JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

مقال قديم .. د. عمار على حسن يكتب : في ذكري يناير ..حكاية لجنة المئة لمرشح ثوري واحد

من التجارب التي عشتها وانخرطت فيها بكل كياني، هي محاولة التوحيد بين المرشحين الثوريين للرئاسة، وهي مهمة لو كتب لها النجاح لتغيرت أمور كثيرة، وبشكل جذري.

لم تكن فكرة "لجنة المائة" فكرتي، لكنني أخلصت لها على قدر استطاعتي. ولم تكن في البداية تكوينا من مائة شخصية وطنية، لكنها اتسعت هكذا، وبلغت هذا الحد، مثل ما اتسعت فكرتها من محاولة إيجاد ظهير من شخصيات تنتمي إلى التيار اليساري والليبرالي يسند الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في معركته بانتخابات الرئاسة إلى حوار وطني جاد وعميق ومنفتح، غير متحيز لأحد من المرشحين، إلا بقدر ما يتوافق وضعه مع معايير صارمة وجادة وجلية وضعتها اللجنة، ومنها ألا يكون المرشح منتميا بأي حال من الأحوال إلى نظام مبارك، وأن يكون من التيار الثوري، ويتمتع بحسن سمعة وكفاءة ونزاهة وقدرة على الإدارة، وأن تكون حظوظه وافرة في سباق الرئاسة، وأن يقبل العمل مع فريق رئاسي يمثل كل ألوان الطيف السياسي.

 بدأت الفكرة تحت عنوان "المشروع الرئاسي للثورة" وعقب اجتماع بشأنها ضم رموزا وطنية من مختلف التيارات السياسية والخلفيات المهنية، تم الانتهاء إلى جملة من المعايير يجب توافرها في المرشح الرئاسي الذي سيقف كل هؤلاء خلفه هي:

1ـ القبول الشعبي العام.

2 ـ تبني مطالب الثورة وأهدافها كاملة غير منقوصة.

3 ـ الاستعصاء على الاستقطاب نحو أي تيار سياسي.

4 ـ التاريخ الوطني النضالي المشرف.

5 ـ المحافظة على الثوابت الوطنية محليا وإقليميا ودوليا.


6ـ طهارة اليد والنزاهة وحسن السمعة.

7 ـ ألا يكون من النظام السابق أو تعاون معه، وألا يكون من العسكريين.

8 ـ أن يقبل المشاركة في تعديل برنامجه بما يخدم الوطن.

9 ـ أن يحسن إدارة جملته الانتخابية، ويكون صاحب حظوظ وافرة في المنافسة القوية على منصب الرئاسة.

10 ـ أن يكون خطابه متفاعلا بشكل إيجابي مع التيار الاجتماعي الرئيسي، بما يمكنه من لم شمل المصريين.

11 ـ القدرة على إدارة العمل العام والفهم العميق للظروف التي تمر بها البلاد، ومتطلبات مصر في المرحلة المقبلة.

وفضلا عن تشكيل لجان للاتصال والإعلام، والتنسيق، واستطلاع الرأي، قررت المجموعة تشكيل لجان أخرى لـ"التجوال على كل محافظات الجمهورية" و"وضع تصور وبرنامج يحقق مطالب الشعب"و"خبراء لتقدير موقف وفرص كل المرشحين من تخصصات عديدة منها الاجتماع والعلوم السياسية والاقتصاد والإعلام وعلم النفس والإحصاء، علاوة على تحديد اختصاصات نائب الرئيس، ويلتزم الرئيس بها.

واتفق المشاركون على أن يتبرعوا من مالهم الخاص لتمويل اجتماعات المجموعة وجولاتها في مختلف المحافظات، على أن تعمل المجموعة على بناء فريق عمل دائم إلى ما بعد الانتخابات يسعى لتكوين تيار سياسي بديل لمصر المستقبل.

الفكرة جاء بها إليَّ ذات يوم المهندس حامد الدفراوي المنشق على جماعة الإخوان، أو بمعنى أدق المتخاصم مع التنظيميين داخل الجماعة أو من انحرفوا بها بعيدا عن أفكار مؤسسها حسن البنا، حين قال لي في اتصال هاتفي: نريد أن نكون مجموعة من الشخصيات والقامات الوطنية المشهودة لها بالنزاهة وذات الصيت الذائع لمواجهة مرشحي النظام السابق.

وكنت أعرفه جيدا يوم أن جاء إلى مكتبي عقب تنحي حسني مبارك بأسابيع قليلة ليعرض علي أن انضم إلى قيادات الحزب الذي يكونه الداعية عمرو خالد، واعتذرت له يومها.

وحين التقينا وجدت أن فكرته لا تزيد عن تجميع منتمين إلى التيار اليساري والليبرالي خلف أبو الفتوح. كان اللقاء في "مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية" بحضور مديره الصديق الأستاذ عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي المعروف. وحين تجاذبنا أطراف الحديث حول الفكرة، وقلبناها على وجوهها، استقر بنا الحال أن نوسعها، عبر فتح باب للحوار مع المرشحين الآخرين، وكنا نقصد، حمدين صباحي وأبو العز الحريري  وهشام البسطويسي وخالد علي.

