أولا للإنضاف، لابد من اعتبار تعيين قاض قبطي مسيحي (بولس فهمي اسكندر) رئيسا للمحكمة الدستورية العليا في مصر، خطوة إيجابية رغم رمزية المنصب.
تأتي الإيجابية من انها تعطي منصبا رفيعا في الدولة المصرية لأحد مواطنيها المسيحيين، الذين حُرموا من تكافؤ الفرص الحقيقية، منذ استيلاء الضباط "الأحرار" (المسلمين جميعا) في 1952
على الحكم لينهوا المشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة الدولة، خصوصا انها اتسمت بوحدة وطنية لاتميز مسيحيا عن مسلم، وهي نتاج ثورة 1919 الحقيقية بزعامة نخبة غنية مثقفة، بالتالي وجدنا فيها زعامات حقيقية قبطية وليس مجرد اصحاب مناصب مثل الوزير الثائر مكرم عبيد، والنائب فخري عبد النور، و وبصا واصف (أول وآخر رئيس لمجلس نواب مصري، والذي تحدى إرادة الملك وحطم السلاسل لعقد جلسة البرلمان بعد غلقه).
تلك الحقبة المدنية النيابية لحكم مصر، اثمرت استقلال القضاء في مصر بتشريع لعام 1943.
وللإنصاف أيضا، فرغم أن حقبة عبد الناصر التي انهت استقلال السياسة والبرلمان وكذلك القضاء، بما عُرف بمذبحة القضاء 1969 بعزل مائتي قاض وتحويلهم لوظائف إدارية ثم تأسيس المحكمة العليا للسيطرة على الأحكام القضائية، إلا أنها لم تعرف في الظلم والاستبداد تمييزا بين مسلم ومسيحي، ولم تضع تشاريع وقوانين تسمح بذلك، بينما جاء خليفته انور السادات لينفذ اجندة التأسلم والحكم بالشريعة بينما كانت أداة لضرب خصومه اليساريين ولتثير النعرة الدينية في محاربة اليسار والشيوعية ضمن الحلف الأمريكي السعودي. بل وحتى حين عيّن السادات وزيرا للشئون الخارجية بطرس بطرس غالي، فقد حرص على ان يكون بدرجة "وزير دولة" فقط بينما منصب الوزير المستقيل فارغا.
الرمزية في تعيين اليوم، ان منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا بل وحتى المحكمة اصبحت أكثر تبعية لرئيس الجمهورية ليس فقط منذ نشأتها قبل أربعين عاما بل وخصوصا بعد التعديلات "الدستورية" الأخيرة لعام 2019 التي جعلت الرئيس يعين قضاتها ويرفعهم من منصبهم مثلما حدث هذه المرة بإحالة رئيس المحكمة السابق للتقاعد، وتعويضه ماليا، وجعل رئيس المحكمة الحالي بدرجة "وزير" مما يعد إهانة لقاض في الدولة راسخة الديمقراطية ان يُعامل كوزير.
نُقل عن القاضي الراحل يحيى الرفاعي قصة طريفة، وكان من المئتي قاض الذين فصلهم ناصر عام 1969، ان احد زملائه المفصولين كانت زوجته المانية، وثارت على زوجها بعد فصله، لاعتقادها ان فصله يثبت أنه كذب عليها بادعاء انه قاض بينما القاضي في بلادها محصن لايعزله أحد!
كما سيخطئ ايضا من يعتقد ان التعيين موجه بشكل دعائي للدول الغربية، فأمريكا لاتعرف شيئا اسمه تعيين قاض بالمحكمة العليا بمجرد قرار رئاسي دون مداولات علنية واغلبية في البرلمان، أو إحالة سلفه للتقاعد.. فلا احد يملك ذلك مهما كان مرض القاضي، او جعل القاضي مباشرة رئيسا على زملائه!
او حتى أخذ صورة وهو يحلف اليمين امام الرئيس لأن ذلك يؤكد انه تابع للرئيس مثل الوزراء، بينما يحلف القاضي الجديد في المحكمة العليا الامريكية اليمين امام رئيس المحكمة الذي اختاره زملاؤه، ويقف الرئيس في الصورة فقط محتفلا مع زوجة القاضي، باعتبار ان الرئيس رشح القاضي للمنصب بينما الكونجرس هو الذي وافق على تعيينه. وبمجرد حلف اليمين لايملك الرئيس او البرلمان ان يعزلاه!