شاهدت بالصدفة ليلة امس. وأول من أمس فيلمين موضوعهما تقريبا واحد. وهو عمليات الهروب من الدول الشيوعية والفيلمان عن قصتين حقيقيتين الأول هو فيلم رجل علي حبل مشدود للمخرج الأمريكي التقدمي الشهير جدا إيليا كازان. والثاني لمخرج ألماني بعنوان البالون او المنطاد
فيلم كازان من أيام الأبيض والأسود ووقعت أحداثه في تشيكوسلوفاكيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة حين اممت الحكومة الشيوعية السيرك الذي أنشأه وكان ويديره ذلك الرجل علي الحبل المشدود. وبلغ تدخل الحزب والأمن في اعمال السيرك حد املاء فقرات البلياتشو لتناسب الفكر الاشتراكي. وكاد الرجل يسجن لأنه لم يلتزم بها بما انها لم تضحك المتفرجين في أول وآخر تجربة ومع أنه لم يسجن فقد فرض عليه الانتظار لفترة طويلة في كل مرة يريد تقديم عروضه في مدينه جديدة للحصول علي موافقة السلطات. فكان أن خطط للهرب بكل مكونات السيرك من بشر وحيوانات ومعدات الي بافاريا في ألمانيا الغربية بعد أن أقنع المسئولين بأنه يتطوع بتقديم عرض مجاني لقوات حرس الحدود الذي يحمون أرض الاشتراكية من شياطين الرأسمالية في ألمانيا وبالطبع كانت المغامرة شاقة وخطيرة. ومليئة بالتفاصيل المشوقة. والمهم أن الخطة نجحت ولكنه كان الوحيد الذي أصيب ومات لانه قرر أن يكون آخر من يعبر الحدود
وأما الفيلم الثاني فكان يحكي قصة هروب عائلتين صديقتين من ألمانيا الشرقية في منطاد الي ألمانيا الغربية. وقد فشلت الخطة في المحاولة الأولي لنفاذ الغاز أو لتغير اتجاه الريح. ونجحت في المرة الثانية في سباق مع أحوال الطقس ومع قوات (شتازي ) أو بوليس أمن الدولة الألماني الشرقي الذي لم تقل قسوته عن قسوة شرطة هتلر السرية وذلك بعد أن رصد الشتازي آثار فشل المحاولة الأولي دون أن يتوصل الي الفاعلين
لم تكن قصة الفيلم الاخير جديدة علي لأنني زرت اكثر من مرة متحف السور في برلين و رايت توثيقا وتجسيدا لمئات من عمليات الهرب من ألمانيا الشرقية والأدوات المستخدمة والسيناريوهات المذهلة التي اتبعت في كل حالة ناجحة أو فاشلة وهي في ذاتها تعبير عن معجزات العقل البشري مثلما أنها تنطق بالاستعداد لدفع أي ثمن للفرار من الجحيم . إلي جانب السير الذاتية و صور الناجين والفاشلين والمقتولين في أثناء الهروب. فضلا عن تجوالي في كثير من مدن وقري المانيا الشرقية والتي كانت مظاهر الفقر والقبح المعماري و تردي المرافق لاتزال واضحة فيها بعد مرور عشر سنوات علي سقوط النظم الشيوعية و توحيد الألمانيتين
وقتها عجبت كما لازلت أعجب حتي الآن كيف استساغت عقول عظيمة مثل أ محمود أمين العالم الذي أحترمه كثيرا وجيله من الماركسيين الذين مصروا التنظيمات الشيوعية عندنا بالكامل أن يدافعوا عن مثل هذه النظم. واختص الأستاذ العالم بالذكر لأن عبارة له في مقال بأخبار اليوم عام ١٩٦٨ أو ١٩٦٩ كانت ترن في ذهني طوال تلك الجولات. هذا المقال كان سردا وتحليلا لملاحظاته في جولة أوروبية. وتلك العبارة كانت تقريبا : ثم انتقلت من ميناء هامبورج في ألمانيا الغربية آخر معاقل الشرور الرأسمالية الي ميناء روستوك في ألمانيا الديمقراطية منصة اطلاق الوعد الاشتراكي لاوروبا الغربية كلها
هل مناخ الحرب الباردة والحرب الدعائية هو ما وضع هذه الغشاوة علي العيون ؟
ام هو الصراع في داخل مصر بين الماركسيين وخصومهم. خاصة في أخبار اليوم التي كان العالم يرأس مجلس إدارتها في ذلك الوقت ؟
أم هي الإبديولوجية التي تحجب الموضوعية أحيانا. و تدافع عن نظم حولت أشمل نظرية حديثة لتحرير البشر الي أسوأ كابوس انساني في القرن العشرين بعد النازية ؟
علي كل حال وبغض النظر عن تلك المفارقة و في الذكري المئوية لميلاد الأستاذ محمود أمين العالم تحية لدوره في حياتنا الثقافية أدبًا وفكرا وتحية لجيله الذي حرر. اليسار المصري من هيمنة الأجانب