 في هذه الآونة كان الإخوان يقولون إنهم لن يقدموا مرشحا لانتخابات الرئاسة، وحتى حين تقدم خيرت الشاطر فيما بعد، وخرج لأسباب قانونية فدخل مكانه محمد مرسي، لم يكن في حسبان أي من أعضاء اللجنة مد الحوار أو محاولة التوافق والتوفيق إلى ساحة الإخوان، التي أخذت تتصرف كجماعة مكتفية بذاتها، ساعية بقوة ودأب وصرامة نحو السلطة دون اعتبار لمبدأهم القديم: "المشاركة لا المغالبة". كما كان بعضنا يرى أن سيطرة القطبيين على الإخوان وتهميش الإصلاحيين، يبعدهم بقدر ما عن صلب وعين فكرة التيار الرئيسي" التي تعمل تحت طائلتها ووفق مقضياتها "لجنة المائة".

وإزاء هذا، وكذلك سعي بعض رجال النظام القديم للعودة إلى سدة الحكم، كان لا بد أن نفعل شيئا، على قدر استطاعتنا. وكتبت يومها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" عبارة رأيت أنها قد تجيب على أسئلة أتلقاها ليل نهار: "سألني كثيرون عن الرئيس المقبل، وأود أن أطمئن الجميع أن هناك شخصيات في هذا البلد العظيم، لي شرف ان أكون من بينها، لا تكتفي بالفرجة على المشهد من بعيد، بل تعكف منذ مدة في لقاءات متواصلة، على بناء مشروع رئاسي لدخول الانتخابات المقبلة، ثم مواصلة الطريق إلى النهاية ... لست مخولا عن مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، فقط أردت أن أرد على كثيرين يقولون لنا: افعلوا ما هو بعد الكلام ولا تتركوا الساحة خالية للعابثين.

  وعقدنا خمسة اجتماعات تحضيرية بمقر مركز النيل، أيام 17 و20 و26 من فبراير و10 و12 مارس سنة 2011، أعقبها التئام "لجنة المائة"، التي عقدت بدورها، وبكامل هيئتها، ثلاث اجتماعات الأول في مركز النيل، والثاني بفندق "جراند حياة" والثالث بقاعة مركز المؤتمرات بجامعة الأزهر. كما انعقدت بالتوازي مع هذه الاجتماعات أربع جلسات لــ"لجان الخبراء"، رمت إلى تقويم الحظوظ الانتخابية لكافة المرشحين، وصياغة "تقدير موقف نهائي" حول الأوزان النسبة المتصورة . كما قامت لجنة الاتصال بالجلوس لمرات عدة مع ممثلين للحملات الانتخابية للمرشحين بساقية الصاوي، ومقر الجمعية الوطنية للتغيير، وأماكن أخرى.

وحاولت أن أصور الموقف برمته للرأي العام في عبارة تقول: (حين يقف "نسر" حمدين صباحي على "شجرة" خالد علي وعنقه محاط بــ"ساعة" البسطاويسي ثم يرمي بصره بـ"نظارة" الحريري" نحو "حصان" أبو الفتوح الذي يلتقط أنفاسه تحت الظلال الوارقة، فإن القافلة يمكن أن تكمل الرحلة، وتصل إلى المحطة التي نتمناها جميعا).

كنا نعمل بإخلاص وتفان شديدين، وندرك أنها اللحظة التاريخية التي يمكن فيها أن ننقذ ما تبقى من الثورة، عبر الإتيان بمرشح ثوري ليجلس في كرسي الرئيس ويغير كل شيء وفق شعارات الثورة ومبادئها، وعلى أشواق الناس إلى العدل والكفاية واستقلال القرار الوطني والحرية والكرامة والعيش المشترك، لكننا كلما جلسنا نتحدث أو تحركنا لنؤثر اصطدمنا بالعقبة الرئيسية وهي ضرورة أن يتوافق من قصدناهم بما بدأنا وما نفعله.

وكنا نعرف، كأعضاء للجنة، صعوبة ما نحن مقدمين عليه، ليس لشيء سوى لأن فضيلة "إنكار الذات" باتت شيئا عزيز المنال في حياتنا السياسية، وهي آفة عانينا منها كثيرا قبل الثورة، واستمرت أعراضها المؤذية بعد أن نزلت الملايين إلى الشوارع، وكأن الشعب لم يعلم هؤلاء شيئا من تجرده وتضحيته ورغبته العارمة والجارفة في التغيير.

وبدأت لحظة الحقيقة، ألا وهي مصارحة المرشحين الأوفر حظا وهما عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي بضرورة أن يتنازل أحدهما للآخر، ويعلن أنه سيعينه نائبا له حال فوزه، ويخوض الانتخابات بفريق رئاسي أمام الناس، يعرفون أسماء أعضائه، وينتخبون المرشح الذي يعتلى هذا الفريق على أنه "مرشح الثورة".

كانت لجنة الاتصال قد أدت دورها، فاستطلعت رأي صباحي، وأبلغني أحد أعضائها الخبير الاقتصادي القدير أحمد النجار بموافقة صباحي على التنازل إن رأت "لجنة المائة" أن أبو الفتوح هو الأوفر حظا، وهي مسألة كانت لا تحتاج إلى برهان وقت أن بدأنا العمل. كان أبو الفتوح حقا له رصيد كبير في الشارع، وانعكس هذا في تقديرات لجنة الخبراء التي شكلناها، وراحت تدرس فرص المرشحين وفق معايير ومؤشرات وقياسات علمية.

