوب المتعجرف الذي تحدث به بوتين مع رئيس المخابرات الروسي ، فضلا عن أن  الجيوش عادة تعود من ميادين القتال بأجندة مختلفة عن النظام ..وأتصور أن بوتين قد استهلك فائدته بالنسبة للجنرالات وطبقات الاوليجركي التي لن تقبل  بتهديد مصالحها الإقتصادية.

ومن ناحية أخري فأن " الناتو " يمر بلحظة " ميونيخ "  mutatis mutandis ( مع مراعاة تغير الحال ) ، وما تلاها من تسهيل استيلاء هتلر علي النمسا وتشيكوسلوفاكيا ، والفارق هو عدم وجود شخصيات تشبه تشرشل أو روزفلت .. لقد انتهت لحظة ميونيخ عندما بدأ النازي الهجوم علي بولندا .. فهل يعيد التاريخ نفسه ؟.

يبدو المؤكد حتي الآن هو أن ترتيبات إنهاء الحرب الباردة قد انتهكت من كل الأطراف ، أولا حين قرر الغرب مد عضوية الناتو إلي الجمهوريات السوفييتية السابقة في القارة الأوروبية ، ثم عندما احتلت روسيا القرم ، وتطور الموقف إلي احتلال أوكرانيا .

ومن ناحية ثالثة فإن العقوبات المتصاعدة من الغرب ضد موسكو ، لا تبدو أنها وسيلة لإنهاء الصراع ، أو خفض درجة حرارته ، وإنما تبدو وكأنها محاولة ل " تشريس" بوتن !.

أخشي أن الغرب يريد استنزاف روسيا من خلال النزيف الأوكراني .

وربما يبدو أن إيقاف "نورد ستريم "، هدف استراتيجي لأمريكا ، حتي إذا تطور الأمر إلي حرب كونية , حيث تسعي أمريكا  لحرمان روسيا من عائد إقتصادي ثابت ، والحيلولة دون توطيد العلاقات الروسية الألمانية ( وذلك كان كابوس الحلفاء في افتتاحية الحرب العالمية الثانية ، والذي كان من الممكن أن يحسم الحرب لصالح ألمانيا لولا غباء هتلر وغروره الذي دفعه لغزو روسيا رغم المعاهدة التي وقعها معها وذلك في عملية بارباروسا الشهيرة التي كانت من أهم أسباب تدمير زهرة الجيش الألماني ).

هل ينقذ العقلاء العالم من إحتمالات مخيفة ؟.. لا يزال لدي أمل .

تعليقات

  1. هل موقف ألمانيا اليوم فى مواجهة روسيا مرده محاولة الانتقام من غزو روسيا ل المانيا في الحرب العالمية الثانية؟

    ردحذف

إرسال تعليق

أترك تعليق