JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
أحدث المواضيع
Startseite

أميمة الشريف تكتب : قراءة في حادث عروس الإسماعيلية


ليس الأول ولا الأخير بين حوادث العنف التي يشهدها المجتمع المصري، لكنه حادث كاشف لحجم التغيير الذي طرأ على المجتمع وعاداته، فقد أصبح العنف غير المبرر، هو أحد السمات الطاغية والبارزة، في مجتمع يملؤه التناقض، ويسود فيه أفكار عكس الناموس والأخلاق.

ليس الغريب في حادث عروس الإسماعيلية، ما قام به "العريس" الذي ضرب عروسه بكل هذه القسوة، على مرأى ومسمع من الناس، والأهل، وغيرهم، قبل أن تخطو خطواتها الأولى إلى منزل الزوجية. 

رغم أن الواقعة كلها صادمة للمشاعر الإنسانية السوية، لكن الأكثر صدمة بالنسبة لي هو حالة الإنقسام الحاد في ردات الفعل تجاه ما جرى، فالبعض يلوم العروس التي رضيت أن تستمر في زواج لابد أن ينتهي قبل أن يبدأ فهو حتما مصيره الفشل إذ بدأت حياتها الزوجية بتنازلها عن كرامتها وقبول الضرب والإهانة، وبين من يرى أنها ضحية تستحق الدعم والمساندة، وآخرين يرون أن ما حدث يدخل في إطار الحياة الخاصة ولا يجب لأحد أن يتدخل فيه.

وفي الحقيقة لا أستطيع أن ألوم العروس الضحية، أو أقسو عليها، كما فعل البعض، فهي ابنة مجتمع ذكوري لم يزرع إحساس الكرامة داخلها، فتربت على أنها دائما في المرتبة الأدنى، مجتمع تطالبها فيها إحدى الإعلاميات بأن تقول للمجرم " يا سيدي وتاج راسي"، ويرى آخر أن المسامح كريم والحياة لازم تستمر، وأمام ضعف وعدم قدرة الفتاة وعدم وعيها بأنها إنسان له كافة الحقوق التي منحها مجتمعها لسي السيد عريس الغفلة، لا أستطيع أن أحملها أكثر مما تعانيه من ألم نفسي وبدني جراء ما تعرضت له في يوم عرسها.

على الجانب المقابل، لا أبرر تصرف العروس ولا أهلها في قبول ما صار دون اتخاذ موقف مناسب، يرد كرامتها المهدورة، وقبولهم بالأمر وكأنه طبيعي، وغير مستهجن ولا مرفوض، ورغم أنهم بسطاء، أبناء بيئة محافظة، فربما ما فعلوه كان السبب فيه عدم قدرتهم على مواجهة تقاليد بالية، حال تطور الموقف لو أنهم رفضوا تلك الجريمة ووصل الأمر إلى الطلاق مثلا، وهذا ليس تبريرا لكنه ربما يكون تفسيرأ لتصرفهم الغريب.

ما حدث أثار لدي تساؤلين الأول فيما يخص المجتمع بكافة فئاته وشرائحه، والصادم فيه موقف بعض مثقفيه ومن يشكلون قاطرة الوعي وأحد روافد التأثير في العقل الجمعي، الذين يلومون على من تدخلوا لنجدة الفتاة بحجة حماية "الحياة الخاصة"، وكأن الحياة الخاصة تسمح بارتكاب الجرائم دون تدخل، اللهم إلا إذا كان موقفهم نابع من اقتناع داخلي وإيمان ذكوري مطلق يعطي الحق للمجرم أن يرتكب جريمته اللا أخلاقية واللا إنسانية كونه "ذكر"، فهل حماية الحياة الخاصة وخصوصيتها من وجهة نظر هؤلاء تستقيم مع منع جريمة تحدث في الطريق العام على مرأى ومسمع من المحيطين حتى لو نتج عنها قتل الضحية مثلا.

أما التساؤل الثاني، فهو يتعلق بما كشفه الحادث من أن جميع ما قدمته جميع الجهات المعنية والفاعلة والجمعيات والمؤسسات والمعنين بقضايا النساء، طوال سنوات، لم يستطع أن يسهم في رفع الوعي، وإحداث تغيير إيجابي بالشكل الذي كنا نتصوره، وأننا مازلنا نعيش في عصر سي السيد وأمينة، فيطالعنا بسلامته اليوم بأن "عندينا عادي"، فهل كنا نحرث في البحر؟! وإلى أين نسير؟!

وفي الحقيقة، إن مثل هذه التصرفات، التي انتشرت بصورة مبالغ فيها في الفترة الأخيرة من وجهة نظري هي نتاج طبيعي لما نمر به، وما تطالعنا به المؤسسات ذات التأثير، والفتاوى المتعلقة بحق التأديب، وإباحة ضرب الزوجة، والسموم التي تبثها بعض القنوات والمنصات الإعلامية، التي تؤكد أن المرأة مخلوق من الدرجة العاشرة، وأنها عورة، وأنها ناقصة عقل ودين، فضلا عن غياب الحماية القانونية والاجتماعية التي تجعل المرأة تشعر بالأمان ولا تجعل المجرم يفر بجريمته ويفلت من العقاب عليها.

إن جريمة الإسماعيلية، وغيرها، هي إنذارات تكشف عن ما سيؤول إليه المجتمع، في حال التهاون والتعاطي مع تلك الجرائم على طريقة تقبيل اللحى، والصلح حتى تستمر الحياة، وهي بمثابة إلقاء ضوء على ضرورة انتاج منظومة كاملة تعيد تشكيل الفكر الجمعي، وتؤكد احترام الناس وتساويهم في كافة الحقوق، منظومة لا نجد فيها مذيعة تشعر بأنها أدنى درجه من الذكر فتطالب الضحية بأن تذل نفسها لمجرد كونها أنثى، منظومة لا نرى فيها أمثال تؤكد أن لزوج البنت فضل فنرى أبو الضحية بدلا من أن يدعمها ويعلمها الحفاظ على كرامتها ورفض ما حدث نجده يرى أن ما حدث شيء "عادي" ونرى الضحية تبرر الجريمة بأنها هي من " استفزته" 

إن مواجهة تلك الكارثة إن لم يبدأ فورا وعلى كل المستويات فلا أمل في اختفاء تلك الظواهر، ولا إمكانية لتغيير إيجابي في المجتمع.

NameE-MailNachricht