أما أبو الفتوح فقد تصرف طيلة الوقت على أنه ليس في حاجة إلى أحد من المرشحين الآخرين، وقال المقربون منه: هو لا يريد أن يلزم نفسه بأحد، خوفا من أن يؤثر هذا سلبا على فرصه، متكئا بالفعل على أن قانون الانتخاب لا يسمح بالتصويت على اثنين (رئيس ونائب) في ورقة واحدة. وكنا نحن نعرف هذا بالطبع، لكن ما أردناه هو أن يكون هذا الأمر معلنا في الواقع وعلى رؤوس الأشهاد وأمام الشعب، وتقوم الدعاية الانتخابية بتكريس هذا التوجه في الأذهان باعتباره طريق الثورة، ويذهب الناس إلى صناديق الانتخاب، وذلك الأمر في يقينهم، ويصوتون له عن قناعة.

لم نكن واهمين، إذ إن نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية أكدت أهمية وواقعية ما كنا نفعله، فأبو الفتوح وصباحي والمرشحين الآخرين الذين كنا نتحاور معهم حصلوا تقريبا على ضعف ما حصل عليه من ذهبا إلى الجولة الثانية، وهما محمد مرسي وأحمد شفيق. وهذا معناه أن التوحد بين من قصدناهم كان يعني أن أحدهما سيذهب مباشرة إلى الجولة الثانية، وربما كان الأمر قد انحسم من الجولة الأولى، وحتى لو لم يكن كذلك فإن تحليل نتائج الجولة الثانية تعني بوضوح ودون مواربة أن أيا من أبو الفتوح أو صباحي كان سيربح، ويجنب المصريين الاكتئاب الذي عاشوه أسابيع حين وضعتهم الأقدار في الاختيار بين سيء وأسوأ.

في البداية ذهبت مع وفد من لجنة المائة إلى أبو الفتوح لنقابله في بيته بالتجمع الخامس، فجاء إلينا منهكا مما بذله طيلة الشهور الفائتة من جهد في حملة انتخابية اشتد أوراها، لاسيما بعد أن دخل خيرت الشاطر إلى غمار السباق، محمولا على أعناق الإخوان، وهو الذي بينه وبين أبو الفتوح ما صنع الحداد.

قال أبو الفتوح يومها إنه يتابع عمل اللجنة بامتنان، ويرجو لها التوفيق في مهمته الوطنية، وبدا لنا يومها عارفا بما يدور داخل الاجتماعات، لاسيما ما يتعلق بالتقديرات التي وضعته في المرتبة الأولى بين المرشحين الخمسة الذين قصدناهم.

لكن امتنان أبو الفتوح لم يُترجم لنا في المسار الذي حددناه، إذ كان قد اتخذ قراره بتحديد ما أسماه "فريقه الرئاسي"، ولم يعد يحتاج من لجنتنا سوى أن تعلن تأييدها له منفردا، باعتباره الأوفر حظا، أو المرشح التوافقي المستكفي. بالطبع هو لم يقل هذا صراحة، لكن أوحى به. وبان الأمر جليا حين سألنا: هل تضعون حازم أبو إسماعيل ضمن الفريق الرئاسي؟

كان السؤال مفاجئا، فأبو الفتوح الذي يطرح نفسه باعتباره الوجه الحديث المتمدين للحركة الإسلامية المسيسة، والرجل المتناغم مع التيار الرئيسي أو ثقافة الشارع وقيمه وتوجهاته واعتدال تدينه ووسطيته، يسألنا عن وضع أبو إسماعيل الأقرب إلى "السلفية الجهادية" المخاصم لكثير مما عليه الناس، ويراه جاهلية، ويعرض طيلة الليل والنهار على شاشات التلفزيون في حوارات متتابعة ما يخيف المثقفين والسياسيين اليساريين والليبراليين أو يثير تهكمهم واشمئزازهم، بلا لا يروق لعوام الناس ممن يبتعدون بتدينهم عن التنطع والتشدد والغلو والإفراط.

قلت له: لكن حازم يقع خارج المسار الذي نتحدث عنه، وهكذا قال له صديقي الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز. وهز كل من حامد الدفراوي وسليمان سليمان رجل الأعمال المصري الذي يعيش في أوروبا ويميل إلى التيار الإسلامي رأسيهما موافقين على الكلام، إلا أن الرجل كان يقدر الكتلة الانتخابية الكبيرة حول أبو إسماعيل، ويرى أنه من غير المستساغ أن يفقدها، ويتركها لغريمه خيرت الشاطر، الذي بدأ في محاولة جذب السلفيين إليه.

وقلت لـ "أبو الفتوح": إن اقترابك من حازم سيفقدك أصوات التيار المدني والمسيحيين والكثير من الناس العاديين الذي ينظرون إليك باعتبارك تمثل التدين الوسطى، وأولئك الذين يعولون عليك في تعديل المسار الذي تسلكه جماعة الإخوان بعد أن اختظفها التنظيميون والقطبيون والمتسلفون.  وهؤلاء المناصرون لك الآن أكبر بكثير مما لدى حازم، الذي يبدو ظاهرة إعلامية أكثر من كونه حقيقة راسخة على الأرض. كما أن كبار السلفيين قد لا ينجحون في إقناع قواعدهم بك، لاسيما إنهم ينظرون إليك باعتبارك "منفتحا أكثر من اللازم"، أو بمعنى أدق: أنت في وجهة نظرهم لا تعطي الشرع، كما يدركونه ويستقر في أذهانهم، وزنه اللازم في خطابك السياسي.

وحين جاء الحديث عن صباحي، بدا أبو الفتوح متخوفا من أن يؤثر التحالف مع مرشح ناصري ذي ميول يسارية على موقف السلفيين منه، وكذلك بعض قطاعات داخل الإخوان تربت على مخاصمة مشروع جمال عبد الناصر وشخصه وتوجهه. وبدا وقتها أن أبو الفتوح يقدر جمهور صباحي بأنه لن يضيف إليه الكثير. ولم يكن تقدير أبو الفتوح وقتها خاطئ، وقد تكون قد وصلته ما رأته لجنة الخبراء من أن الكتلة التي قد تصوت لصباحي لن تزيد على مليون ونصف، واعتبر أن هذا الرقم أقل بكثير مما يحصل عليه إن تحالف مع السلفيين. لكن بالطبع لم تصله، أو لم يقتنع بالتغير الهائل الذي حدث لصالح صباحي، وهو ما رأته اللجنة، ورصده مركز النيل في استطلاعاته بعد ذلك بأسابيع قليلة. وربما كان أبو الفتوح يعطي أـكثر وزنا لاستطلاعات الرأي التي كان يقوم بها مركز "بصيرة" ومركز "الأهرام" والتي كانت تضع صباحي في موضع متأخر.

وهكذا خرجنا من عنده ونحن مقتنعين بأن الرجل يتعامل مع لجنة المائة باعتبارها تجمع من المثقفين والشخصيات العامة التي إن أعلنت وقوفها خلفه ستعطيه دفعة وزخما يعزز فرصه، وهي الفكرة التي كانت تختمر في أذهان المقربين من أبو الفتوح داخل اللجنة، إلى درجة أن أحدهم هاتفني في وقت مبكر، وعقب أول اجتماع شامل للجنة وقال لي: لا يجب أن نضيع وقتا في المفاضلة والاختيار، الأمور واضحة، أبو الفتوح هو الأكثر حظا وعلينا أن نعلن تأييده كسبا للوقت والجهد، وكان كلامه عن الحظوظ في هذه الآونة صحيحا، لكنه كان متناقضا مع المسار الذي حددناه، فضلا عن أن الخبراء، وكنت واحدا منهم، كانوا يقولون دوما إن اتجاهات الرأي العام في مصر تتغير بسرعة مذهلة، وكتبت هذا في سلسلة مقالات لي بـــ" المصري اليوم" وسمتها بـــــــ "من هو الرئيس؟".

كان أبو الفتوح يتكلم معنا بود وامتنان، لكنه بدا متعجلا، يختلس النظرات إلى ساعة يده، ففهمنا أن لديه موعدا، وعذرناه، فعلى عاتقه الكثير، ومن يقابلهم ويكلمهم كثر. وحين خرجنا من بيته عرفنا من ينتظر، وكانت مفاجأة، بالنسبة لي، طار لها عقلي، واضطرب فؤادي، وشعرت بغصة في حلقي، ومادت الأرض من تحت قدمي، وصرخت بما صرخ به الإمام محمد عبده: لعن الله السياسة.

ما إن انعطفنا أمتارا بعيدا عن باب بيت أبو الفتوح نتجاذب أطراف الحديث حول تقييم ما سمعناه منه، حتى توقفت سيارتان دفع رباعي فخيمتان، ونزلت منهما فتيات تتراقص شعورهن المذهبة على أكتافهن في النسائم الطرية التي أخذت في هبوب متواصل لطيف. كن مع وزيرين من نظام مبارك، هما ماجد جورج، وزير البيئة في حكومة أحمد نظيف، وماجد عثمان وزير الاتصالات في حكومة أحمد شفيق والذي استمر قليلا مع عصام شرف إلى أن تم تغييره في أول تعديل وزاري، وكان من قبل هو الرجل الذي يسوق للنظام عبر استطلاعات رأي غير دقيقة.

نظر إلي عثمان بإمعان، كأنه يريد أن يقول لي: أنا مستمر، أنا مستطلع كل العصور، وخدماتي جاهزة إن أرادها من غلب. وتذكرت في هذه اللحظة النزال العلمي الذي دار بيننا في أروقة مكتبة الإسكندرية قبل الثورة بشهور قليلة، حين كان عثمان يعرض تقريرا طبعه في كتاب فخيم يدعي فيه من خلال جداول ورسومات بيانية وأشكال هندسية وأرقام أن الأغلبية الكاسحة من المصريين راضون عن الإصلاحات التي يقوم بها مبارك. يومها قلت له: هذه رسوم فارغة وبيانات كاذبة حتى لو توسلت بالعلم أو استخدمت طرقه ومساراته. قد تكون العينة متحيزة أو الباحث متحيز، ومن أسف أن يتحول العلم إلى قلادة للزينة توضع في جسد متحلل كي تستر بعض عوراته، أو صلصلة توضع على السمك المشرف على التعفن لتجعله مستساغا للجائعين.

وقفت يومها لأعدد له الأخطاء العلمية البحتة في تقريره الضخم، الذي كان قد وُزع علينا في الليلة السابقة على الندوة، وأعطيته وقتا طويلا أفتش عن التجاوزات المنهجية بعيدا عن الموقف السياسي المتناقض بيني وبين عثمان وطريق من كان يساعدهم، ربما مجبورا، في تسويق فسادهم واستبدادهم، ثم أخذت في شرح جوانب التلفيق في اختيار العينة، وفي تحديد القائمين بالاستطلاع، ومدى مصداقية المعلومات المستقاة من الاتصالات الهاتفية في ظل ثقافة الخوف التي كانت سائدة في مجتمع لم يكن يفرق بين "الباحث" و"المباحث"، وكذلك تضارب البيانات، علاوة على عدم مطابقة النتائج للواقع كما يراه أي مصري من غير المنتفعين بالنظام، مهما كانت مهنته وطبقته وثقافته والجهة التي يقطنها. 

عثمان أمام بيت أبو الفتوح أو نسي أبو الفتوح نفسه أن عثمان هو مهندس الاستطلاعات الزائفة التي كانت تجري أيام المخلوع وتقول نتائجها إن الإصلاح  يتم على قدم وساق، وأن الأغلبية الكاسحة من الشعب راضية عن سياسات النظام، ومقتنعة بشرعيته، وتعول عليه في تعزيز الديمقراطية والتنمية، وأن أهم حدث لدى المصريين عام 2010 هو ولادة فريدة جمال مبارك. لكني أنا لم أنس أن السلطة، لاسيما الحكومة وأمانة السياسات، كانت تستخدم نتائج هذه الاستطلاعات "المعلبة" في الدعاية الرخيصة للنظام، والتمهيد الأرخص للوريث.

كل هذه حل برأسي في تلك اللحظة الخاطفة، وشعرت أنه ليس في الحب والحرب فقط كل شيء مباح، إنما في الانتخابات أيضا. وسألت نفسي بعد أن استرددت أنفاسي المبهورة: عرفت الآن كيف تصنع الاستطلاعات؟ وربما كان هذا مجرد ظن، وبعض الظن إثم. وكتبت مقالا في صحيفة "الوطن" عنوانه "استطلاعات عثمان" لم أشر فيه إلى هذه الواقعة لكنني حذرت بشكل عام من التعامل بجدية مع استطلاعات الرأي التي تخرج عن مركز ماجد عثمان، وقلت: "أتمنى ألا ينخدع المرشحون بها. وأُذّكر الجميع في هذا المقام بأن هناك آراء لخبراء كبار تؤكد أن الاستطلاعات في كثير من الأحيان لا تكون بريئة ومحايدة ومتجردة ونزيهة. وفي مختلف دول العالم تزداد في الانتخابات الرئاسية بالذات الألاعيب والحيل والخدع وكل وسائل خطف الجماهير وجذبها نحو اتجاه معين،  وهذا تزييف للوعي والإرادة".

ربما كنت في هذه اللحظة أخاطب أبو الفتوح، الذي لا أشك في وطنيته وتجرده، لكن خفت عليه من الألاعيب، وممن ينفخون فيه، ويصورون له أن كل شيء ممهد أمامه، فيخرج على الناس ليقول: سأحسم الانتخابات من الجولة الأولى، ثم يتعامل باستهانة شديدة من المناظرة المتلفزة التي عقدها مع عمرو موسى والتي خسر بسببها الكثير. وحين سألت المذيعة الشهيرة منى الشاذلي: لماذا بدا أبو الفتوح في المناظرة أقل مما انتظرناه، أجابتني: كانت حملة عمرو موسى تسألنا في أدق التفاصيل، وعن كل شيء إلى درجة الملل، بينما لم يتصل بها أحد من حملة أبو الفتوح، وحين هاتفتهم أنا لأسألهم عما إذا كان لديهم استفسار عن شيء، شعرت أنهم مكتفون بما لديهم، واثقون بما عندهم، وكان هذا خطأ كبير.

خرجت من عند أبو الفتوح غير ما دخلت، فقد تأكدت أن ذهن الرجل منصرف إلى شيء آخر غير الذي في رأسي، وفي رؤوس أغلب أعضاء لجنة المائة، لكنني لم أفقد الأمل، معولا على مراجعة المواقف المستمر، ومفاجآت السياسة التي لا تنتهي، لاسيما في أيام الانتخابات. وأتت الرياح بما لم تشته السفن، إذ جاء خروج الشاطر وأبو إسماعيل ليزيد من ثقة أبو الفتوح في فرصه، فرجل الإخوان القوي خارج السباق، ومن قدمه الإخوان بديلا عنه يحتاج إلى جهد جهيد لتسويقه، ولذا فإن كتلة لا بأس بها من الإخوان قد تذهب إلى أبو الفتوح، الذي ينظر إليه كثيرون على أنه المؤسس الثاني للجماعة.

وكان تقديري أن بعض الإخوان يمكن أن يصوتوا سرا له، لكن ليس بوسعهم أن يدعوا له ويحشدوا من أجله، وقوة الإخوان ليست في عدد الأعضاء العاملين في الجماعة إنما في دوائر المنتسبين والمحبين والمتعاطفين والفقراء الذين يتلقون الصدقات من جمعيات تابعة للإخوان. أما جمهور حازم أبو إسماعيل فلا يمكنه أن يذهب لـ"أبو الفتوح" الذين ينظرون إليه باعتباره لا يمثل الإسلام كما يعتقدون هم فيه أو يرونه متجسدا في رؤى وآراء وأفكار وتصورات وفتاوى.  كما أن شيوخ الدعوة السلفية لم يتمكنوا للسبب ذاته من حمل أتباعهم على التصويت لأبو الفتوح، وهذا ما لمسته حملته جيدا في اليوم الأول للانتخابات، حيث هاتفني أحدهم وقال لي في نبرة ممرورة حزينة: السلفيون خانوا العهد وباعونا، وصوتوا لمرسي.

كل هذا حدث في الشهرين اللذين تليا خروجي وزملائي من بيت أبو الفتوح، أما ما حدث بعد ذلك بأيام قلائل هو لقائي مع صباحي.

ذهبت إليه مع حلول المساء، فوجدته جالسا في صالة مكتب المخرج السينمائي خالد يوسف، الذي اتخذه مقرا لحملته، مع مجموعة من فلاحي المنوفية. صافحتهم جميعا، وكنت قد التقيت بعضهم في مؤتمرات شعبية شاركت فيها بقرى كمشيش وسالمون وميت خاقان.

صعدت إلى المكتب البسيط لأنتظره حتى يفرغ من لقاء ضيوفه، ولم يمض وقت طويل حتى جاء تسبقه ابتسامه العريضة. ما إن جلس حتى قال لي: أنا جائع. ثم نادى واحدا من أفراد حملته وسأله: هل لدينا شيء في الثلاجة؟ فابتسم وقال: لا يوجد سوى طماطم وخيار وخبز. فقال له: هات. غاب دقائق ثم عاد وفي يده طبق مملوء بشرائح الخيار والطماطم، ووضعه أمامنا، فرحنا نأكل ونحن نتحدث عما جئت من أجله، وكان معي الناشط الحقوقي الأستاذ محمد غنيم.

كنت أعرف من قبل ما قاله صباحي لأعضاء لجنة الاتصال، لكن لم يكن هناك بد من محاولة أخرى. فالوقت آزف، واللحظة فارقة، والناس تنتظر أن يحدث شيئا يطمئنهم على أن الأمور ستجري في مسارها السليم، بعد أن تناثرت وتوالت أخبار "لجنة المائة" في الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، رغم أننا حاولنا، على الأقل في البداية، أن نبتعد عن الصخب والضجيج، وكلما كان أحد يتصل بنا من أجل أن يرسل كاميرا أو ميكرفون أو محرر لتصوير وتسجيل ما يجري في اجتماعاتنا كنا نرفض بصرامة، من منطلق أن الإعلام طالما أفسد أمورا عديدة، وكان علينا أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان.

 كان بعض الإعلاميين يتفهمون هذا، ويتركوننا وشأننا، متمنين النجاح، وكان بعضهم يبحث عن أي طرق لالتقاط الأخبار، ونجحوا بالفعل، وكان أكثرنا يتفاجأ بما ينشر عن جهود اللجنة. ولهذا انتظر كثيرون نتيجة ما نفعل وهذا وضع فوق أكتافنا حملا ثقيلا.

قلت هذا لصباحي، وبدا متفهما لما نفعله، ووصف اللجنة بأنها "الضمير"، لكنه بدا عاتبا على أبو الفتوح، وبدا لنا أن بينهما تنافس قديم مكتوم من أيام الحركة الطلابية التي كانا من أبرز ممثليها في سبعينيات القرن المنصرم، وواجها سويا السادات عام1977، وإن اختلفت القضية التي شغلت كلا منهما وقتها. ومع هذا كان كل منهما حريصا على أن يبدي تقديره للآخر، وألا يأت على ذكر أي سوء بشأنه أمامنا.

هكذا فعل أبو الفتوح وفعل صباحي، لكن كلا منهما لم ينس المسار الذي شقه في حياته، أبو الفتوح حين ساهم بقوة في إحياء جماعة الإخوان بعد أن ترنحت وضعفت، وصباحي حين استمر يناضل من أجل الفلاحين والعمال. كلاهما ألقاه نظام مبارك في غياهب السجن، فقرر صباحي أن يواجه على طريقته من خلال تأسيس حزب الكرامة والإعلان عن الرغبة في الترشح للرئاسة منذ عام 2009، وتمرد أبو الفتوح على جماعته التي لم تعطه قدره، وخرج ليتحداها، ويثبت نفسه بعيدا عن حرسها الحديدي فقرر الترشح للرئاسة، ورآها ثمرة دانية.

لم يقل أيا منهما شيئا عن هذا التاريخ المستيقظ داخلهما، ولا الطموح الذي لا يهدأ، ولا أحلام اليقظة التي رسمت أمام عيون شاردة جموعا زاحفة هاتفة وكرسيا عاليا عريضا. لكننا كنا نعرف هذا، ونوقن أنه الجدار الصلد الذي يمكن أن تتحطم عليه جهودنا المخلصة. وطالما طرحنا على أنفسنا سؤالا: هل يقبل أي منهما أن يتنازل للآخر؟ لكننا لم نشأ أن نجيب نيابة عن أي منهما، وقلنا: فلنحاول، وأجرنا على الله.

لم يشأ صباحي أن يقول لنا "لا" صراحة أو "نعم" واضحة، إنما وبابتسامة مشرقة، كان دبلوماسيا

في الرد: أخذ نفسا عميقا وقال: إن اتفقتم على أي مرشح غيري رأيتموه الأوفر حظا أو الأفضل في ضوء المعايير التي وضعتها اللجنة سأقوم بالتنازل له، وأقبل أن أكون نائبه إن فاز، ما عدا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فإن وقع عليه الاختيار سأنسحب وأمنحه صوتي في الانتخابات، لكن لن أكون نائبه بأي حال من الأحوال. كان يتحدث في مرارة لم تخفها ابتسامته، ولا البريق الذي لا ينطفئ في عينيه، وعرفت أن ما وصل إليه من كلام أبو الفتوح عنه قد أحزنه، وخلق فجوة وجفوة بينهما، حتى لو كانت عابرة.

ومع هذا لم نفقد الأمل. حضرت اجتماعا في ساقية الصاوي بدعوة من رئيس منظمة "عالم واحد" الأستاذ محمد غنيم، شارك فيه ممثلون عن حملات المرشحين الخمسة، أبو الفتوح وصباحي وأبو العز وبسطويسي وخالد علي. جلست صامتا، فلما وجدت أن حالة من التربص والتوجس تسود بين مندوبي الحملات طلبت الكلمة وقلت لهم: جئت اليوم لأشمت فيكم متوقعا عدم اتفاقكم وأتمنى أن تخذلوني وسأكون سعيدا. وتحدث كثير من العقلاء عن أن هذه لحظة فارقة، يجب فيها إنكار الذات خوفا على الوطن كغاية والثورة كوسيلة، ولان كثيرون للكلام، واتفقنا على موعد آخر، على أن يكون في "الجمعية الوطنية للتغيير"، وكلفني الحاضرون أنا والشيخ مظهر شاهين بقيادة هذا الاجتماع.

والتقينا فعلا بعد أيام. كانت فرص صباحي آخذة في التعزز، ما أعطى مندوبو حملته في الاجتماع ثقة متزايدة، وراحوا يردون بقوة على ما يطرحه مندوبو حملة أبو الفتوح، الذين لم تهتز طيلة الأسابيع التي عملت فيها "لجنة المائة" ثقتهم في الفرصة الكبيرة لمرشحهم. وشعرت في هذه اللحظة أن المسألة تتطلب أمرين، الأول هو دخول مجموعة من الحكماء لمساعدتنا، واقترحت أسماء الدكاترة محمد البرادعي ومحمد غنيم وحسام عيسى وكمال الهلباوي ومحمد أبو الغار، واقترح الحاضرون أن أضم اسمي إليهم. واتفقنا على ألا يتسرب الأمر إلى الإعلام. لكن، كالعادة، نُشرت أخبار في مواقع إلكترونية، وذهب البعض لسؤال البرادعي عن المسألة قبل أن نكون قد اتصلنا به فنفى أن يكون على علم بشيء، وهو محق في هذا.

والثاني هو إمكانية التخلي عما بدا مستحيلا بمرور الوقت وهو إقناع أي من أبو الفتوح وصباحي بالتنازل للآخر إلى محاولة إقناع البسطويسي وأبو العز وخالد علي بالتنازل لصباحي، بوصفه الأقرب إليهم من زاوية التوجه السياسي والفكري. وقلت لمندوبي المرشحين الثلاثة: "مرشحوكم ليست لديهم أدنى فرصة للمنافسة، بل إن بعضهم لن يحصل سوى على بضع عشرات من الآلاف، لكن تنازلهم سيعطي معنى رمزيا هائلا للناس، قد يترجم إلى مئات الألوف بل الملايين من الأصوات لصالح صباحي".

 وكالعادة كانت الردود دبلوماسية وغير حاسمة. مندوب أبو العز قال إننا سننظر في الأمر بجدية وإيجابية وهذا خيار جيد بالنسبة لنا. ومندوب البسطويسي قال: المستشار لن يمانع. أما خالد علي فلم يكن قد أرسل مندوبا عنه وإن كان قد أبلغنا بأنه موافق على ما ننتهي إليه. لكن من الناحية العملية استمر كل المرشحين في طريقهم عازمين على أن يدخلوا غمار السباق. وبات أن كلا منهما لا يريد أن يتحمل أمام الرأي العام مسئولية فشل جهود التوحيد بينهم لاختيار المرشح الثوري المنتظر، ولذا يناور ويداور كسبا للوقت. وبدا بعضهم واثقا في فرصه، رغم انعدامها، إذ خرج البسطويسي قبل أيام من الانتخابات ليقول إنه واثق من أنه سيكون في جولة الإعادة.

وقد أطلعت الأصدقاء والزملاء في "لجنة المائة" على نتائج هذه المحاولات، وبدا لنا أنه لا مناص من مواجهة الحقيقة بالجمع بين صباحي وأبو الفتوح في مكان واحد. وقد تهيأت هذه الفرصة في منزل رجل الأعمال محمد يوسف، لكن ظروفا قاهرة حالت دون حضوري هذا اللقاء، الذي شاركت فيه نخبة متميزة، عرفت من بعضهم أن "أبو الفتوح" تحدث في اللقاء عن فريقه الرئاسي الذي كونه، وأعضاء حملته الذين يعولون عليه، والجمهور الذي ينتظره، بما يوحي بصعوبة موقفه والقيود التي تحول دون انسحابه.

 أما "صباحي" فطرح وجهة نظر فاجأ بها الجميع حين قال إن هناك مرشحين اثنين من جماعة الإخوان، هما محمد مرسي وعبد المنعم أبو الفتوح، رغم أن الجماعة كان قد أكدت غير مرة أنها لن تدفع بأي مرشح للرئاسة، ونظرا لأن المداولات التي تتم في إطار "لجنة المائة" لا تضغ مرسي ضمن من تتم مخاطبتهم، فعلى أبو الفتوح أن يتنازل له، ويقف إلى جانبه. وكان هذان الموقفان كافيين لوضع حد لعمل اللجنة التي لم تبخل بجهد في سبيل إنجاح هذه المهمة.

ودخل الاثنان السباق، ومعهما كل الذين حاولنا معهم بلا جدوى. ومع اقتراب موعد الانتخابات وجدت صراعا ضاريا بين حملتي أبو الفتوح وصباحي على الأرض وفي العالم الافتراضي، فكتبت للاثنين: "على المتحمسين لحمدين صباحي ألا يقدحوا في عبد المنعم أبو الفتوح فقد يكون خيارنا في الجولة الثانية،  وعلى أنصار أبو الفتوح ألا يقللوا من فرص صباحي فبوسعه أن يكون هو من يستمر في السباق. ويمكن ـ لا قدر الله ـ ألا يكون لهما حظ في الصعود إلى مرحلة لاحقة، وحينها سيحتاج كل منهما إلى وضع يده في يد أخيه، ونلتف جميعا حولهما في سبيل صناعة تيار وطني يدافع عن مبادئ الثورة ومطالبها".

وسرب البعض أخبار كاذبة تقول إن خيرت الشاطر يدعم صباحي كي يضرب به أبو الفتوح. واتصل بي الرجل العظيم الدكتور كمال الهلباوي منزعجا ومستفسرا عن هذه الشائعات، فهاتفت بدوري خالد يوسف، وكان بصحبة صباحي في المنصورة، وقلت له: هناك من يعزو ازدياد حجم الدعاية لحمدين إلى تلقيه دعما من الشاطر، فقهقه وقال: لأن فرص حمدين تتعزز يريدون ضربه بالشائعات القذرة، ثم قال لي: حين أعود سأريك "الشيك البنكي" الذي أخذته على نفسي بمبلغ مائة وخمسين ألف جنيه، مستحقة الدفع عقب انقضاء الانتخابات مباشرة، وهي ما استخدمناها في تنشيط الدعاية، وحصلنا إلى إعلانات مجانية من بعض أصحاب القنوات الفضائية. وكنت أعرف الكثير عما يقول، وكنت أيضا مؤمنا بأن صباحي لو وجد دعما ماليا كبيرا لن يقف أحد في طريقه، وكتبت هذا في وقت مبكر على حسابي بالفيس بوك. وأبلغت الهلباوي بتلك الإجابة، فحمد الله.

بعد أيام درات عجلت الانتخابات كما تابعنا جميعا دورانها فأزاحت من أزاحت، ودفعت من دفعت، لينتهي الأمر بفوز محمد مرسي، والذي ما كان له أن يتم على هذا النحو، وبنسبة كبيرة، لو امتثل المرشحون لجهود لجنة المائة واقتراحاتها.

وكان آخر ما فعلته "لجنة المائة" هو نداء وجهته إلى الإخوان عقب ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات جاء فيه: "في حياة كل الشعوب لحظات مصيرية ،تستلزم من أبنائها التحلي بأقصى درجات الحكمة ،والإرادة الصلبة للامساك بمصائرها ، ودفعها نحو التقدم والرفعة ، ونحن نعيش الان لحظة كتلك ، تتعرض فيها ثورتنا إلى مخاطر وتحديات جمة،  قد تعصف بكل ما تحقق من مكاسب ، وتعيدنا جميعا من جديد ، إلى مربع النظام القديم الذى انتقلت فلوله بالفعل ، من دائرة الدفاع والانزواء ، إلى دائرة الهجوم ودفعنا جميعا إلى دائرة رد الفعل .

لقد جرت في الجسر مياه ،وأخطأ الجميع واللحظة لا تمنحنا ترف التلاوم ، أو إلقاء التهم على من تسبب في ذلك بقدر ما تمنحنا فرصة أخيرة ، لرص الصفوف والتوحد خلف الثورة في معركتها الأخيرة،  في محاولة انتزاع مؤسسة الرئاسة ، من بين براثن النظام القديم ، بالانحياز إلى من ينتمى إلى معسكر الثورة ، وفق برنامج شراكة وطنية واضح ومحدد الملامح .

NameE-MailNachricht